• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مقومات بناء شخصية الطفل

مقومات بناء شخصية الطفل

قال الرسول الأعظم (ص): "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يغفر لكم".

من أوّليات التربية الصحيحة احترام الطفل وتكريمه والعائلة التي تحترم أطفالها وتأخذ بآرائهم فلا شكّ أنّهم سيصبحون أقوياء الشخصية.

الطفل إنسان له قيمته الواقعية وإن كان ضعيفاً، وهذا حاله، يولد ضعيفاً ولا يعلم شيئاً ولكنه يملك القابلية للتعلم فيكبر وينمو وهو يملك الاستعداد لذلك. وإن كان بعد لما يتعلم كيف يستخدمها فلديه جهاز اللسان لكنه لا يعرف بعد أي لغة يتحدث بها، ولديه جهاز العقل ولكنه لا يكشف له الطريق... وتأتي مسؤولية التربية لتنمية شخصيته إبتداءاً من المشي والتكلم والإدراك حتى يشق دربه في الحياة بكل ثقة وعزم ويحقق اهدافه بفوز ويكون ناجحاً في المستقبل.

ومن أهم مقومات شخصية الطفل:

أوّلاً: اللغة وتعلم الكلام.

إنّ اللغة والكلام هما وسيلة الإنسان للتعبير والإتصال بالناس يقول الإمام عليّ (ع): "جمال الرجل فصاحة اللسان".

وقد دلت البحوث العلمية على أنّ اللغة عند الإنسان تبدأ مع بكاء الطفل ساعة ولادته فهو يبكي طلباً للحليب والطعام أو يبكي نتيجة للأُم أو لطلب النظافة مع العلم أنّ الطفل لا يعرف بعد أي لغة لكن لبكائه دلالات وإشارات والأُم الذكية تعرف لماذا يبكي طفلها ومتى يبكي؟

ويتطور ذكاء الطفل بعد الشهر السادس حتى الشهر الثامن حيث يحاول أن ينطق بكلمة (بابا) و(ماما) أما في الشهر العاشر فيكون قادراً على نطق كلمة ذات معنى ثمّ تزيد الكلمة إلى ثلاث وأربع كلمات عند نهاية السنة الأولى.

وفي الشهر الثامن عشر يكتسب الطفل العادي حوالي عشر إلى عشرين كلمة ذات معنى وعندما يصل إلى سنتين ونصف فإنّه يقدر على تكوين جمل بسيطة ومركبة قد يعاني في بداية أمره صعوبات في تركيب الجمل ولكن بمرور الزمن تختفي هذه الصعوبات.

وفي السنة الثالثة يكون لدى الطفل حوالي 890 كلمة وحينما يصل عمره إلى خمس سنوات تكون حصيلة الكلمات بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كلمة، ويكون حديثه مع الغير مفهوماً.

وأهم شيء يجب أن يتنبه إليه الآباء والأُمّهات هو مساعدة الطفل على أن يثق بنفسه وبقدرته على التحدث وعلينا أن نفسح له المجال للتعبير عن ذاته وتصوراته.

ثانياً: الإجابة على أسئلة الطفل:

الطفل خلال السنة الثالثة أو عند نهايتها حتى السابعة عادة ما تكون في ذهنه تساؤلات وأسئلة كثيرة جدّاً وربما تكون أسئلة غريبة ومحيرة، وقد يعجز الأبوان عن إعطاء الجواب المناسب لها، وتنهال أسئلة الطفل عن الله والموت والزواج والجن وعن الجنة والنار وما شابه ذلك. فيبدأ يسأل والديه أين الله؟ وهل هو مثلنا؟ وما هو الموت؟ ولماذا يموت الإنسان؟ ولماذا يتزوج الرجل والمرأة؟... إلخ.

بعض الآباء والأُمّهات ينزعجون من أسئلة أطفالهم فينهرونهم ويحاولون إسكاتهم بأي طريقة ويصل المطاف ببعضهم أن يجيب على أسئلة أطفاله ولكن بإجابات مبهمة غير طبيعية أو بإجابات بعيدة عن الحقيقة.

وهناك آباء ربما يعاقبون أولادهم إذا سألوهم. وهذا الأسلوب بعيد عن الصواب.

لأنّ الطفل في مثل هذه الحالة مثله مثل التائه الذي يريد أن يسمع كلمة تفتح له طريق السلامة وتدله على الجواب المقنع.

يقول الإمام عليّ (ع): "القلوب أقفال ومفاتيحها السؤال"، ولذلك ينبغي ملاحظة النقاط التالية:

1-    إيّاك أن تنهاه أو تنهره عن طرح الأسئلة بل على العكس من ذلك يجب عليك أن تفرح حينما ترى ابنك يسأل ويناقش فهذه علامة ذكاء، فالأطفال الأذكياء كثيرو الأسئلة. ربما يكون السؤال محرجاً ولكن حين تنهره فأنت بهذا التصرف قد حطمت شخصيته... وربما يصاب بعقدة الخجل والإنزواء.

ولقد دلت البحوث والتجارب العملية أنّ الهروب من الرد على أسئلة الأطفال وتعمد تأجيل الإجابة على بعضها الآخر يتركهم عادة يعانون من مشاكل لا يفهموم لها حلاً، الأمر الذي يسبب لهم حيرة ومشاكل جمة في المستقبل.

من تلكم الأسئلة: قد يسأل الطفل لماذا يتزوج الرجل بالمرأة؟ والسؤال بحد ذاته طبيعي ولا داعي للدهشة والغرابة، فالطفل حين يسمع أو يشاهد حفلات الزواج تثأر في ذهنه تساؤلات عن الزواج، ويبدأ بالبحث عن تفسير لكل ما يراه.

والاجابة عن هذا التساؤل ليست صعبة أو مستحيلة بل يمكن أن يأتي الجواب كالآتي.

زواج الرجل والمرأة سبب لإنجاب الأولاد بإذن الله (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) (الشورى/ 49)، وكلّ طفل مثلك، فهو بحاجة إلى أم حنونة، تعطف عليه، وأب رحيم يرعاه في طفولته.

وربما يقول: إذاً أريد الزواج بأختي الجواب – أسهل ما يكون، ويجب أن يعتمد على الدين وغرس سجية الغيرة في نفس الطفل كأن تقول له: إنّ الله لا يقبل هذا الشيء وعلينا أن نطيع ربنا، ونلتزم بأوامره ونواهيه.

وقد يسأل لماذا لا أستحم مع أختي؟

وهنا تبرز ملاحظة: في سن السادسة أو السابعة يستحسن أن لا يستحم الطفل مع أخته التي أكبر منه أو أصغر منه.

وجواب السؤال: إنّك الآن أصبحت كبيراً ورجلاً ومن اللازم أن تستحم وحدك من دون أن تثير فضول الطفل.

2-    إيّاك أن تجيبه بغير الحقيقة، لأنّ الجواب غير الصحيح يبقى في ذهن الطفل وحين يكبر ويتعلم فيما بعد تتناقض الإجابات الراسخة في ذهنه مع العلم الذي تعلمه فيظل حائراً لا يدري هل إن أباه كذب عليه، أو أنّ الحقيقة الجديدة التي تعلمها غير صحيحة، فإذا سأل مثلاً: كيف ينزل المطر؟ فلا تجيبه بشيء غير صحيح، كأن تقول له: في السماء نافورة ترش المطر على الأرض وإنما يكفي أن تقول له: ربنا هو الذي ينزل المطر، ولا يحتاج أن تشرح له ذلك مفصلاً.

3-    أن تأتي الإجابة محددة تتناسب ومدارك الطفل: ويمكن أن تستخدم الأمثلة لتقريب الفكرة فقد يسأل طفل عمره أربع سنوات أين هو الله؟ فهنا ينبغي أن تكون الإجابة على هذا التساؤل إجمالية ويكفي أن تقول: إنّ ربّنا الله في السماء وفي كلّ مكان.

وإذا سأل الطفل: هل الله مثلنا؟

الجواب: لا. الله هو الذي خلقنا وخلق الشجر والبحر والشمس وخلق كلّ شيء.

أو قد يسأل الطفل عن الموت نظراً لأنّه يفكر في الموت بسبب ما سمع عنه أو يموت قريب له أو جار فيسأل أين ذهب؟

الجواب: بإمكانك أن تقول له: المؤمن الذي يصلي ويصوم ويزكي يذهب إلى الجنة، أما الكافر والمجرم ينتهي إلى النار.

ربّما سأل أُمّه هل ستموتين أنتِ وبابا أيضاً؟ مثل هذا السؤال يدل على قلقه على والديه والإجابة يجب أن تطمئن الطفل فتقول له: لا أحد يعلم متى يموت والذي يعلم هو الله... كلنا سنموت لكن ليس الآن.

وهكذا يجب أن نجيب عن كلّ الأسئلة بجواب يفهمه الطفل، كما يجب أن نعلم أنّ الإجابة على أسئلة الأطفال لها فوائد كثيرة أهمها تنمية شخصيته وتنمية قدرته اللغوية والفكرية كما أنّه يتعلم فن الاستماع ويستمتع بمشاركة والديه له وجدانياً، الأمر الذي يجعله أكثر تقبلاً لما يقال له.

ولربما تجد أنّ الأب والأُم يتكلمان في مسألة خاصة ثمّ يتدخل الطفل بينهما... وهنا لابدّ أن تفهمه حدوده وأن لا يتجاوزها.

ثالثاً: أن لا نزيد من مخاوف الطفل.

الخوف صفة طبيعية في ذات الإنسان، وهي حالة نفسية موجودة في الأعماق تنشأ من حالة الضعف، قال تعالى: (وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء/ 28)، ليس عيباً أن يخاف الإنسان من الأخطار الحقيقية، وأن يفزع من بعض الأشياء، ولكن العيب أن يتحول الخوف عند الإنسان إلى عقدة، وعقبة في طريق العلم والتقدم.

فالمؤمن يخاف، ولكنه يتجاوز هذا الحاجز بشجاعة وإيمان، وثقة بقدرة الله، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه. فالخوف شيء طبيعي، واستعداد فطري زود الله به الإنسان ليأخذ حذره من المخاطر وإذا كان طفلك الذي عمره سنتان يذهب إلى الظلام ويمشي في الظلام فلا تقل مفتخراً أنّ ولدك شجاع يمشي في الظلام وحده، كلا فربما فلا يشعر بالخطر والمسألة ليست شجاعة وإنما عدم إدراك للخطر. وحينما يدرك الطفل الأخطار، يبدأ عنده حينئذٍ الشعور بالخوف، وعليه لابدّ أن نفرق بين الخوف الطبيعي والخوف المرضي. الخوف الطبيعي يشعر به كل إنسان طفلاً كان أم بالغاً، مثال ذلك أن يخاف من حيوان مفترس يهجم عليه. إلا أنّ المشكلة أن بعض الآباء والأُمّهات يساهمون في زيادة مستوى خوف الأطفال، فيخوفونهم من الظلام ومن الشرطي ومن الطبيب ومن الدواء ومن العفريت وهذا أمر غير صحيح لأنّ الطفل حين يكبر يكبر عنده الخوف فيخاف من كل شيء حتى يكون الخوف عنده حالة مرضية خوف متكرر أو شبه دائم.

 

كيف نقي أطفالنا من الخوف؟

واجب الآباء حماية الأطفال من المخاوف، فمثلاً إذا قال لك طفلك لا تغلق الباب، فلا تعانده وتصر على إغلاقه فهذا غلط حيث أنّه يزيد من خوف الطفل في هذا العمر.

وإذا صادف الطفل ما يخيفه أو ما يزعجه يجب أن توضح له الأمر وتهدء من روعه بما يجعله يهون على نفسه ولا يبالغ في الخوف، كما يجب أن نساعده على التعرف على الحياة، ليشعر بالأمن والطمأنينة ونزرع فيه الثقة والاعتماد على نفسه فيتعود على مواجهة مواقف الحياة بشجاعة وبطولة، وتأكد من أنّه سيتغلب على مخاوفه بمساعدتك له، أعطه فرصة للتعود على الأوضاع المخيفة وبالتدريج فإذا كان يخاف المرتفعات العالية عودة أوّلاً على المرتفعات البسيطة، وإذا كان يخاف البحر وهديره أتح له الاستحمام في بركة أو بحيرة هادئة.

إنّ الأفكار القديمة التي تقول: "ارم الطفل في الماء وهو يتغلب على خوفه" أو "خجله ليتغلب على خوفه" وأمثالها أفكار لم تعد مقبولة، وفي رأينا أنّه من الأنسب تشجيع الطفل.

 

المصدر: كتاب كيف نربي أبناءنا للكاتب عليّ الصلاح

ارسال التعليق

Top