قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أهل المعروف في الدُّنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم، ويدفعون حسناتهم إلى الناس فيدخلون بها الجنّة، فيكونون أهل المعروف في الدُّنيا والآخرة». ویقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا وتصفّحوا وجوه الناس، فمن أتى إليكم معروفاً، فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة». ينطلق المعروف في الحياة ليؤكِّد مدى الارتباط بالله تعالى، والسعي العملي لبلوغ القُرب منه، بالعمل الذي يمنح الحياة قيمةً، ويغنيها بصنوف الإحسان، إن كان هذا المعروف خالصاً لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته. والمعروف عند الله له أجر عظيم وفضل كبير، فقد جاء عن أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «ابذل معروفك للناس كافّة، فإنّ فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء». قال تعالى في كتابه العزيز: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران/ 110)، وفي موضع آخر: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71)، وفي موضعٍ ثالثٍ يقول تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة/ 112). من هنا، كان الأمر بالمعروف في كلّ آن مهمّاً وضرورياً، وخصوصاً في مثل هذه الظروف الصعبة والمعقّدة التي نعيشها، وتعيشها أجيالنا الناشئة، فكلّ فردٍ منّا معنيّ بالأمر بالمعروف، والسعي إلى تحقيقه بالكلمة الطيِّبة والعمل الصالح.. الزوج والزوجة عليهما تأكيد المعروف في علاقتهما الأُسرية، وإظهار ذلك احتراماً وحبّاً وتعاوناً وانسجاماً وتفاهماً، والأولاد والأهل عليهما واجب الأمر بالمعروف، عبر تأكيد المحبّة والرحمة والتكافل بين بعضهم البعض، كذلك الجار وجاره، والأقارب فيما بينهم، وصولاً إلى المجتمع ككلّ، الذي يصبح المعروف جزءاً من شخصيّته، يُحبِّب إليه المعروف ويمارسه، ويُبغِّض المنكر ويرفضه ويستهجنه.
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل المعروف وأهله الذين يعبّرون عن حقيقة الخلق الإنساني والإسلامي الرفيع، عندما يفيضون على الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري والحياتي والأخلاقي كلّ خير يثبّته ويعزّزه ويقوّي أُسسه وروابطه. جاء في الحديث الشريف: «اصطنع الخير إلى أهله وإلى مَن ليس أهله، فإن لم تصب مَن هو أهله، فأنت أهله». كما ويعطي المعروف سعة أُفق للإنسان، عندما يخرج من دائرة التفكير الذاتية والخاصّة المحدودة، لينطلق إلى الدائرة الاجتماعية الأوسع، فيشارك بكلّ همّة وإخلاص في أعمال الإحسان والمعروف والبرّ للآخرين، ويسدي لهم كلّ معونة مادّية ومعنوية، عبر الكلم الطيِّب النافع الذي يهدّئ النفوس، ويقلع منها الأحقاد والعصبيّات، ويزرع المحبّة والرحمة في ربوع الحياة. إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عنوان حضور أُمّة الخير، والفعل الصالح روح وجودها وأصالتها، وصولاً إلى تأكيد الإيمان الفعلي المتجذّر في الحياة. والأمر بالمعروف تتّسع دائرته لتشمل كلّ الأوضاع والعلاقات بين الأفراد والجماعات على المستوى الخاصّ والعامّ.
ونحن في أجواء شهر رمضان الكريم، هل نحن قريبون من عنوان الأمر بالمعروف ومن الوسطية؟! وما مدى تطبيقنا لهذه العناوين؟!
إنّ الصوم كمساحة لإعادة مراقبة الذات ومحاسبتها، وكفرصة لتجديد العلاقة بالله تعالى، لابدّ وأن يضعنا أمام مزيدٍ من النظر في أحوالنا، ومدى تفاعلنا مع العناوين والشعارات التي نحملها. إنّ الصوم كعبادة مفروضة، يدفعنا من خلال انفتاحنا على الله، إلى إعادة تأكيد التزاماتنا تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا نقول إلّا حُسناً، ولا نفعل إلّا خيراً، ولا نجالس أهل الزور والغيبة والبهتان، ولا نقبل حيفاً أو ظلماً، بل ننطلق لإعادة تفعيل التواصل بيننا من خلال التضامن والوحدة والتكافل، والتأسيس للروح الوسطية التي تأخذ بأسباب الوعي والفهم الصحيح للأُمور.
أيّها الصائمون الكرام، ليس الصوم مجرّد الامتناع عن الطعام والشراب وغير ذلك، بل هو المحطة الروحية والعبادية التي تعيد تشكيل وعي الإنسان وتضعه أمام مسؤولياته في تصحيح ما اعوجّ في مسيرته الفردية والجماعية. فلنكن من أهل المعروف، ومن أفراد الأُمّة الوسط، وممّن ينتفعون بالعبادات، ومنها الصوم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق