• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نعمة الكلام...

نعمة الكلام...
   إنّ كلَّ نعمة آلهية مهما كان حجمها تستوجب الشكر لله، ومعنى الشكر هنا هو ليس كما يقوم به بعض المتملقين من التلاعب بالألفاظ، إذ ينبغي أن يكون في داخل القلب إحساس بالشكر والامتنان، هذا أوّلاً، وثانياً أن لا يكون هذا الشكر متوجهاً للذات الإلهية المقدسة وهو الله الصمد الذي لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كلّ أحد، فلا الشكر باللسان ولا امتنان في القلب يمكنه أن يقدم شيئاً لله سبحانه وتعالى.

إنّ شكر النعمة في الواقع هو أن نعرف واجبنا تجاهها، ومن ثمّ أداءنا كذلك الواجب. إنّ واجبنا تجاه كلّ نعمة من نعم الخالق لا يدعو الاستفادة من تلك النعمة بالشكل المعقول والمناسب في إطار "التكليف" وتحت عنوان "أداء الواجب".

فاللسان والقدرة على الكلام واحدة من نعم الله الكبرى التي وهبها للإنسان، حتى أنّ الفلاسفة اعتبروا أنّ ميزة الإنسان الوحيدة عن الحيوان هي القدرة على البيان والكلام إذ يعتبر ذلك مظهراً من مظاهر الإدراك وممثلاً عن الفكرة والعقل.

يقول القرآن الكريم (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن/ 1-4)، وعلى أساس هذا تمكن الإنسان من إبراز ما يختلج في باطنه من معانٍ ونقلها للآخرين وللأجيال، ولولا ذلك لما أمكن الإنسان أن يحيى حياته الاجتماعية.

إنّ هذه النعمة تستوجب الشكر، الشكر الذي يتجلّى في استخدام اللسان في التعبير عن الحقِّ والحقيقة وتجنب الكذب والغيبة والنميمة.

لقد خلق الله الإنسان ليكون داعياً إلى الحقِّ وهادياً إلى الصراط المستقيم، لا وسيلة للخداع والضلال والضياع والنفاق.

يقول الإمام عليّ (ع): "إنّ من عزائم الله في الذكر الحكيم، التي عليها يثيب ويعاقب ولها يرضى ويسخط أنّه لا ينفع عبداً – وإن أجهد نفسه وأخلص فعله – أن يخرج من الدنيا لاقياً ربه فيما افترض عليه من عبادته أو يشفي غيظه بهلاك نفس أو يَعُرّ بأمر فعله غيره، أو يستنجح حاجة الناس بإظهار بدعة في دينه أو يلقى الناس بوجهين أو يمشي فيهم بلسانين".

وفي مناسبة أخرى يقول (ع): "ولقد قال لي رسول (ص) أني لا أخاف على أُمّتي مؤمناً ولا مشركاً، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كلّ منافق الجنان، على اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون".

ظاهره حمل وديع وباطنه ذئب كاسر. إنّ هذا اللسان الذي هو نعمة من نعم الله يمكنه أن يكون أكبر الكبائر عندما يكون وسيلة للكذب والنفاق والبهتان والغيبة وغير ذلك.

كما يقول (ع) في دعاء له: "اللّهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة. اللّهمّ اغفر لي ما رأيت من نفسي ولم تجد له وفاءً عندي. اللّهمّ اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثمّ خالفه قلبي. اللّهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وشهوات الجنان وهفوات اللسان".

 

المصدر: كتاب سلوك وأخلاق الإسلام

ارسال التعليق

Top