• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آيات قرآنية دلت على الصلاة بألفاظ أخرى

آيات قرآنية دلت على الصلاة بألفاظ أخرى

جاء في القرآن الكريم من ألفاظ أخرى يراد بها الصلاة، أي أنّه جاء التعبير عنها بتلك الألفاظ، ويمكن الحديث عن ذلك فيما يلي:

أوّلاً: لفظ الحسنات، قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114)، فقد سمى الله تعالى الصلوات المفروضة بالحسنات، ولذلك دلالاته وأبعاده التي تشعر بقيمة الصلاة وشأنها عند الله تعالى.

ثانياً: لفظ الإيمان، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 143)، ففي هذه الآية بين الله تعالى لعباده المؤمنين بعد تحويل القبلة والتوجه في الصلاة إلى المسجد الحرام بدل بيت المقدس أنّه سبحانه لن يضيع صلاة من صلوا متوجهين إلى بيت المقدس، وذلك من بالغ رحمة الله، وإحسانه بعباده المؤمنين. قال صاحب (محاسن التأويل): "وإنّما عدل إلى لفظ الإيمان الذي هو عام في الصلاة وغيرها، ليفيدهم أنّه لم يضع شيئاً مما عملوه، ثمّ يصح عنهم، فيندرج المسؤول عنه اندراجاً أوّلياً، ويكون الحكم كليّاً، وذكر بلفظ الخطاب دون الغائب ليتناول الماضين والباقين تغليباً لحكم المخاطب على الغائب في اللفظ، وفي تتمة الآية إشارة إلى تعليل عدم الإضاعة بما اتصف به من الرأفة المنافية لما هجس في نفوسهم من الإضاعة".

ثالثاً: لفظ الذكر، قال تعالى: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 239)، وقال سبحانه على لسان سليمان (ع): (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) (ص/ 32)، وقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9)، قيل في تفسير الذكر في الآية الأولى: "أي ارجعوا إلى ما أمرتم به من إتمام الأركان، وقيل: قيل معناه اشكروه على هذه النعمة في تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الإجزاء، ولم تفتكم صلاة من الصلوات، وهو الذي لم تكونوا تعلمونه".

وقيل في تفسير الآية الثانية: "ذكر غير واحد من السلف، والمفسرين أنّه – أي سليمان (ع) – اشتغل بعرضها – أي خيوله – حتى فات وقت صلاة العصر، وقال: ويحتمل أنّه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال، والخيل تراد للقتال".

وجاء في تفسير الذكر في آية سورة الجمعة قول عطاء بأنّه الصلاة وفسر قوله تعالى: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الجمعة/ 9)، بأنّه الذهاب والمشي إلى الصلاة.

رابعاً: لفظ القرآن، قال تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء/ 78)، عَن النبي (ص) قال: "فَضْلُ صلاةِ الجميع على صلاةِ الواحِدِ خَمْسٌ وعِشْرونَ درجةً وتَجْتَمِعُ ملائِكةُ الليل وملائِكةُ النهار في صلاة الصُّبْحِ" يَقول أبو هريرة: اقرَءوا إن شِئتُم: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا).

خامساً: لفظ التسبيح، (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (الرّوم/ 17-18)، قال القرطبي في تفسيره: "قال ابنُ عَبّاسٍ: الصلوات الخَمْسُ في القرآن، قيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) قال: صلاةُ المغرب والعشاء، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ)، صلاة الفَجْرِ، (وَعَشِيّاً) صلاةُ العَصْرِ (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاةُ الظُّهْرِ.

سادساً: لفظ الاستغفار، قال تعالى: (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات/ 18)، قيل في تفسيره: أي يصلون وقت السحر فسموا الصلاة استغفاراً.

سابعاً: لفظ الركوع، ومن ذلك قول الله تعالى: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة/ 43)، وقوله سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (المرسلات/ 48)، قال المفسرون: معناه صلوا مع المصلين مُحمّد (ص)، وأصحابه فعبر بالركوع عن جميع الصلاة، إذ كان ركناً من أركانها، وإنما قال (وَارْكَعُوا) بعد قوله: (وَأقِيمُوا الصَّلَواةَ) لأنّه أراد الحث على إقامة الصلاة في جماعة، وقيل: لأنّه لم يكن في دين اليهود، ولا في صلاتهم ركوع، فذكر ما اختص بشريعة الإسلام، والآية خطاب لليهود.

وفي تفسير الآية الثانية قيل: "أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا ولهذا قال: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (المرسلات/ 49).

ثامناً: لفظ السجود، ومن ذلك قول الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق/ 40)، قال الراغب الأصفهاني: "وقد يعبر به – أي السجود – عن الصلاة بقوله: (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) أي أدبار الصلاة".

 

* استاذ التفسير بجامعة أم القرى

 

المصدر: كتاب تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسُنّة

ارسال التعليق

Top