• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نِعمة الاجتماع والتآلف

عمار كاظم

نِعمة الاجتماع والتآلف

من النِّعَم التي كرَّم الله بها الإنسان إذ جعله مخلوقاً يميل إلى الاجتماع والتآلف، وفي ذلك مصلحة كبيرة لتأمين عيشه وتوفير استقراره الاجتماعي والنفسي، وخصلة التآلف والاجتماع أوجدها الله تعالى في كلّ الحيوانات لحماية نفسها من أعدائها، ولتأمين الطعام لنفسها ولصغارها لكن شتّان بين صفة التآلف عند الحيوانات وعند الإنسان، فالإنسان لا يكتفي بتوفير الأمن والعيش فقط وإنّما يسعى إلى أبعد من ذلك من أجل إيجاد أفضل السُّبل للعيش الكريم والأمن الدائم وتطوير المجتمع نحو الأفضل حيث يسترشد بشريعة الله، وبما يضع من أنظمة وقوانين تنظم حياة الأفراد والجماعات في علاقاتهم ومعاملاتهم التي تتعدد صنوفها وأشكالها في التجارة والصناعة والتعليم وغيرها من القضايا الاجتماعية التي هي جزء من حياة الناس.

والناظر في الشرائع والقوانين التي تتعامل بها المجتمعات البشرية سماوية كانت أو وضعية يلاحظ أنّ تلك القوانين لم تهمل صغيرة أو كبيرة في العلاقات الاجتماعية، وفي السلوك والأخلاق، والاقتصاد والتجارة والعدل، وهذه العلاقات تتشابك وتتفرّع حتى إنّنا نجد فقهاء الشريعة والقانون الوضعي لا يقفون لحظة عن الاجتهاد في خلق القوانين ووضع التشريعات ومناقشة النوازل التي تظهر بحكم تطوّر المجتمعات، وهذا يدل على أنّ البشرية لها نمط مضبوط ومقنّن في علاقاتها الاجتماعية والنفسية والخلقية، إن خرجت عليها اختلّ توازنها، بخلاف الحيوانات التي تعيش دوماً في صراع تكون فيه الغلبة للقوي، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير) (الحجرات/ 13)، تحمل هذه الآية من الدلالات القويّة في نظام الاجتماع والتآلف والروابط التي ينبغي تحقيقها في المجتمعات البشرية، فالتعارف هو لقاء وودّ ومحبة، وبحث عن المصالح من أجل العيش في سلام وأمن واستقرار، ولذلك كان الخطاب في الآية الكريمة للناس جميعاً، لا فرق بينهم في العرق واللون والجنس، إنّ التعاون لفعل الخير والبرّ والإحسان واجب إنساني إذا كان يسعد البشرية جمعاء، وحتى الذين نختلف معهم في العقيدة يجب أن نستفيد من علومهم وخبراتهم وتجاربهم إذا كان ذلك في صالح الأُمّة.

ونلاحظ هذا النهج الذي دعت إليه الآية الكريمة في المعاملات من أجل المصلحة الإنسانية هو الذي يسود في عصرنا الحاضر بين جميع الأُمم في البحث العلمي والمناهج التربوية، وفي التجارة والصناعة والفلاحة وغيرها، وهذا هو النهج السليم، فالمجتمعات الإسلامية في المرحلة الراهنة من واجبها أن تبحث في كلّ ما يمكن أن يسعدها ويطوّر حياتها نحو الأفضل بالعِلم وباكتساب الخبرات والتجارب التي سبقتها بها الأُمم المُتقدِّمة.

ولو تأمّل كلّ فرد ما في نِعمة الاجتماع والتعارف على تأمين حياته وتوفير أمنه واستقراره لقدَّر هذه النِّعمة حقّ قدرها وشكرَ الله عليها مثل سائر نِعَمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، ولينظر الإنسان إلى أثر هذه النِّعمة في ميدان واحد فقط وهو تربية النشء ورعايتهم وتوجيههم إلى ما يسعدهم ويصلح أحوالهم في المستقبل، إنّ تربيتهم وتكوينهم وتعليمهم يحتاج إلى جهود من أطراف عديدة تبدأ من الأُسرة ثمّ المدرسة والمعاهد والجامعات والمجتمع المدني، المتمثّل في الجمعيات الثقافية والحقوقية والرياضية، وكلّ هذه الميادين تتوفّر على مربين وخبراء وتقنيين وفنيين اكتسبوا تجارب وخبرات في التربية والتكوين والسلوك النفسي، والنشء لكي يحصل على توجيه سليم يحتاج إلى جهود وخبرات كلّ هؤلاء في مراحل نظّمتها المجتمعات، ولا يتم ذلك على الوجه الصحيح إلّا بالتآلف والاجتماع والتعاون، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف: «المؤمنُ للمؤمن كالبُنيانِ يَشدُّ بعضُهُ بَعضاً».

تعليقات

  • محمد رموز

    الأُلفة والتعايش من النِّعم التي ينبغي للمؤمن أن يشكر الله عليها مادام في تعارف واجتماع مع الناس بمختلف ثقافاتهم وعاداتهم وأعرافهم

ارسال التعليق

Top