مقصد العلماء: استفاد الامام جعفر الصادق عليه السلام من المرحلة السياسية التي شهدت الصراع الأموي ــ العباسي، وانتقال الخلافة من بني أمية إلى بني العباس فأسس جامعة علمية خلال وجوده في الكوفة والمدينة يقصدها طالبو العلم من أقاصي البلدان ولم تقف حدودها عند علوم الفقه والقرآن بل امتدت إلى علم الكلام والفلسفة وحتى إلى علم الكيمياء حيث كان الاستاذ الوحيد لجابر بن حيان كيميائي العرب الأول فكان الإمام عليه السلام استاذ العلماء في مرحلته وإليه كان مقصدهم لحل معضلاتهم ومسائلاهم فلم يكن هناك مسألة يثار حولها الجدل سواء أمسألة فقهية كانت أم اجتماعية أو فلسفية أو كلامية أو سياسية إلا رأيناه أول من يعالجها ويتصدى لها. وكان مسجد الكوفة مقر حركة الامام الصادق عليه السلام وكان مقصد لكل طلاب العلوم وخصوصا الدينية منها على تنوع مذاهبهم وأفكارهم وآرائهم وفي هذا يقول أحد علماء الحديث والرواية الحسن بن علي الوشا الكوفي: «أدركت في هذا المسجد تسعماية شيخ (اي استاذ) كل يقول: حدثني جعفر بن محمد». وفي ذلك ذكر الشيخ المفيد رضي الله عنه الذي عاش في القرن الرابع للهجرة {نقل الناس عن الامام الصادق عليه السلام من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقله الأخبار كما نقلوا عن الإمام الصادق عليه السلام». وتروي كتب السيرة أن أبا حنيفة النعمان وهو إمام المذهب الحنفي تتلمذ على يد الامام الصادق عليه السلام وكان يقول: «لولا السنتان لهلك النعمان» ويقصد السنتان اللتين عاشهما في جامعة الامام الصادق عليه السلام وكان يقول «أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس» والإمام الصادق عليه السلام هو الأعلم باختلاف الناس وتنوع آرائهم ولذلك كان الامام الصادق عليه السلام إماما للمسلمين جميعا بكل تنوعاتهم وآرائهم وأفكارهم. وقد شهد له بذلك الجميع الذين إلتزموا إمامته والذين لم يلتزموها وقد أشار إلى ذلك أنس بن مالك إمام المذهب المالكي الذي لازم الامام عليه السلام وكان يقول: «ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق عليه السلام فضلا وعلما وعبادة وورعا وكان لا يخلو من احدى ثلاث خصال: إما صائما وإما قائما، وإما قائما، وإما ذاكرا وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد....» وقد سئل أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي والذي تتلمذ على يدي الامام عليه السلام عن أفقه الناس في زمانه فقال بلا تردد: « جعفر بن محمد الصادق عليه السلام «. كان مسجد الكوفة معلما علميا جامعا، فلم يكن الاختلاف في الرأي الفقهي أو العقيدي سببا للانفصال أو التباعد بل أراده الامام عليه السلام مكانا للتواصل فما يجمع أكثر وأهم بكثير مما يفرق وتقريب المسافات لن يحصل من دون تلاق وحوار علمي جاد. ولذا أكد من خلال سيرته ضرورة وجود معاهد دينية تدرس فيها كل المذاهب.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق