• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أهمية تعليم الطفل المهارات الاجتماعية

أهمية تعليم الطفل المهارات الاجتماعية
  إنّ تعليم الطفل مهارات اجتماعية تتناسب مع مجتمعه، تُعتبَر من الأمور المهمّة التي يتوجّب على الأُم تعليمها لطفلها. وعليها كذلك تعليمه مهارة تَولّي أموره بنفسه، وإتاحة الفرصة له للتدرُّب على هذه المهارات، ليتمكن من بناء علاقات إنسانية مُرْضية.

يجد بعض الأطفال صعوبة في تعلُّم المهارات أكثر من غيرهم، وذلك بسبب صعوبات يعانونها تحدّ من فرص الاختلاط مع الغير، من مثل تحديات تعليميّة أو معرفيّة، أو إعاقة بصريّة أو سمعيّة، أو إعاقة جسديّة.

إنّ اكتساب مهارات إقامة علاقات شخصية مع آخرين لا يتم بين ليلة وضحاها. إذ يتم تطوير هذه المهارات بالتعليم والتدريب والدعم. إنّ الطفل الذي يجد منذ البداية صعوبة في المشاركة في الحديث، أو النظر مباشرةً في عيني مَن يُحادثه، أو في التصرف بتهذيب، أو في إظهار اهتمام بالآخرين وبما يقولون، أو في التوصل إلى حل في حال حصل سوء فهم بينه وبين أطفال آخرين، أو في إيجاد موضوع مُثير له وللطرف الآخر، أو في تمييز الإشارات، اللفظية وغير اللفظية، التي تصدر عن الطرف الآخر، تنقصه القدرة على إقامة علاقات شخصية مع الآخرين. على أيّة حال، في إمكان الطفل التغلب على هذه الصعوبات من خلال التعليم والتدريب.

كلما تقدم الأطفال في العمر، يتمكّن معظمهم من التفاعل أكثر وأكثر مع الناس، بعيداً عن إشراف الأهل المباشر. إنّ تعليم الطفل المهارات الاجتماعية في البيت، ومهارات حل المشاكل يُعزز من قُدراته الاجتماعية، ويساعده على بناء صداقات مع الأنداد وعلى فهم أعمَق للعلاقات الشخصية، الأمر الذي ربّما يُمكّنه من صقل مهاراته الاجتماعية عندما ينضج. الصداقات مهمة لجميع الأطفال لأنها تساعدهم على التواصل والتفاهم والمشاركة، والأهم من ذلك، تساعدهم على التطور من الناحية الاجتماعية. إذ تلعب الصداقات دوراً رئيسياً في تشكيل مهارات الطفل الاجتماعية وفي تعزيز شعوره بذاته.

لا يحتاج الطفل إلى أن يكون الأكثر شعبيةً في صَفّه، لكنه يحتاج إلى مهارات اجتماعية جيدة. فكونه اجتماعياً يساعده ذلك على التكيُّف بسهولة أكثر، ويمنحه القدرة على مواجهة المصاعب. إنّ الطفل المرفوض من الأنداد باستمرار هو طفل وحيد لا يحترم ذاته بالقدر الكافي. وعندما يكبر، يُحتمل أن يتخلّى هذا الطفل عن المدرسة ويتجه نحو تعاطي الممنوعات، أو أن يتحول إلى طفل مُتنمِّر يُلْحِق الأذَى بنفسه وبالآخرين.

 

ما هي المهارات الاجتماعية؟

المهارات الاجتماعية هي طُرق التعامل مع الآخرين التي تخلق تفاعلات صحية إيجابية. يستطيع الطفل الذي يملك مهارات اجتماعية التواصل بوضوح وهدوء واحترام، فيأخذ مشاعر واهتمامات الأنداد بعين الاعتبار. وكما أنّه أكثر قدرة ممّن تنقصهم هذه المهارات على تحمُّل مسؤولية أفعاله، وعلى السيطرة على ذاته، وعلى فرض احترام حقوقه على الآخرين. يتعلم الطفل المهارات الاجتماعية من خلال تجاربه مع أنداده، ونموذج الأهل وتعليماتهم، والوقت الذي يمضيه مع البالغين الآخرين.

من المهم جدّاً أن يستخدم الطفل المهارات الاجتماعية التي اكتسبها، فهي السبيل إلى إنشاء علاقات مع الأنداد وتطويرها. كما أنّ هناك حاجة إلى هذه المهارات لإثراء الخبرات الاجتماعية، إذ إنها تُقلل من فرص التفاعلات السلبية. ولكونها الأساس للصداقات، توفّر المهارات الاجتماعية الفرصة للطفل ليتعلم من الأنداد ويُدرك كيفية مُراعاة حقوق ومشاعر الآخرين في المستقبل. ولأنّ للمهارات الاجتماعية تأثيراً إيجابياً في أمور الحياة، فإنّها تمنح الطفل الشعور بالثقة والسيطرة على بيئته.

 

التطور الاجتماعي:

يعتمد الطفل على الآخرين عند ولادته. ولكنه يبدأ في إدراك أنّه فرد له رغبات واحتياجات شخصية بعد شهور عديدة من الولادة. كما ينمو لديه شعور بالارتباط بعائلته، فيُفضّلهم على الغرباء ويشعر بالقلق في حال انفصالهما. قد ينظر الطفل الرضيع إلى رضيع آخر عن بعد، ولكن ما إن يدخل الروضة حتى تتاح له أوّل فرصة للتفاعل اجتماعياً مع أطفال من عمره.

وهذا أيضاً هو الوقت الذي يصبح فيه الطفل معتاداً الانفصال عن الأهل تدريجياً. وخلال العامين التاليين من عمره، يبدأ الطفل في إدراك مشاعر ورغبات الأطفال الآخرين. فتسنَح له الفرصة لتعلُّم المشاركة، ورؤية الأشياء من منظور آخر، وكيفية التوصل إلى تسوية أو حل وسط. وإذا ما سارت عملية التطور كما ينبغي، وإذا ما تم تعليمه المهارات الاجتماعية بشكل جيِّد، يستمر الطفل في تنمية هذه المهارات.

 

تعليم الاستراتيجيات:

يميل بعض الأطفال، بشكل طبيعي، إلى الانجذاب نحو تفاعلات اجتماعية سليمة، بينما يمكن أن يكون الأمر صعباً على البعض الآخَر. ولكن في جميع الأحوال، تستطيع الأُم مساعدة طفلها على التطور والتعلُّم السليمين، اللذين يُصقلان المهارات الاجتماعية. حتى لو كان الطفل يُعاني صعوبات في اكتساب هذه المهارات، هناك العديد من الأدوات التي يستطيع الأهل والمدرّسون استخدامها من أجل المساعدة على تطويرها. وفي ما يلي بعض الاستراتيجيات التي تساعد الطفل على تعلّم المهارات وكيفيّة استخدامها.

 

توفير فرص التفاعل الاجتماعي:

أوّلاً وقبل كلّ شيء، يحتاج الطفل إلى أن يتعلم كيف يتفاعل مع الآخرين عبر التجربة. ويحتاج أيضاً إلى أن تُتاح له الفرصة لممارسة المهارات التي تعلمها. من المفيد جدّاً أن تدعو الأُم أطفالاً آخرين إلى المنزل، وأن توفّر لهم الألعاب اللازمة ليلعبوا ويتفاعلوا معاً. هناك عدد قليل من الاستراتيجيات التي تفيد في تعليم المهارات الاجتماعية أكثر ممّا لو تُرك الطفل يطوّرها بنفسه عبر التجربة. على سبيل المثال، ترتيب لقاءات للطفل مع أنداده خارج المنزل والمدرسة، الترتيب لمباريات في كرة القدم أو اليد، أو أيّة أنشطة رياضية أخرى، بين أصدقاء طفلها، توفير أدوات للرسم لطفلها وأصدقائه ليرسموا معاً... إلخ.

 

تعليم الطفل استخدام الكلام:

يُمكن أن يكون الطفل عاطفياً ويَثور غاضباً فجأةً إذا شعر بالظلم أو الإحباط. إنّه في حاجة إلى أن يتعلم كيف يُهدِّئ نفسه ويُسيطر على مشاعره، من خلال إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عنها. إذا بكى الطفل أو ثار فجأةً، على الأُم أن تعمل على تهدئته وتطلب منه أن يحدّثها عن الأسباب التي جعلته يثور. فمن المهم أن يتعلم الطفل التعبير بالكلام، لا بالبكاء أو الصراخ أو اتخاذ المواقف العدائية، مثل: الضرب أو العض أو شد الشعر.

يُمكن للأُم تشجيع طفلها على أن يشاركها في ما يفكر، وأن يُطالب بما يحتاج إليه ثمّ تناقشه في مطالبه. فالمناقشة تعلّم الطفل كيف يتواصل مع الآخرين. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول الأُم لطفلها: "عليك أن تفعل.. لأنني أنا الذي يُقرّر"، يمكنها أن تسأله عن ما يود فعله ثمّ تشرح له الأسباب وراء قرارها.

 

مناقشة الخبرات:

إذا صدر عن الطفل تصرُّف يدل على اضطرابه بسبب مروره بتجربة اجتماعية سلبية، على الأُم أن تنتهز الفرصة وتُظهر له اهتماماً ثمّ تُبادر إلى مناقشته عن أسباب اضطرابه. على سبيل المثال، إذا استنتجت الأُم أنّ سبب اضطراب طفلها يعود إلى تدهور العلاقة بينه وبين صديقه، يمكنها أن تسأله عن السبب ثمّ تعطيه رأيها في كيفية إصلاح الخطأ. ربما كان خطأ طفلها أنّه أساء إلى الطرف الآخر وعليه الاعتذار له. وربما يكون في حاجة إلى النظر إلى الأمر من وجهة نظر الطرف الآخر، وتستطيع الأُم مساعدته في ذلك. أو ربما يحتاج إلى معرفة أنّه لم يرتكب أيّ خطأ، وأنّ من حقه أن ينال احترام صديقه. على الأُم استخدام الكلمات التي تناسب عمر طفلها وفي إمكانه فهمها.

 

تعليمات واضحة:

غالباً ما يحتاج الطفل إلى تعليمات مباشرة وواضحة حول تصرفاته في حالات اجتماعية معيّنة. على سبيل المثال، قد يحتاج الطفل إلى تنبيهه إلى أهمية ردّ التحية، أو إلى الابتسام في وجه الطفل الآخر عند الطلب منه مشاركته اللعب. بالطبع، يحتاج الطفل إلى ما يُذكّره طوال الوقت بقول "شكراً" أو إلى عدم مقاطعة أي شخص أثناء الحديث. في جميع الأحوال، هناك دائماً فجوة في التعليمات. على سبيل المثال، على الرغم من توجيه معظم الأُمّهات أطفالهنّ لقول "من فضلك" و"شكراً"، لكن القليلات منهنّ لا يطلبن من أطفالهنّ ضرورة التمتع بروح رياضية، وأن "لا يتشفوا" في فشل الطرف الآخر، أو في عدم إتقانه عملاً ما، وأن يتقبّلوا سوء الحظ أو الهزيمة في أي لعبة بصدر رحب. ليس من السهل أن يتعلم الأطفال هذه المهارات، إذ يحتاج معظمهم إلى تكرار التعليمات على مسامعهم إلى أن يتعلموها.

 

فرص تعليم منتظمة:

لا يستطيع الطفل تَعلُّم المهارات الاجتماعية من خلال الإرشاد فقط. فالطفل في حاجة إلى فرص اجتماعية عديدة لتطوير مهاراته. فعلى الرغم من توافر فرص اجتماعية عديدة للطفل في المدرسة، إلّا أنّ تفاعله الاجتماعي لا يكون منتظماً معظم الوقت. إنّ الطفل الذي يتمتع بمهارات اجتماعية جيدة، يحصل في الأغلب على فرص عديدة لتعزيز مهاراته، في حين أنّ الطفل الخجول أو العدائي لا يملك فرصاً كثيرة ليتعلم. من هنا تزداد الفجوة بين الأطفال المهرة وغير المهرة اجتماعياً. في ما يلي بعض الأمثلة عن الأنشطة البسيطة المنتظمة التي تعلّم المهارات الاجتماعية:

·      المشاركة: على الأُم إقامة نشاط تعاوني يتطلب أن يتشارك طفلها مع مجموعة من الأطفال في مجموعة موارد مُحدّدة، من مثل ألعاب، أدوات رسم، أدوات رياضية.. إلخ.

·      اللعب العادل وبروح رياضية: على الأُم تزويد طفلها بإرشادات حول كيفية اللعب بعدل، ثمّ تسمح له باللعب مع مجموعة أطفال آخرين بلعبة السلالم والأفاعي مثلاً، وأن تحرص على تذكير الجميع بقوانين اللعبة أثناء اللعب. يُمكن للأُم أن تُكافئ الأطفال الذين لعبوا بشكل جيد حتى تشجعهم على اللعب العادل.

·      تمثيل أدوار مختلفة لمساعدته على تفهُّم الطرف الآخَر: ومنها تمثيل دور طفل يُثير غضبه أو يغيظه باستمرار، أو دور طفل يطلب من مجموعة (أو من شخص) السماح له باللعب معهم ورفضهم طلبه من دون أيّ سبب. هناك العديد من الأنشطة الإبداعية الأخرى التي يمكن أن تستعين بها الأُم لتعليم طفلها المهارات الاجتماعية.

 

مساعدة الطفل:

عندما يواجه الطفل مشاكل اجتماعية من مثل، نزاع مع صديق، أو رفض الأنداد له، غالباً ما تتدخل الأُم وتُسارع إلى محاولة حل المشكلة بدلاً منه. ولكن، من الأفضل في جميع الأحوال، مساعدة الطفل على حل مشاكله الاجتماعية بدلاً من التدخّل مباشرة، إلّا في حال تعرّضه للتنمُّر أو لتصرُّف غير لائق. في إمكان الأُم الطلب من طفلها أن يفكر في طُرق تُمكّنه من التعامل مع الوضع، وأن تدعم أفكاره أو تقدم له بعض المقترحات، ثمّ تشجعه على محاولة التوصُّل إلى أفضل الخيارات. بهذه الطريقة، يمكن أن يتعلم الطفل إتقان فَنّ التعامل الاجتماعي، من خلال اكتشاف قدرته على التصرف بحكمه في وضع صعب، قد يتعرض له من دون تدخّل مُباشر من أمه.

 

تقديم الملاحظات:

لا يكون الطفل دائماً على بَيِّنة من العلاقة بين سلوكه والعواقب الاجتماعية التي تنجم عنه. على سبيل المثال، من المحتمل أن يجد الطفل الذي يضرب الأطفال الآخرين نفسه من دون رفاق، ومع ذلك قد لا يفهم بالضرورة سبب ابتعادهم عنه. لذا، على الأُم أن تساعد طفلها على تَعلّم الرَّبْط بين تصرفاته ونتائجها. وإلّا سيميل الطفل إلى النظر إلى الخبرات الاجتماعية، على أنها التصرُّف حسبما يشاء لا كما يجب. إذ قد يشعر الطفل الذي يضرب الأطفال الآخرين عندما ينزعج منهم، أنّه مختلف عنهم بدلاً من أن يُدرك أنّ السلوك المختلف يمكن أن يؤدي إلى نتيجة مختلفة. لذا، في إمكان الأُم مساعدة طفلها على القيام بعمليات الربط هذه بسؤاله مثلاً: "في اعتقادك، كيف شعر رفيقك عندما ضربته؟ هل تعتقد أنّه من الممكن أن يكون قد شعر بقليل من الخوف، الأمر الذي يُجيز لك ضربه مرّةً أخرى؟".

ارسال التعليق

Top