• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التزام الضوابط يحمي المجتمع

التزام الضوابط يحمي المجتمع

◄يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات/ 12).

هناك بعض التوجيهات والأحكام الإسلامية التي تخطِّط من أجل حماية المجتمع الإسلامي من بعض التصرّفات والسلوكيات التي قد تدمّر بعض جوانبه، وتجعله مجتمعاً غير متماسك، بحيث لا يشعر الإنسان فيه بالأمن والاستقرار والطمأنينة، بل ينتظر دائماً هزّة في بيته، وقلقاً في مواقع عمله، ومشاكل كثيرة في كلّ الواقع العامّ الذي يعيش فيه، لسبب بسيط، وهو أنّ المجتمع في تربيته، لا يتعامل بعضه مع بعض على أساس القانون الدقيق الذي لا يحكم على أحد إلّا على أساس بيّنة وحجّة ومعطيات مبرّرة.

فالمجتمع عندما يحكمه القانون وتخضع له سلوكيات كلّ الناس، والعلاقات المجتمعية فيما بينهم، عند ذلك، يشعر الإنسان البريء بأنّه لا يتعرّض لأيّ سوء، لأنّ الناس عندما لا تحكم على الآخرين، ولا تتصرّف إلّا بحجّة واضحة يمكن أن تثبت أمام القضاء والمحاكم، فإنّ البريء حينها لا يخاف. أمّا إذا كان المجتمع يأخذ بالظنّ والوهم ولا يرتكز إلى حجّة، وإنّما ينطلق من خلال كلمة طائرة هنا وإشاعة هناك، أو من خلال بعض المظاهر التي لا ترتكز على أساس، فإنّ الإنسان لا يعرف من أين تأتيه الرياح، ولا يعرف من أين تهجم عليه إشاعة من شخص يحكم عليه من دون أساس، لأنّه سمع أو لاحظ بعض المظاهر التي لا ترتكز على قانون أو قاعدة، ولذلك يبقى المجتمع قلقاً، ابتداءً من البيت، وانتهاءً بالمجتمع في شكل عام.

نحن مثلاً نلاحظ الكثير من الظواهر الموجودة في مجتمعاتنا، فقد يتهم الشخص زوجته بتهمة ما، ربّما كانت تتعلّق بالشرف أو بعض الأوضاع السلبية، لمجرّد أنّه لاحظ بعض التحركات التي يمكن أن تفسّر بأكثر من احتمال، ولكنّه يغلّب الاحتمال الأسوأ. فقد يبادر إلى القتل أو الطلاق أو الطرد، وعندما يسأل عن الأساس في ذلك، فإنّه لا يجد إلّا سوء الظنّ. وهكذا نلاحظ في كثيرٍ من الحالات، أنّ الإنسان قد يسقط في المجتمع من خلال إشاعة ربّما أطلقها شخص حاقد يريد إثارة الفتنة في المجتمع، أو يريد أن يحطِّم رمزاً فيه، فيتلقّف الناس الإشاعة، ويحكمون على الشخص من دون أساس، فنحن مجتمع - ولا أتكلم عن كلّ المجتمع، بل عن ظاهرة - لم يتربَّ، حتى الذين يصلّون ويصومون ويحجّون، على الالتزام بالشريعة أو القانون كأساس، نحن نلعب على الشريعة والقانون، ولا نحمل مسؤولية وحدة المجتمع وتماسكه، حتى في حالات الاهتزاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على أساس ما ذكرناه، وهو الأخذ بالإشاعات.

ونحن نلاحظ - حتى في المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية - أنّ هناك من يطلق الإشاعة، فتربك الاقتصاد والسياسة والأمن، وهو ما يتحرّك على مستوى السياسات الكبرى. فالمخابرات الدولية ـ سواء في القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية ـ تحاول إطلاق الإشاعات، معتمدةً على عدم تدقيق الناس في الأخبار، بل تمشي هي وراء الإشاعات من دون أساس للحجّة.

فالإسلام بدأ في قضية الظنّ؛ ما المراد من الظنّ في القرآن؟ الظنّ هو عبارة عن السلوك الذي لا يعتمد فيه الإنسان على حجّة وقانون وبيّنة، بل يعتمد على الهواجس النفسية لاحتمالات لا ترتكز على أساس، أو أن يعتمد على التخمين: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)، بمعنى يعتمدون على التخمين الذي هو ليس حجّة، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، ولا سيّما في العلاقات الإنسانية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، لا تحكموا على أساس ظنونكم وهواجسكم وتخميناتكم، بل احكموا على أساس اليقين، لأنّ الكثير من هذه التخمينات والهواجس والاحتمالات إثم لا يلتقي بالحقيقة، وخصوصاً إذا انطلقت هذه التخمينات من إنسان لا يؤتمن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6).

علينا أن نثقِّف أنفُسنا وأولادنا على ألا نحكم بشيء، إلّا إذا ثبت هذا الشيء بالحجّة القاطعة. وقد سأل شخص النبيّ (ص): على ماذا أشهد؟ فالتفت النبيّ (ص) إلى الشمس في وقت الضحى وقال: «على مثل هذه فاشهد أو دع»، بحيث تكون القضية واضحة وضوح الشمس في حال الصحو، أمّا إذا كان هناك غيم أو ضباب، فوفّر على نفسك سؤال الله تعالى «على أيّ أساس شهدت؟».

وهذه المسألة هي من القضايا التي تتّصل بعملية سلامة المجتمع، ابتداءً من البيت حتى القضايا العامّة التي تتّصل بقضايا المصير، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فإنّ علينا أن نعمل على استقرار المجتمع، لأنّ المجتمع الذي يخضع للاهتزاز وزلزال الإشاعات، هو مجتمع تستطيع أن تعبث فيه المخابرات الدولية وكلُّ أعداء الأُمّة، معتمدين على هذا النوع من عدم الالتزام بالضوابط في الحكم على الأشياء والأشخاص. والنبيّ (ص) أكّد هذه الفكرة إذ قال: «إيّاكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث»، والسيِّد المسيح (ع) الذي كان يخاطب بعض الناس الذين يحكمون على الآخرين بغير حجّة، قال: «يا عبيد السوء، تلومون الناس على الظنّ، ولا تلومون أنفُسكم على اليقين؟».

وعن عليّ (ع) يقول: «اطرحوا سوء الظنّ بينكم، فإنّ الله عزّوجلّ نهى عن ذلك»، وفي كلمةٍ له (ع) يقول: «سوء الظنّ يفسد الأُمور ويبعث على الشرور». ويقول (ع) أيضاً: «شرّ الناس مَن لا يثق بأحدٍ لسوء ظنّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله». ويقول (ع): «الرجل السوء لا يظنّ بأحد خيراً، لأنّه لا يراه إلّا بوصف نفسه»، وهو ما نظّمه المتنبي في شعره فقال:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنّونه وصدّق مـا يعتـاده من توهّـمِ

إنّ مجتمعاتنا، ولا سيّما مجتمعات المسلمين، تعاني من الزلزال العائلي والسياسي والاقتصادي والأمني، وربّما كنّا نحن الذين نتحمّل مسؤولية ذلك، لأنّ للمجتمع قانوناً لابدّ أن يسير عليه الجميع، وهو أن ينطلق الناس من خلال الضوابط الشرعية والقانونية من خلال ما يحكمون به على الأشياء وعلى الناس، ولأنّ المجتمع الذي يعاني الاهتزاز سوف يسلّط عليه أعداؤه الكثير من عناصر الزلزال.

أمّا عندما يملك المجتمع أُسس الثبات في ضوابطه، فإنّ الآخرين لا يستطيعون أن يزلزلوه. وعلينا أن نعرف أنّ سلامة الفرد هي من سلامة المجتمع، ولا يظنّـنّ أحد أنّه إذا سلم في بيته وكان المجتمع غير سليم فإنّه سيرتاح، لأنّ النار عندما تهبّ في بيت جارك والرياح عاصفة، فإنّ النار سوف تنتقل إلى بيتك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ).►

ارسال التعليق

Top