◄ليس القلق شراً كله، فالقليل من القلق له فائدة ووظيفة إذا كان استجابة طبيعية لموقف معيّن، فعند الإعداد لعمل ما، أو حين نتوقع مواجهة خطر قادم فانّ الاستجابة لذلك بشعور القلق يكون بمثابة الإنذار المبكر لتهيئة وإعداد الفرد كي يكون على مستوى هذا الموقف، فالقلق المناسب في مثل هذه الظروف يكون قوة دافعة تفيد في حفز الإنسان حيث تعقبه خطوات في الطريق الصحيح تؤدي إلى العمل بطاقة تفوق المعتاد، وتصل بالمرء إلى قوة الإنجاز.
القلق.. انفعال طبيعي:
إنّ العواطف والانفعالات ليست حكراً على الإنسان بل توجد أيضاً لدى غيره من المخلوقات، لكن الفارق الحيد ربما هو قدرة الإنسان على استخدام اللغة للتعبير عما يشعر به، أمّا الحيوانات فلا يمكنها ذلك، وهناك أيضاً الكثير من الناس يعجزون عن التعبير عما يدور في نفوسهم من انفعالات وعواطف في بعض الأحيان.
والقلق هو أحد الانفعالات الطبيعية التي لابدّ أن أي منا قد شعر به في ظرف ما، وهو إحساس داخلي ذاتي نستقبله في داخلنا وقد لا يمكن لنا تفسيره، فهو أحد الانفعالات السلبية غير المرغوب به مثل الألم، والنفور، ورغم أنه في بادئ الأمر يكون مجرد إحساس داخلي إلا أن بعض التغييرات المصاحبة له تسبب ظهور علامات ملموسة هي مظاهر القلق التي يمكن أن نلاحظها ويراها الآخرون من حولنا، لكنه يظل في نطاق العواطف والانفعالات الطبيعية طالما كان استجابة مناسبة لموقف محدد، فهو بذلك لا يختلف عن غيره من المشاعر الإيجابية والسلبية المعتادة، مثل الشعور بالارتياح المصاحب للحظات النجاح، والسرور نتيجة تحقيق إنجاز، والألم بعد ارتطام عنيف، وكذلك شعور الجوع والعطش والرغبة الجنسية، والسؤال الآن: متى إذن يصبح القلق ظاهرة مرضية؟
والإجابة، أنّ القلق المصاحب لأي موقف إذا زاد عن الحدود المعقولة لا يكون في هذه الحالة استجابة مناسبة مفيدة بل يتحول إلى حالة مرضية أليمة تسبب الإعاقة عن العمل، والمعاناة النفسية للمريض، وقد تبدو مظاهر القلق عليه حتى يمكن أن يلاحظها الآخرون، أنّ القلق المعتاد إذا تعدى الحدود المناسبة أو استمر لمدة طويلة أكثر من المتوقع دون مبرر فنحن إذن بمواجهة القلق المرضى، وكل منا قد يتعرض لموقف مثير يدفعه إلى التصرف بعصبية تشبه ما يفعله مرضى النفس، ومع ذلك فأننا لسنا كلنا مرضى يجب علينا أن نزور الأطباء النفسيين، فالناس العاديين لا يذهبون للعلاج لدى الأطباء، وكذلك لا يذهب كل الذين لديهم بعض الاضطرابات النفسية بل نسبة قليلة منهم فقط!
فوائد القلق:
نعم للقلق فائدة في بعض الأحيان..
ومن فوائد القلق – إضافة إلى أنّه يدفع الإنسان إلى التقدم والجدية في حل مشكلاته ومواجهة المواقف باستتعداد مناسب، أنّه يصقل قدرات الإنسان بعد معايشة تجربة القلق نتيجة للاهتمام بأمور صغيرة تافهة ثمّ يتعرض الشخص فيما بعد إلى موقف فيه خطر وتهديد حقيقي له، ويعيش بعمق تجربة القلق، فأنّه فيما بعد لا يمكن أن يظل على سابق عهدة بالاهتمام بتوافه الأمور، وفائدة خبرة القلق الأليمة هنا تكون بحد ذاتها – بعد أن يتجاوزها المرء – دواءً شافياً من القلق!.. وهذا يذكّرنا قول أمير الشعراء شوقي: "... وداوني بالتي كانت هي الداء".. وقوله في موضع آخر: "ومن السموم الناقعات دواء".
من الطريف أيضاً ما يقال عن فوائد القلق حيث يرى البعض أن قلق الإنسان على حالته الصحية وعلى أمنه وسلامته هو الذي دفع إلى إنشاء كليات للطب تعالج الأمراض، وإنشاء كليات للحقوق والشرطة لتطبيق القانون، ومن الطريف أيضاً أن عمل شركات التأمين في مختلف المجالات يعتمد أساساً على القلق الذي يشعر به الناس نتيجة لمخاوفهم وتوقعاتهم المتعلقة بحياتهم وممتلكاتهم ومستقبلهم.►
المصدر: كتاب عصر القلق.. الأسباب والعلاج
ارسال التعليق