كان الإمام الباقر (ع) في طفولته آية من آيات النبوغ والذكاء، وقد عرف الصحابة والتابعون ما يتمتع به الإمام (ع) منذ نعومة أظفاره من سعة الإطلاع والفضل وغزارة العلم، فكانوا يرجعون إليه في المسائل المستعصية التي لا يهتدون إليها، ولقد سُئل عن أدق المسائل فأجاب عنها ولم يكن يتجاوز عمره الشريف تسع سنوات.
حينما نستعرض سيرة الإمام الباقر (ع) لابدّ لنا من وقفات على بعض المصاديق العملية لمعالم شخصيته الفذّة، التي ملأت الدنيا بسموها الشاهق، وأبهرت الخلائق بإشراقة نورها الساطع، حتى لم يعد خافياً فضله وجلالة قدره، وسمو منزلته، وتربعه على قمة العلم بكلّ ما حوى من حقول المعرفة، فحفظ لنا التاريخ بعضاً من إشعاعات تلك السيرة الوضاءة المعطاءة، حتى إنّ الأعداء والمخالفين، اعترفوا بمكانة الإمام (ع) وشرفه السامق، وإنّ الناس مهما بلغت بهم ذروة العلياء هم دون الإمام الباقر (ع) بمراتب.
فلقد بلغ الذروة في السمو، نسباً، وفكراً، وخُلُقاً، مما منحهُ أهليَّة النهوض بأعباء المرجعيَّة الفكريَّة والاجتماعية للأمّة بعد أبيه (ع). فالإمام الباقر (ع) هو الذي ملأ العصر الذي عاشه بعلم تنوّعت موضوعاته وانفتحت أبعاده على كلّ القضايا التي كان يعيشها عصره فلم تنطلق أية قضية في أية شبهة أو أية مشكلة إلّا ووجدنا الإمام الباقر (ع) يتحدث عنها ليضيء ما أظلم منها، وليفتح آفاقها تماماً، وقد تحدث بعض الذين رووا عنه وهو، أنّه كان يسأله في مختلف القضايا حتى أنّه روى عنه ثلاثين ألف حديث، ونجد أيضاً رواة آخرين رووا عنه ما يقارب ذلك في أكثر من موضوع.
تحدث الإمام الباقر كثيراً وفي مناسبات عديدة عن العلم فشجع على طلبه وحث الطلاب على المزيد من تحصيله لأنه على ثقة من أمره، أن العلم نور العقل وهو الدعامة الأولى التي ترتكز عليها حياة الأمم المتطورة والراقية. الغاية من جمع العلم في الإسلام بذله لأهله وإشاعته بين الناس حتى يطرد الجهل وتنعم البلاد بالسعادة، لذلك وجدنا الإمام باقر (ع) يقول: (زكاة العلم أن تعلمه عباد الله). وقال أيضاً (ع): (إن الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه، وله الفضل عليه، تعلموا العلم من حملة العلم، وعلموه إخوانكم كما علمكم العلماء).
فائدة العلم، العمل به ولذلك حث الإمام (ع) أهل العلم بتطبيق ما علموه على واقع حياتهم، فالعلم نور يطرد الظلام بنوره الساطع، والعلم قدرة يبعد الشيطان من التسلط على الإنسان، والعلم سلطة يهب الإنسان مكانة مرموقة في مجتمعه ويغنيه عن ذلك السؤال.
استطاع (ع) أن يُقدِّم للأُمّة معالم مدرسة أهل البيت (ع) في جميع مجالات الحياة، ويُربِّي عدّة أجيال من الفقهاء والعلماء، ويبني القاعدة الصلبة من الجماعة الصالحة التي تتبنّى خط الرسول (ص) المتمثِّل في أهل البيت (ع) وتسعى جاهدة لتحقيق أهدافهم المُثلى.
إن العالم الإسلامي استمد من الإمام الباقر (ع) جميع مقومات نهوضه وارتقائه في المنهج الحضاري، ولم يقتصر المَد الثقافي والحضاري على عصره، وإنما امتد إلى العصور التالية. وقد جاء (ع) ليكمل رسالة أهل البيت (ع) في تطور الحياة العلمية في الإسلام.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق