معنى التوكُّل:
وهو اعتماد القلب على الله في الأمور كُلها، وانقطاعه عما سواه، فما فعل بك كنت عنه راضياً، تعلم أنّ الحكم في ذلك له، ويُسلّم أنّ ما جاء من الله من الأمور والنواهي هي خير لك، وتعمل بها دون عناد واستكبار.
وينبغي للمؤمن أن يجعل نفسه بين يدي الله تعالى، يفعل بها ما شاء، والحركة في طلب الرزق لا تُنافي التوكل؛ لأنّ الله أمر بها في العمل بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).
سأل رسول الله (ص) جبرئيل (ع) ما التوكل على الله عزّ وجلّ؟ فقال: "العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ، ولا ينفع، ولا يُعطي، ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سُوى الله، ولم يرجُ، ولم يخف سوى الله سبحانه، فهذا حدّ التوكل".
نتائج التوكُّل على الله تعالى:
- الشعور بالقوّة والطمأنينة لأنّ التوكُّل على الله مع العمل يجعل الإنسان يشعر أنّه أدى ما عليه، فيكون قوّي القلب بقوّة الله عزّ وجلّ.
- المتوكِّل على الله يكون عزيزاً وغنياً بين الناس.
- مَن يتوكّل على الله تُذل له الرقاب، وتُسهل له الصعاب.
- عن رسول الله (ص) أنّه قال: "مَن يتوكّل على الله كفاه مؤونته، ورزقه من حيث لا يحتسب".
- وعنه (ص) أيضاً أنّه قال: "لو أنّ رجلاً توكّل على الله بصدق النيّة لاحتاجت إليه الأُمراء، فمن دونهم فكيف يحتاج هو ومولاه الغني الحميد".
- إنّ المتوكل حبيب الله، قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
أثر التوكُّل على الله تعالى:
وللتوكُّل على الله أثره في حياة المسلم فهو يمنحه الراحة والسكينة، ويغمره بالأمن والطمأنينة، ويمسح من جو الحياة الاجتماعية آثار القلق، والاضطراب، ويجعله دائماً هادئ البال، ساكن الجوارح، آمناً مستقراً، ويرى نتيجة اعتماده على الله، فإنّ الله معه يكفيه كلّ ما يهمه لأنّه حسبه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق/ 3).
وشعار المتوكِّلين دائماً أنّهم يُعلنون طاعتهم لله، مُرددين من أعماقهم قوله تعالى: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران/ 173). وهي عبارة مُشرقة بنور الإيمان، تُترجم عن صدق التفويض، والاعتماد على الله، ولها أثرها؛ لما تدل عليه من إخلاص لله، وتوكل عليه ولقد قالها خليل الله النبيّ إبراهيم (ع) عندما قُذف به في النار، فكانت برداً وسلاماً، وقالها خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)، وقالها المؤمنون عندما هددهم أعداؤهم من المشركين وتجمعوا لهم وتربصوا بهم، ففوّضوا أمرهم إلى الله، واعتمدوا عليه عندما قيل لهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران/ 173). لم يخافوا ولم يفزعوا، ولم يقلقوا ولم يجزعوا، بل ازدادوا إيماناً على إيمانهم، وثباتاً على ثباتهم، وكان جوابهم اليقين، والثبات والتوكُّل على الله في جميع الأحوال. فكانت النتيجة أن صرف الله عنهم كيد أعدائهم، وعادوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم أي سوء ومكروه، ونالوا رضوان الله تعالى، قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران/ 174).
التسليم المطلق لله تعالى:
إنّ ما حُظي به الإنسان من التقدم والرُقيّ المُحيّر والمُثير للإعجاب في جميع الشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، وكذلك الانتصارات اللامعة لكبار الرجال في تاريخ العالم، إنما حصلت في ظل الثقة بالنفس وتسليم الأمور لله سبحانه صغيرها، وكبيرها.
ولا يقدر أحد أن يصعد إلى الأعلى من الحد الذي هو فيه، بدون الثقة بالنفس فما لم يكن لأحد ثقة بنفسه، وبقدرته لم يقدر على أي عمل وإنما في ظل الإيمان بالمُوفقيّة، نستطيع أن نصل إلى أهدافنا، فإنّ الإيمان بالمُوفقية هي الخطوة الأولى في طريق التوفيق، والعمل الذي يعمله الإنسان إنما هو حصيلة إرادته، وثقته، ونظرياته، وآرائه، فلو كانت هذه الأمور لديه ناقصة، كانت أعماله أيضاً ناقصة.
فالمؤمن الذي يكون عنده تسليم مطلق لله سبحانه يرى نتائج الأمور في الواقع الذي يعيشه.
عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (ع) يا داود تُريد، وأريد، ولا يكون إلّا ما أُريده، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تُسلم لما أُريد، أتعبتُك فيما تريد، ثم لا يكون إلّا ما أريد".
وسُئِلَ الإمام الحسين (ع) بأي شيء يعرف المؤمن بأنّه مؤمن؟ "قال: بالتسليم لله، والرضا فيما ورد عليه من سرور، أو سخط".
