لو حرص الإنسان على مداومة الاتصال بالخالق جلّ جلاله كحرصه على مداومة الاتصال بالخلق لوجد نفسه في معية الله يحفظه ويرعاه. وكان إليه بكلّ خير أسرع، فتودد إلى مولاك وسيِّدك بالاتصال يتودد إليك بالنوال والإفضال، وتقرّب إليه من غير غفلة تجده أقرب إليك من غير مهلة «ومَن تقرَّبَ منّي شِبراً تقرَّبتُ منه ذراعاً، ومَن تقرَّب مني ذراعاً تقرَّبتُ منه باعاً، ومَن أتاني يمشي أتَيتُهُ هرولةً، ومَن لَقِيني بقُرابِ الأرضِ خطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئاً لَقِيتُهُ بمثْلِها مغفرةً»، وخلاصة الأمر في كتاب الله بين يديك (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، ادعوني بالطاعات أستجب لكم بالخيرات، ادعوني بقلب خضع وأناب لا يقلب متردد مرتاب. توجهوا لي في مختلف الطاعات والعبادات ومنها العبادة المقدّسة والجليلة وهي الصلاة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوّلُ ما يُحاسبُ العبدُ الصلاةُ فإن قُبِلَت قُبِلَ ما سِواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سِواها».
إنّ من أهم الأُمور التي أمرنا الله بها وأوجبها علينا واشتدت الوصية بها هي الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى والصلاة له لأنّ الصلاة معراج المؤمن، ومن خلالها يرتبط المرء بخالقه ويناديه ويناجيه ويقرّ له بالخضوع والعبودية، ومن خلال الصلاة ينتقل الإنسان إلى عالم آخر بعيداً عن مشاغل الدُّنيا وهمومها، وبعيداً عن كلّ شيء ما خلا الله سبحانه قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14). وقال أيضاً سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النِّساء/ 103). وقد رُوِي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ عمود الدِّين الصلاة وهي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فإن صحت نظر في عمله وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله». ولنتأمّل كيف حثّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على الاهتمام بالصلاة وعدم التقصير في أدائها عندما قال (عليه السلام): «تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقرّبوا بها فإنّها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سُئِلوا: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر/ 42-43) ».
كما أنّ شفاعة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تنال تاركاً لصلاته ومستخفاً بها فقد قال أبو بصير: «دخلت على حميدة أعزيها بأبي عبدالله الصادق (عليه السلام) فبكت فبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا لي كلّ مَن بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحداً إلّا جمعناه، قالت: فنظر إليهم ثمّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة». فإيّاك أن تكسل عنها أو تتهاون بحقّها أو تضيع حدها وحدودها أو تنقرها نقر الديك أو تستخف بها أو تشتغل عنها بشيء من عرض الحياة الدُّنيا وزينتها. فالمحافظة على الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها حتى تنال الدرجة الرفيعة والمقام المحمود عند الله سبحانه، فقد ورد عن إمامنا جعفر الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَن حبس نفسه على صلاة فريضة ينتظر وقتها فصلاها في أوّل وقتها فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ثمّ مجّد الله عزّوجلّ وحمده حتى يدخل وقت صلاة أُخرى لم يلغُ بينهما، كتب الله له كأجر الحاج (و) المعتمر وكان من أهل عليين».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق