الأمل والتفاؤل من الأخلاق التي تساعد على الشعور بالسعادة للفرد نفسه، وللمجتمع من حوله، لأنّه خُلق وشعور تصدر عنه تصرّفات الإنسان في الحياة. وتبدو الحياة سهلة وبسيطة مع تحقّق هذا الخُلق، لأنّ الإنسان المتفائل والمفعم بالأمل، يرى كلّ الكون باعثاً على الأمل. فكلّ زهرة تتفتح في الكون أمل، وكلّ شجرة تُسقى أمل، وكلّ كتاب يُقرأ أمل، وكلّ سجدة مصدر للأمل وهذا الأفعال والتصرّفات متناغمة ومنظّمة.. فلنضعها في أولويات حياتنا، وعلى رأس الهرم المخطط له مع بدء العام الجديد.
فلنعش بهذا الخُلق كلّ يوم، وكلّ لحظة، دائماً نردد معاً ونقول معاً: أنا متفائل، ولا أحب اليأس، لأنّ اليأس شعور وخُلق خطير جدّاً، ومن خطورته أنّه يُزعزع الثقة بالله، وعقيدة القضاء والقدر يصيبها الخلل في إحساس الناس، ومن خطورة اليأس أيضاً الشعور بالإحباط، وأن تفقد النفس عزيمتها على القوّة والحركة. كذلك يؤدِّي إلى فقدان الشعور بقيمة أي هدف تسعى وراءه، واليأس يفقدك الهمة العالية التي تطمح إليها. نعم، إنّ الأمل طاقة دافعة للحركة وللإنتاج، والتغيير لا يتحقّق من دون الأمل، والثبات لا يتحقّق إلّا بالأمل، وأملنا في أنّ الله سيعزّنا ونعيش حياة كريمة، والأمل أن تكون أحوالنا أفضل مع حلول السنة الجديدة.
إنّ أكثر دين في الدُّنيا تكلّم عن التبشير هو الإسلام. وكلمة البشرى ذُكرت في آيات كثيرة في القرآن.. وكلمة البشرى تعني إدخال الفرحة على بشرة الوجه، فتجعل قسمات الوجه تنفرج وتسعد. قال تعالى في القرآن الكريم: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) (البقرة/ 25). وفي أُولى سُور القرآن كذلك آية أُخرى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (يونس/ 64). كذلك: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) (آل عمران/ 170)، (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحجّ/ 37)، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155). فستلاحظ دائماً في القرآن ذكر كلمة «البشرى»: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس/ 38-39). ثمّ ستجد شيئاً آخر عجيباً وهو معنى البشرية. وكما قال الله: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) (ص/ 71). فالأصل في البشرية أنّ عندها «استبشاراً». وكما نلاحظ التشابه في الكلمتين: «البشرية» و«البشرى».
الأصل فينا الأمل، وكلمة البشرى في ديننا هي كلمة أصيلة.. فهذه طبيعة ديننا. لذا يجب أن تكون روحنا أيضاً مستبشرة.. فهذا الدِّين هو الأمل. في الآية الكريمة يقول سيِّدنا يعقوب (عليه السلام): (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87). يجب أن ننتبه لهذه الآية، وكيف أنّ الله سمّى مَن ييأس من روح الله بالقوم الكافرين. فالله عزّوجلّ، عندما خلق الأرض خلق معها مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة للأرض لجميع الخلائق، وادخر التسعة والتسعين رحمة. فرحمة الله واسعة. كذلك، وكما قال الله: «إنّ رحمتي سبقت غضبي»، كذلك قال الله سبحانه: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام/ 54)، وأيضاً قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله كتبَ تحت العرش كتاباً فهو موجود عنده إلى يوم القيامة: إنّ رحمتي سبقت غضبي». فالله رحيم بنا. ثمّ قال: «رحمتي وسعت كلّ شيء». فإذا ساورك الشكّ في رحمة الله أو أصابك اليأس، أو قلت ليس هناك من فائدة وأنّ الله لن يعزّنا، فإن فقدت الأمل فأنت لديك مشكلة في فرض من فروض الإسلام.
وأخيراً، الإنسان البعيد عن الله سيفقد الأمل. والمؤمن، كلّما اشتد السواد، ازداد أمله في الله. ولن تنجلي الأزمة إلّا بأمر الله. كما قال الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ) (النجم/ 58). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث القدسي: «قال الله جلّ وعلا: أنا عند ظنّ عبدي بي، إن ظنّ خيراً فله، وإن ظنّ شرّاً فله».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق