الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)، الذي تصادف ذكرى شهادته في السابع من شهر ذي الحجة، هو الإمام الذي كانت مدرسته العلمية الثقافية تشمل كلّ قضايا الإسلام العقيدية والشرعية والحركية والحياتية؛ حيث استطاع أن يصنع للأُمّة جيلاً من القيادات العلمية والفكرية. وكانت مدرسته العلمية سبباً في ظهور مدرسة ولده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، الذي ملأ العالم الإسلامي في تلك المرحلة علماً وحكمةً وفلسفةً، فكان إمام الحوار الذي لا يضيق بحوار أيّ شخص مهما كانت انحرافاته العقيدية؛ لأنّ خطّ أهل البيت (عليهم السلام) هو خطّ الإسلام الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل أن يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة الشرّ إلى نور الخير.
كان الإمام الباقر (عليه السلام) يعلِّم أصحابه أن يسألوه، فإذا أعطاهم فكرةً إسلاميةً في أيّ جانب من جوانب الإسلام، فإنّه يطلب منهم أن يسألوه عن أساس هذه الفكرة من القرآن؛ من أين استفادها، وكيف عبّر القرآن عنها، لأنّه كان يهدف إلى مسألتين:
الأولى: أن يعلِّم أصحابه أن يسألوا عن كلِّ ما يجهلونه، وعلى العلماء الذين يسألهم الناس عن أُسس الإسلام، وعن الشريعة، وعن كلِّ قضايا الحياة التي وجّه الله تعالى الناس إليها، أن لا يضيقوا ذرعاً بأيّ مسألة، فواجبهم الإجابة عن كلِّ شيء.
الثانية: أنّه أراد لأصحابه وللناس كافةً أن يقرأوا القرآن بتدبّر، وأن يتفهموه ليأخذوا برنامج حياتهم من آياته، وأراد للناس أن يستوعبوها، حتى يبقى القرآن على مدى الزمن هو القاعدة الثقافية التي ينبغي للناس أن يأخذوا بها.
وفي حديث للإمام الباقر (عليه السلام)، اعتبر أنّ الجانب الأخلاقي يلتقي بالعبادة. يقول (عليه السلام): «ما من عبادة أفضل من عفة بطنٍ أو فرج ـ إنّ الإنسان الذي يعفّ بطنه عن الحرام، فلا يأكل أو يشرب حراماً، والذي يعفّ فرجه عن الحرام، فلا يزني ولا يقوم بالعلاقات المحرّمة، فإنّ ذلك من أفضل العبادات ـ وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من أن يُسأل ـ فالله تعالى يحبّ للعباد إذا نزلت بهم مصيبة أو كانت لهم حاجة، أن يسألوه، والله يحبّ الإنسان الذي يدعوه، وقد طلب سبحانه من عباده أن يدعوه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ـ وما يدفع القضاء إلّا الدعاء ـ فإنّ الله تعالى إذا عرف أنّ عبده سوف يدعوه بما أهمّه، وكان القضاء موجِّهاً إليه بحسب الأسباب الطبيعية، رفع ذلك عنه ـ وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ فالخير الذي يحصل الإنسان على ثوابه بشكل سريع هو العطاء وقضاء حوائج الناس ـ وأسرع الشرّ عقوبة البغي ـ وهو العدوان على الناس ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ فمن أكبر العيوب أن يحدّق الإنسان بعيوب الناس من حوله، ولا يلتفت إلى عيوبه في أخلاقه وسلوكه وكلّ أوضاعه، أو أن يطلب من الناس التقوى والصدق والأمانة وهو ليس بتقي وليس صادقاً ولا أميناً ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
وروى الأصمعي عن أبي جعفر قال: سمعته يقول لابنه: «يا بني، إياك والكسل ـ لا تكسل عن عمل الخير وعن رفع مستواك في الدنيا والآخرة، بل كن متحركاً من أجل الوصول إلى الأهداف الكبرى التي تلتزم بها ـ والضجر ـ لا تضجر من القراءة والتعلّم والعمل ـ فإنّهما مفتاح كلّ شرّ. إنّك إن كسلت لم تؤدِّ حقّاً ـ لأنّ الكسل يدعوك إلى الاسترخاء ـ وإن ضجرت لم تصبر على حقّ»، لأنّ الإنسان عندما يضجر، فإنّ ذلك يمنعه من الانفتاح على الحقِّ.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق