• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيمة مدرسة الإمام الباقر (ع)

عمار كاظم

قيمة مدرسة الإمام الباقر (ع)

الإمام الباقر(عليه السلام)، هو الإمام الخامس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، شخصيّة معصومة فذّة عاشت مرحلتها وعصرها، فأغنت الواقع الإسلامي كلّه، وأجابت عن الكثير من الأسئلة التي قد تكون جواباً على أكثر من سؤال معاصر... كانت شخصيته، إمامةً إسلامية منفتحة على واقع المسؤولية في إغناء المعرفة الإسلامية وملاحقة القضايا الفكريّة التي كانت تمثّل تحديّات الفكر آنذاك. ملأ الواقع الإسلامي علماً بما أعطاه من ثمرات العقل، وما أفاض عليه من روحه بما انفتح عليه من سموّ الروح، فانطلق بحركته ليعطي الإنسان منهجيّة الانطلاق نحو الحياة المثلى، من خلال ما خطّط له من المناهج التي تتحرّك مع منهج الإسلام في كلِّ مواقعه.

كان الإمام الباقر(عليه السلام) ومعه ولده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) ، يتحرّكان في مدرسة مفتوحة على الواقع الإسلامي كلِّه، فبالرغم من أنّهما كانا يمثّلان في موقعهما المميّز عنواناً مذهبياً في ما يعتقده الكثيرون من المسلمين بأنَّهما إمامان في موقع الوصاية من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنهما في مدرستهما الواسعة التي بدأها الإمام الباقر(عليه السلام)، كانا منفتحين على الواقع الإسلامي كلِّه، فنرى أنَّ مختلف العلماء ممّن يلتزمون اجتهاداً معيّناً، سواء أكان ذلك في خطِّ المذهبيّة الكلامية مما يختلف فيه الناس في علم الكلام، أو المذهبيّة الفقهيّة مما يتنوّع فيه الناس في مذاهبهم الفقهية، أو في بعض حركيّة المفاهيم في الواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه الناس، نرى أن كلَّ هؤلاء العلماء كانوا تلامذة هاتين المدرستين اللتين ليستا إلا مدرسة الإسلام.

لقد كانت مدرسة الإمام الباقر(عليه السلام) مدرسة منفتحةً على المسلمين كلِّهم، فلا تضيق بفكر يختلف عن فكرها، ولا تتعقّد من أيِّ سؤال، بل تتلقّى كلَّ ذلك بصدر رحب، وتناقش في شتى الموضوعات من دون أيِّ حرج.. ومن هنا كانت قيمة مدرسة الإمام الباقر(عليه السلام)، أنَّها ضمّت مختلف المذاهب والاتجاهات المذهبيّة.

عند دراسة هذا التراث الكبير الذي تركه الإمام الباقر(عليه السلام) وولده الإمام الصادق(عليه السلام)، فإنّنا نلتقي بالآفاق الفلسفيّة في حركة العقيدة الإسلاميّة، ونلتقي بالآفاق الفقهيّة من خلال الانفتاح على الشريعة الإسلاميّة، ونلتقي بالقِيَم الإسلامية المتحرّكة في السلوك والعلاقات والمواقف، وفي الأوضاع الداخلية التي يعيشها الإنسان مع ربِّه ومع الإنسان الآخر.

إننا نرى من خلال هذه الثروة في عقل هذا الإمام الكبير، عقلاً ينفتح على الله من خلال الألطاف التي أغدقها الله عليه، ونرى فيه ثقافة معصومةً واسعةً منفتحةً على كلِّ الواقع الإسلامي في كلِّ المشاكل التي أحاطت بالواقع، وفي كلِّ التحديات التي قفزت لتطبق على الواقع الإسلامي... لقد كانت كلمته متحرّكة في كلِّ المجالات. ومن هنا نأخذ الدرس من حياة هؤلاء الأئمة(عليهم السلام) ، ذلك أنهم كانوا يحدّقون بكل ما يحدث في واقع الإسلام والمسلمين من قضايا تتصل بالسياسة والثقافة والاجتماع وحركة الإنسان في كلِّ قضاياه الخاصة والعامة، لنعرف أنَّ علينا أن نسير في هذا الخطّ، وألا نكون منعزلين عن الواقع كلِّه، فأن تكون الإنسانَ المسلم، يعني أن يكون همُّك العقليُّ والعاطفيّ والروحيّ والحركيّ همَّ الإسلام والمسلمين، وهذا ما يترجمه قول أبي عبد الله (عليه السلام): «من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم»، وهذه هي الملامح العامة لما نتمثّله من حياة الإمام الباقر (عليه السلام) ، في ما نستنطقه من مفردات هذه الحياة. لقد ملأ (عليه السلام) الحياة الإسلامية في مرحلته علماً، حتى أنَّ معاصريه ومَنْ جاء بعدهم ممن لا يدينون بإمامته ولا يلتزمون خطَّ التشيّع لأهل البيت (عليهم السلام) ، تحدّثوا عنه بما لا يُتحدّث إلا عن الكبار الكبار من الرجال.

ارسال التعليق

Top