التآخي الوطني... هو التناصر والتعاون والتراحم بين أفراد المجتمع ليسدّ بعضهم حاجات بعض. إنّ تنمية ثقافة التآخي الوطني والتعايش الاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع وشرائحه، تتطلب تكريس القيم الفاضلة فيه ودعم الجهود الإصلاحية على أساس ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام رأي الآخر. إنّ تعزيز مفهوم الإخاء الوطني يتحقق بربط أبناء الوطن بدينهم وهويتهم الوطنية، وتنشئتهم على التمسك بالقيم الإسلامية، وتأصيل حب الوطن والانتماء له في نفوسهم في وقت مبكر، وذلك بتعزيز الشعور بشرف الانتماء للوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وإعداد النفس للعمل من أجل خدمته ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته وغرس حب الوحدة الوطنية في النفوس.
إنّ استمرارية المجتمع ونهضته مرهونة بمدى نجاح البناء الاجتماعي الذي يعتني بالفرد ويرفع من مستواه وكفايته، وذلك انطلاقاً من مسلّمة أساسية مفادها أنّ الفرد هو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وكلما كانت اللبنة قوية كان البناء قوياً في مضمونه وشكله وحاضره ومستقبله. وتتجلى وطنية الفرد من خلال حرصه على أمن وطنه الفكري والاقتصادي والاجتماعي والزمني ودوره الكبير في نشر المحبة بين أفراد وطنه. إنّ تنمية الحس الوطني عند الأجيال الجديدة يأتي حينما يتقاسم أبناء الوطن الواحد آلام الوطن كما يتقاسمون أفراحه، وعلى هذا يجب تنمية هذا الحس الوطني وغرس قيم المواطنة الصحيحة، والولاء للوطن وخدمته والدفاع عنه كحبنا للدين والثبات عليه مهما حصل. فالعمل التطوعي كنموذج يبيّن أهمية العطاء من خلال المواطن للوطن، لأنّ التطوع في أي مجال من مجالات الخدمة المجتمعية هو بمثابة إثبات على غرس قيم الوطنية والمواطنة وحب الوطن، وبث روح التسامح والأخوة بين أبناء البلد الواحد.
إنّ الوطنية الصادقة هي سلوك يُمارس، وأفعال تُنفذ، ومسلك يُقتدى به، ومشاعر تحس وأحاسيس تفوح ولا يباح بها. إنّها اعتقاد بالقلب والوجدان، وعمل بالواجبات والأركان، وليست قولاً باللسان فقط.
إنّ ما يتحقق في الوطن يجب أن يكون دافعاً للشباب لإكمال البناء والعمل بجدية من أجل البذل والعطاء وتأهيل الذات، فهذه المنجزات المتحققة في أرض الواقع يجب أن تكون لأبناء الوطن عبرة وعظة ترشدهم إلى كيفية النهوض بها واستكمال المسيرة نحو الغد المشرق.
نحن بحاجة إلى إحياء ونشر روح السلام والإخاء والتماسك بعيداً عن الحقد والكراهية ومكافحة الأفكار الهدامة السلبية والنظرة الإيجابية إلى المستقبل. فالإسلام دين المحبة والصفاء والألفة، فهو يشيع مبدأ الأخوة الإسلامية لتذويب الفوارق العرقية والإقليمية والمادية، فتسمو على كافة الروابط الأخرى من خلال التأليف بين القلوب. الإسلام هو دين عالمي يتجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وتُرسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. فالجميع ينحدرون من (نفس واحدة)، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (النساء/ 1).
إن الحياة الانسانية لا يمكن أن تنمو وتزدهر في محيط يفتقر إلى الوحدة والتفاهم والتعايش الاجتماعي، نحن في حاجة دائمة الى التفتح والاشراق في جوٍ دافئ من المحبة والتبادل والإخاء. وعليه يجب بناء المجتمع على أساس المودّة والرحمة والتعاون على البرِّ والتقوى، فالإنسان لم يخلق ليعيش فرداً بل خُلِق ليعيش ضمن المجتمع البشري كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق