• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ما هو الدور الحقيقي للوالدين؟

ما هو الدور الحقيقي للوالدين؟

معاملة الطفل حتى سن خمس سنوات يجب أن تكون ثابتة لا تذبذب فيها، إذ انّ التذبذب يوقع الطفل في حيرة وارتباك، فلا يجوز أن نشجع الطفل إذا اعتدى على غريب بالضرب أو الشتم ثمّ نعاقبه إذا اعتدى على أخيه. فالمعاملة الثابتة توقف الطفل على ما يجب عليه عمله وما يجب الكف عنه. ويلاحظ أنّ الطفل نفسه لا يحب الحرية المطلقة لأنّه يميل إلى معرفة ما يصح أن يفعله وما لا يصح أن يفعله. وهذا النوع من التوجيه المبني على أساس ثابتة يصل بالطفل إلى تقدير قيم السلوك. وثبات المعاملة من العوامل التي تؤدي إلى تكوين الفرد بنجاح، على أن تكون هذه المعاملة في جو من العطف والحنان والاحترام بعيداً من الخوف والتسلط.

ويفهم بعض الآباء واجباتهم في تربية أطفالهم فهماً متناقضاً، فهم يسمحون حتى السابعة لأطفالهم بتحقيق كلّ نزوة ويلبّون جميع متطلباتهم، وينمّون عند أطفالهم الغرور بما يطلقون عليهم من ثناء وما يسمعونهم من كلمات الإطراء في أثناء حديثهم عنهم وعن آيات ذكائهم المزعوم، فيشبون، ومن أبرز صفاتهم التعجرف والادّعاء.

ومن الغريب أن هؤلاء الأهل أنفسهم يتحول حنانهم المفرط وإعجابهم البالغ بأبنائهم إلى قسوة وإرهاق بالانتقادات والسخرية كلما ارتكب أبناؤهم خطأ أو بدت منهم نقيصة وذلك بعد السابعة أو عندما يذهب الطفل إلى المدرسة.

وكما لقن الوالدان ولدهما الإعجاب بكل ما يصدر عنه والزهو بكل كلمة يقولها أو عمل يقوم به بحجة محبته وتدليله، فهما يقسوان عليه في هذه السن أو بعدها بتلقينه الشك في نفسه واليأس من قدرته على القيام بعمل صالح بحجة الرغبة في تهذيبه وإصلاحه.

وهكذا يتصادم هذان النقيضان في نفسه وينتهي إلى أزمات مرهقة من الشك في كفايته وأهليته للحياة، فتضعف شخصيته وتتعقّد في وقت نموّها وحاجتها إلى التحرر والانطلاق، وبعدما  كان يعتقد أن كلّ شيء مسموح له، يستبد به الاعتقاد الآن أن كلّ شيء محرّم عليه، وما ذلك إلا لتناقض أبويه في تربيتهما له من حيث إفراطهما في تدليله ثمّ زجره والقسوة عليه.

ونذكر هنا إنّ تربية الطفل تبدأ منذ الولادة، وبأن جمال هذه السن يجب ألا يحمل الأهل على الافتتنان بطفلهم وإغراق الثناء عليه والإفراط في تدليله، ذلك أنّ الامتناع عن الإفراط في تدليله في هذه السن المبكرة سوف يوفر عليهم الإفراط في القسوة عليه ويوفر على الطفل ما يعانيه من صراع هاتين العاطفتين المتناقضتين.

 

الأخذ والعطاء:

عندما يبدأ الطفل البحث عن رفاق من سنّه يجب أن نوفر له هذا حتى يتعامل معهم على أساس الأخذ والعطاء، فهذا أسلم لتكوينه من تعامله دائماً مع من هم أكبر منه سناً أو أصغر منه.

ونذكر إن اعتماد الطفل على والديه كبير جدّاً في السنوات الأولى، فالطفل له غرائزه وحاجاته التي يريد إشباعها، فهو يريد المحافظة على نفسه ويرمي إلى الراحة والدفء. والشعور بالأمان في هذه السن هو بدء الثقة بالنفس. ومن عوامل استمرار ثقة الطفل بنفسه أن يتصل بعد أمه بأفراد أسرته، ثمّ يتصل برفاقه وأصحابه.

ويجب أن نتذكر أن لدى الطفل حاجتين تعملان معاً، فالحاجة إلى المخاطرة لا تتم إلا إذا أشبعت الحاجة إلى الأمان، ومما يلاحظ في لعب الأطفال أنّ الواحد منهم في سن الخامسة يميل إلى الخروج للعب مع رفاقه ولكنه لا يبتعد كثيراً عن المنزل، فخروجه مع رفاقه يحقق النزعة إلى المخاطرة، وبقاؤه بالقرب من المنزل يحقق النزعة إلى الأمان، وهو يريد أن يلعب في غرفته ولكنه يريد أن تكون أمّه في المنزل.

فواجب الآباء أن يساعدوا أطفالهم على إشباع حاجاتهم ولكن يجب ألا يبالغوا في مساعدتهم إلى الحد الذي يجعل الأطفال يفقدون القدرة على الاستقلال، فيجب أن يسارع الآباء إلى جعل أبنائهم يعتمدون على أنفسهم في تناول طعامهم، وفي لبس ثيابهم، وفي المحافظة على أدواتهم وترتيبها، وفي قيامهم بواجباتهم التي يكلفونهم بها في المدرسة.

وتسهيل اتصال الأطفال بالآخرين يجعل كلاً من الأخذ والعطاء أكثر حدوثاً في حياتهم مما لو كان محيط الطفل مقصوراً على والديه، فهذا يترتب عليه أن يأخذ من والديه ولا يعطي، أما اتصاله برفاقه أو إخوته فإنّه يوجد مجالاً أن يأخذ الطفل ويعطي كما يأخذ، فإذا اعتدى على غيره يُعتدى عليه وإذا أخذ لعبة رفيقه فلابدّ من أن يتنازل له عن لعبته، وهكذا فإن اختلاط الأطفال برفاق من سنهم جيِّد لتعلّم الأخذ والعطاء والألم والسرور وغير ذلك من الخبرات الضرورية لتعليم الطفل التحمّل وصلابة العود وعدم الأنانية.

ولفصل الطفل فصلاً جزئياً عن أمه واختلاطه بغيره ميزة أخرى لجعل الطفل يكوّن عن نفسه فكرة صحيحة، ففكرة الطفل عن نفسه تزيد دقّتها وقربها من حقيقة كثرة تعامل الطفل مع غيره.

ونجد أنّ بعض الآباء يتدخّل في كلّ صغيرة وكبيرة في حياة أولادهم، والأولاد الذين ينشأون في هذا الجوّ يكبرون متصفين بالتردّد والضعف، ذلك لأنهم لم يتدرّبوا على اتخاذ القرارات بأنفسهم، ويخشى الآباء إذا تركوا أولادهم يفكّرون بأنفسهم أن يخطئوا، وينسون أن موقفهم منهم يجب أن يكون موقف الموجّه والمرشد.

ولابدّ أن يتدخل الآباء في سلوك الأبناء عن طريق الثواب والعقاب، فالأطفال يثابون عادة على أعمالهم تشجيعاً لهم وحثّاً لغيرهم، وأنواع الثواب هي: الجوائز المادية كالنقود والحلوى واللعب والهدايا، والجوائز المعنوية من طريق إظهار علامات الرضا والاستحسان بالعبارات الطيبة. ومن أنواع الثواب العفو عن ذنب سابق، فإذا قام الطفل بعمل طيب وكانت له سابقة سيئة يصح أن يعفى من العقاب عن هذه السابقة إثابة له.

والقاعدة العامة في الثواب أنّه لا يجوز إثابة الطفل على عمل يجب القيام به، فهذا النوع من الإثابة يخلق عند الطفل شخصية مادية. ويحسن أن تحل الجوائز المعنوية مكان الجوائز المادية ذلك أنّه في حال إجادة تطبيقها تؤدي تدريجياً إلى تكوين الضمير الحي وإلى إنماء الشخصية القوية المطمئنة إلى ما تأتيه من اعمال، ومعنى هذا أنّ الثواب سواء أكان مادياً أم معنوياً يجب ألا يكون غرضاً في ذاته وأن ينظر إليه على أنّه وسيلة يتعلم الفرد بها قيم السلوك.

ومن أخطاء الآباء شدة انفعالهم في أثناء العقاب وكأنّهم يعاقبون انتقاماً وليس إصلاحاً، فهذا يتسبّب عنه كراهية الطفل للوالد الذي يقوم عادة بتنفيذ العقوبة، ومن الخطأ تهديد الطفل بعقوبة إذا اقترف ذنباً ثمّ عدم تنفيذ العقوبة بعد وقوع الذنب، فهذا يضعف من سلطة الوالدين وقد يقلل من قيمة تهديداتهما وأقوالها.

ويعتمد بعض الآباء على العقوبات البدنية وهي سهلة التطبيق ونتيجتها الظاهرة سريعة تؤدي إلى نظام سطحي شكلي، ونتائجها السريعة تخدع الآباء. ويطلق على العقوبات غير البدنية العقوبات النفسية، وكثيراً ما تكون هذه أقسى من البدنية، لذا ننبّه إلى الحرص في استعمالها، فلا يجوز على سبيل المثال تذكير الطفل بخطئه وتوبيخه عليه يوماً بعد آخر، فالواجب أن يعوّد الآباء أنفسهم على نسيان كلّ ما يتعلق بالذنب بعد تنفيذ العقوبة بمدة قصيرة، ولا يجوز أن يسمحوا للذنب بأن يترك في نفوسهم أثراً باقياً مستديماً.

وبعض الآباء يطلبون من أبنائهم الندم والاعتذار بعد تنفيذ العقاب عليهم مباشرة، وهذا لا يجوز، ففيه إذلال لهم وعدم اعتبار لما يجب إنماؤه في الأطفال من الشعور بالكرامة وعزّة النفس. والقاعدة أن يترك الطفل بعد العقاب فلا يناقش لأنّه يكون غاضباً وليس من العدل أن نناقشه وهو في هذه الحال النفسية الحادّة.

ومن الأمور التي تؤدي إلى الازدواجية في التربية البيتية الكذب، والواقع أنّه لشدّة ما يكذب الآباء على أبنائهم في كلّ فرصة – فهم يعدون ولا ينجزون، ينهون عن أعمال ويتسامحون بها لأنفسهم – فإنّ الأبناء يقعون ضحية هذه الإزدواجية. وشر الكذب هو الذي يؤتى به أمام الأطفال وبحقهم.

 

الاتزان العائلي:

ومن الأمور التي تؤثر في تكوين الأبناء الروابط بين الوالدين، فتعاون الوالدين واتفاقهما والاحتفاظ بكيان الأسرة يخلق جواً هادئاً ينشأ فيه الطفل نشأة متزنة. وهذا الاتزان العائلي يترتب عليه غالباً إعطاء الطفل ثقة في نفسه وثقة في العالم الذي يتعامل معه في ما بعد، وقد أثبتت الدراسات أنّ 75% من حالات الإجرام والتشرّد ترجع إلى انهيار الأسرة ما يدل على أن تماسك الأسرة له أثره القوي المباشر في سلوك الأبناء.

ومن مظاهر تفكّك، الأسرة مشاجرات الوالدين واختلافهما ما يجعل جو المنزل ثقيلاً لا يطاق، فيهرب منه الطفل إلى الشارع حيث يحتمل أن يبدأ سلسلة من السلوك غير المرغوب فيه، وأحياناً يصبّ أحد الوالدين غضبه على الطفل، وهذا يقلّل ثقة الطفل في نفسه ويجعل ثقته معدومة في من يتصل بهم في الحياة بعد ذلك.

وقد يحدث التفكّك من طريق الطلاق أو الانفصالات المؤقتة أو الدائمة أو اضطرار الوالدين للعمل خارج المنزل لكسب العيش.

ومن البديهي أنّه كلما قلّت اختلافات الوالدين زادت صلاحية الجو العائلي لتربية الأبناء.

ومن العوائق التي تقف في طريق نمو الشخصية السوية للأبناء تفكّك الأسرة وعدم اهتمام أفرادها بعضهم ببعض، وعدم اهتمام الأهل وتساهلهم وعدم تكريس الوقت الكافي للاهتمام بالأبناء.

 

·     المصدر: مجلة العربي/ العدد 547 لسنة 2004م للكاتبة د. مريم سليم

ارسال التعليق

Top