العطاء دون مقابل، سواء من خلال ابتسامةٍ أو مساعدةٍ بسيطةٍ، أو مدّ يد العون إلى مَن يحتاج مساعدة طيِّبة، هو أقرب إلى نفس الإنسان. حيث أثبتت ذلك دراسة حديثة كشفت أنّ فعل الخير يغمر نفس الفاعل بالسعادة والرِّضا، بالقدر نفسه الذي يسرّ متلقّي الفعل.. فطيبة الإنسان في التعامل مع الآخرين يمكن أن تكون سبباً لسلامته النفسية والبدنية، بل يمكن أن تطيل عمره. إنّ الطيبة وأفعال الخير لا تخلق في نفوسنا وفي نفوس الآخرين إحساساً بالسعادة فحسب، بل إنّ دراسات علمية أثبتت أثر فعل الخير في المنظومة العصبية التي تتحرّك بموجبها آليات الدماغ. فحين نبيح لأنفُسنا فعل الخير للآخرين، فإنّنا نفتح في الحقيقة سُبُلاً عصبيةً تنعش مشاعر الرِّضا في النفس. إنّ فعل الخير مفيد لنا كما هو مفيد لمن يقع عليهم، وهو عادة يمكن تطويرها في أيِّ مكانٍ وزمانٍ، دون أن تكلّف شيئاً، أو بكلفةٍ زهيدةٍ لا تذكَر. ويبرز فعل الخير أصالة الإنسان وفطرته المجبولة على الخير، حيث تتدفَّق المشاعر الطيِّبة، وتتحرّك أفعال البرّ والعطاء، لتمنح السلام والرحمة والبركة للحياة والناس جميعاً، بما يشعرهم بإنسانيتهم، ويجعلهم يتحسّسون آثار هذه الأفعال الحسنة في واقعهم الخاصّ والعامّ، ولقد حثّنا الله تعالى على التسابق لفعل الخيرات، تزكيةً للنفوس، وتعميماً للفوائد والآثار النافعة. وفي سياق الحديث المتّصل بالخير وأبعاده، عن الإمام عليّ (عليه السلام) كما في نهج البلاغة: «ما خير بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بشرٍّ بعده الجنّة»، فلو أقبلت عليك الدُّنيا، ولكنّها كانت في معصية الله، وكانت النار في آخرها، فما قيمة ذلك الخير؟ لقد استمتعت وتلذَّذت وعشت شهواتك كلَّها، ولكن في نهاية المطاف (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) (الحاقة/ 30 ـ 32).
فإذا أردتم أن تعرفوا الخير، فاقرأوا كتاب الله الذي حدَّد لكم الخير في كلِّ ما أمركم به، وحدَّد لكم الشرَّ في كلّ ما نهاكم عنه، ودعاكم إلى الخير من خلال نتائجه الإيجابية، ونهاكم عن الشرّ من خلال نتائجه السلبية (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة/ 7 ـ 8)، (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (الأنبياء/ 35). كما يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) (الحجّ/ 77)، ويقول أيضاً: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (المائدة/ 48). هذا هو العنوان الكبير الذي يريده الله تعالى للإنسان في الحياة؛ أن يملأها بالخير من جهده، بأن يتحرَّك فكره من أجل أن يُصلح تصوّرات الناس في كلّ ما يعيشونه وما يتحرّكون فيه، وفي كلّ ما ينطلقون به من علاقات ومواقف ومواقع، لأنّ الله (لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، وبأن ينتج الخير في أعماله الفردية، فلا يتحرّك إلّا بما يكون خيراً لنفسه وعياله وللناس من حوله، في كلِّ ما يخطط له ويسير فيه.
كما يريد الله تعالى للإنسان أن يستبق الخيرات في علاقته بالناس، فقد جاء في الحديث أنّ جماعة جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقاولوا: دلّنا على عمل إذا عملناه دخلنا الجنّة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «انل ما أنالك الله»، فقال له: وإن كنت أحوج ممّن أنيله؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: «فانصر المظلوم»، إنّ هناك أُناساً يحتاجون إلى قوّتك لتدفع عنهم ظلامة الآخرين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعةً، فقال: «فإن كنت أضعف ممّن أنصره»؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: «فاصنع للأخرق»، يعني أشر عليه، فإذا كنت لا تملك قوّة، فإنّك تملك خبرةً ورأياً يمكن أن يحقّقا للناس الخير والحلَّ لمشاكلهم. دبّر الإنسان الذي لا يستطيع أن يدبّر نفسه، أعطه الخبرة والرأي والمشورة، فقال: «فإن كنت أخرق ممّن أصنع له»؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: «فاصمت لسانك إلّا من خير»، فعندما تتكلّم، عليك أن تمسك لسانك عن أية كلمة شرّ أو ضرر، وأن لا تطلقه إلّا للخير، «أما يسرُّك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنّة».مقالات ذات صلة
ارسال التعليق