أثر التسليم في حياة المؤمن:
على المؤمن أن يسلِّم أمره لله وأن يرضى بكلّ ما كتبه له دون قلق وارتباك، وعليه أن يدع تدبير أمره كلّه لله سبحانه، وإذا عرف هذه البصيرة التوحيدية، سلم أمره إلى الله تعالى، والتسليم مع التفويض له قمة في التوحيد.
عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "الإيمان له أركان أربعة التوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله".
فعندما يُسلم المؤمن أمره إلى الله بثقة واطمئنان فيما يُحب وما لا يُحب وما يُريد، وما يُريد، ويُجرّد نفسه عن كلّ إرادة ورغبة، ويُفوّض أمره كلّه إلى الله ليدبر أمره كما يُحب ويُريد في السراء والضراء، والرخاء والشدة، والعسر واليسر، والغنى والفقر، والمرض والسلامة، من دون اعتراض، ولا رفض، ولا عتاب تكون حياته في أعلى قمم السعادة عن أي الأمور التي تُصادفه في حياته، فلا يعجب ولا يستغرب عنها، لأنّها أمور عارضة في حياته.
حقيقة واقعية:
إنّ خيبة الأمل، وضعف النفس، يُسببان الجُمود فالسُقوط، وإنّ الذين لا يثقفون بإرادتهم وعملهم، ويُعلقون آمالهم للحصول على السعادة المادية على غيرهم، ويشعرون بحاجة إلى ذوي قدرة ليكونوا في ظِل حمايته.
إنّ هؤلاء تُوصد في وجوههم أبواب المُوفقيّة الإلهية، وتتقهقر بهم أمواج الحياة.
إنّ الإيمان والثقة بالنفس تُعطي الإنسان قوّة إيجابية في حياته.
يقول العالم الغربي (ماردن): "إنّ الإيمان والثقة بالنفس، قوّة مُبدعة وعدم الإيمان قوّة سلبية مُوهنة ومُخربة بل مُحطمة وقاتلة".
إنّ الشعور بثقة النفس ينفي ويطرد التزلزل وعدم الثبات، ويُمكن للإنسان أن يتقدم إلى الأمام من دون توقف وتلكؤ، وبدون صرف قوى زائدة، وبكلّ متانة وثبات، إنّ جميع المخترعين والكاشفين كانوا ذوي ثقة وإيمان، باستعداداتهم، وقدراتهم، وطاقاتهم، وإمكاناتهم، وفي إزاء هؤلاء لو استعرضنا شخصية العاجزين والمنكسرين المنهزمين لتوصلنا إلى أنّ أكثرهم كانوا لا يتمتعون بالثبات وبعدم الثقة بأنفسهم فعندما لا يكون فيك ثقة كاملة بنفسك لا تستطيع أن تصل إلى التسليم المُطلق لله سبحانه، فالثقة بوابة التسليم لله في جميع أمور الحياة، ولذلك قوّة الثقة من قوّة التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى.
وكلما كانت ثقة الشخص بنفسه قويّة كانت ثقة الناس به أوسع وأشمل، وإن أثر أي أحد على حياته.
فإنّكم إن كانت لكم ثقة بأنفسكم وكنتم مطمئنين من صحّة عملكم، استطعتم أن تجذبوا إلى أنفسكم ثقة مَن تقابلون وترتبطون به.
الخلاصة:
إنّ الذي لا يعرف سِر التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى يعيش في حياته على حسب الأسباب والمُسببات، وهذه الحالة تجعل الإنسان مُنكسراً، مُنهزماً، خاضعاً، ذليلاً لأمور الدنيا وتقلُبها، فلا تنكشف له أسرار التسليم الإلهي.
فلا ينظر الإنسان إلى الواقع بمرآة دنيوية صغيرة، ونظرة قاصرة لأنّها لا تحقق أي معنى في مضمونها، وعليه أن ينظر الواقع بنظرة ثاقبة، نافذة، تُوصله إلى كمال الثقة، والتسليم في كلّ أموره لله سبحانه.
فالثقافة التي تكمن فيها حقيقة التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى، تُحقق جميع الأهداف والأُمنيات والآمال، والمقاصد التي يسعى المؤمن إليها.
والتسليم يُريد منّا أن نخضع لجميع الأوامر والقوانين الإلهية والتعاليم والإرشادات النبويّة، التي جاء بها النبيّ (ص) ونُسلم للتشريعات القرآنية، التي أنزلها الله سبحانه لتنظيم حياة الإنسان، وتجعله سعيداً في حياته ومجتمعه.
وعلينا أن نعلم أنّ خيبة الأمل، وضعف النفس، تُسببان للإنسان في حياته السُقوط والجُمود، ولا يُمكن للإنسان أن يُحقق أي هدف بضعف النفس، وإنّ الذين لا يثقون بإرادتهم ويُعلقون آمالهم للحصول على السعادة المادية على غيرهم ويشعرون بحاجة إلى ذوي قدرة ليكونوا في ظِل حمايته ورعايته، كلّ هؤلاء تُغلق في وجههم أبواب الخير، وأمواج الحياة ترجع بهم.
المصدر: كتاب طريق الإرادة إلى مستقبل السعادة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق