• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفكر والحكمة في ذكرى الغدير

عمار كاظم

الفكر والحكمة في ذكرى الغدير

عيد الغدير عيد المعرفة، وغدير الروح، وغدير الحركة في الحياة التي تتجدد، فالغدير ليس مجرّد مناسبة تقليدية، نستهلكها كما يستهلك الناس ما اعتادوا عليه من تقاليد، بل إنّ يوم الغدير يمثِّل الموقع الذي يمثِّله عليّ (عليه السلام)، القمة في الفكر، والقمة في الروح، والقمة في وعي الحياة كلّها، بكلّ مفرداتها وأوضاعها. فقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) فكراً ينفتح على فقه العقيدة، وفقه الشريعة، وفقه المنهج، وفقه الإدارة، وفقه الحرب والسلم، وفقه الحياة. وكان (عليه السلام) يقول: «إنّ ها هنا لعلماً جمّاً لو أصبت له حَمَلة».

الإمام عليّ (عليه السلام) هو الإنسان الذي أخلص للإسلام كلّه، وهو القائل: «فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولا يتكم التي إنما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب»، والقائل: «لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصّة». إنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) عاش عقل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وروحه منذ طفولته الأولى، حتى اندمج عقله بعقله، وذابت روحه في روحه، وتحرّكت حياته في كلّ خطوط حياته، فكان رسول الله في الإسلام كلّه.

ولذلك، فعندما يُقبل الغدير يجب اعتباره غدير المعرفة، وغدير الروح، وغدير الحركة في الحياة التي تتجدّد وتجدِّد الحياة من حولها، حتى نستطيع أن نفتح العالم كلّه على الإمام عليّ (عليه السلام)، الذي انفتح على الزمن كلّه. فالإمام (عليه السلام) ليس ابن زمنه، لأنّنا عندما ندرسه وندرس كلّ كلماته، نجد أنّه يعالج مشكلاتنا في أكثر من جانب، كما كان يعالج مشكلات عصره؛ لأنّ في مشاكل الحياة ما ينفتح على كلِّ عصر، لأنّها ليست منطلقة من خصوصيات الزمن، بل من خصوصيات الحياة، والإمام عليّ (عليه السلام) كان إمام الحياة.

وعندما يُذكَر الإمام عليّ (عليه السلام)، فلابدّ أن تخشع السماء والأرض، لأنّه أعطى للناس في الأرض خطَّ الاستقامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وثبّت فيها العدل والحكمة، وربطهم بالسماء في آفاق الوحي الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين يقول: بالعقل استخرج غور الحكمة، وبالحكمة استخرج غور العقل». وإنّ القرآن الكريم قرن الحكمة بالكتاب، وجعلها جزءاً من رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (البقرة/129)، وقوله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (النساء/113). وكلمة (الحكمة) التي كانت خطّ إلهيّ يسير عليه الإمام (عليه السلام) تنفتح على الحياة كلّها. وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «التفكّر حياة قلب البصير». فهو يتحدّث عن التفكر الذي يعطي الحياة للقلب، والمراد من القلب هنا العقل أو منطقة الوعي الداخلي التي تجمع العقل والحسّ والشعور. كما وأنّ الله سبحانه وتعالى أعطى العقل كلّ الحرّية في أن يفكّر، وحمّله، المسؤولية في ذلك العقل يحيا بالحركة.

ختاماً، لقد وُلِد الإمام عليّ (عليه السلام) في الكعبة، واستشهد في بيت الله سبحانه وتعالى، لذلك عندما نقف في ذكرى ولايته (عليه السلام)، علينا أن نرتبط به ارتباط العقل والروح والقدوة والحياة، لأنّ عليّاً (عليه السلام) لا يسير بنا إلّا إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإنّ عليّاً (عليه السلام) يمثِّل القمَّةَ الشامخة الرفيعة في كلِّ ما أراده الله سبحانه للإسلام أن يتحرَّك فيه.

ارسال التعليق

Top