• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حوار.. مع رمضان

حوار.. مع رمضان

توقف ضيفي الكريم عند حديثه العذب لحظات؛ فشجَّعته نظرة شوق مني، مع إيماءة استحسان من رأسي؛ وذلك حتى يستكمل حديثه الجميل الودود؛ فقال رمضان الحبيب: لقد أدهشني أنني ما دخلت بيتاً، أو قابلت أحداً؛ إلا وحيّرني شيء غريب وجدته في معظم أحبابي منكم.
إنّها لمسات نفسية بسيطة؛ أو أسئلة سهلة ينساها البعض عندما يستقبل ضيفاً عزيزاً غالياً لا يراه إلا مرّة كل عام مثلي!
إنها يا أخي الحبيب هذه الأسئلة أو المفاتيح النفسية الستة في فن التعامل مع ضيوفك؛ فلا تنساها، واجعلها دوماً أمامك؛ وهي:
1- ما مهمة هذا الضيف القادم إلينا؟ أو ما سبب هذه الزيارة؟ أو ما وراء زيارته؟!
2- ما أبرز صفة يتصف بها ضيفي العزيز؟!
3- ما معيار نجاحي في الإستضافة؟!
4- ما الذي يُرضي ضيفي حتى أفعله؟!
5- ما الذي يغضب ضيفي حتى أتجنبه؟!
6- ما علامات قبول حسن استضافتي؟! أو المعايير النفسية والخارجية التي أستشعر بها رضا الحق سبحانه عن حسن تعاملي مع ضيفي؟!
تعرفت على أبرز صفات ضيفك.. تسعده.
قلت لضيفي: شكر الله لك أيها المعلم والمربي الحبيب؛ فلقد أسعدتني بهذه اللمسات الطيبة، وهذه المفاتيح أو مهارات وفنون التعامل مع ضيوفي الكرام.
وأعتقد أنك أجبتنا عن السؤال الأوّل؛ حيث أوضحت لنا مهمتك ورسالتك إلينا.
وعرفنا منها سبب زيارتكم السنوية إلينا كما جاء في إجابتكم عن السؤال الأوّل.
ولكنني في شوق لمعرفة إجابة السؤال الثاني في كيفية التعامل مع مقامكم القدسي الجليل؛ لأنني إذا عرفت أبرز صفاتك؛ أمكنني أن أفهم شخصيتك وطريقتك؛ لأرضيه سبحانه في شخصك.
وحتى أحاول حُسن إستقبالك، وحسن ضيافتك، وحسن التعامل والتعايش معك.
ابتسم ضيفي ورأيت علامات إنشراح صدره في نبرة صوته؛ وذلك عندما استرسل؛ قائلاً بود: تماماً كما فهمت أيها الحبيب، فإنّ الخطوة الثانية في فن التعامل مع ضيفك؛ هو أن تركز على أبرز صفاته وسماته وخصائصه التي يُعرف بها، ثمّ صمت برهة، وأطرق في الأرض، ثمّ نظر إليَّ؛ وقال بعتاب مرير: ترى كم واحد منكم قرأ عني؟!
ترى كم واحد منكم كلّف نفسه بالبحث عن أبرز صفاتي؟!
ترى كم واحد منكم سأل عني أحب الناس إليَّ؟!
ترى كم واحد منكم عرف هذه الصفة واكتشفها قبل زيارتي؟!
يا أخي الحبيب، لا أريد أن أشقّ عليكم؛ كان يلزمكم مجرد لحظات قبل مجيئي؛ يجلس فيها الفرد منكم ليفكر مع نفسه، ويسألها: ماذا أعرف عن السمة البارزة في شخصية ضيفي القادم، ويُعرف بها بين الناس؟!
والمشكلة أيها الحبيب أنني دقيق في زيارتي وفي مواعيدي ولا آتيكم فجأة؛ بل تعرفون موعدي كل عام باليوم؛ بل وبالثانية.
أليس هذا في عرف الضيافة؛ يعتبرونه إنشغالاً، أو على الأقل من باب تهوين شأن الضيف؟!
تدلت رأسي أمامي، ونظرت إلى الأرض من فرط خجلي من نفسي، ومن صراحة ضيفي الكريم، وتمتمتُ بكلمات خجولة، تقطر معها جبهتي عرقاً، وعيناي لا أستطيع رفعهما من الأرض: ضيفي الحبيب لقد قصّرنا جميعاً معكم، وتناسينا هذه اللفتة المهمة عند ضيافتكم؛ فهلا وضحتم الإجابة فيما تقصده؟!
فقال بحنان ورقة: لقد أكبرتُ فيك قبول النصيحة، وعدم غضبك لعتابي وصراحتي.
وركز معي أيها الحبيب؛ لقد وصفني الله عزّوجلّ بكلمات واضحات: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...) (البقرة/ 185).
ألم تسأل نفسك: لِمَ كان إنعقاد هذا المجلس القدسي الملائكي القرآني الرمضاني؛ حيث كان الحبيب (ص) يداوم على مدارسة القرآن الكريم مع جبريل (ع) في رمضان؟!
عن ابن عباس (رض) قال: "ثمّ كان رسول الله (ص) أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل (ع) كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله (ص) القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله (ص) أجود بالخير من الريح المرسلة".
فتدبر هذا الإجتماع الرباني؛ الذي يضم الحبيب (ص) مع جبريل (ع)، مع القرآن الكريم مع رمضان.
فهل فهمنا هذه الرسالة التربوية العظيمة؛ وهي تدبر معنى إقتران القرآن بشهر رمضان؟!، فلا يجب أن ينشغل الصائم عن القرآن الكريم تلاوة ومدارسة وتدبراً.
إنّه القرآن.. وأنا شهر القرآن.. فزيارتي هي عملية تجديد وتوثيق للعهد، وتذكرة بهذا الإقتران.
فتدبر مغزى أن تفكر في سؤالي الثالث: ماذا اكتسبت من سلوكيات طيبة من ضيفي الكريم؛ والتي ترضيه سبحانه؛ ثمّ تسرّ ضيفي، وتسعدني في الدنيا والآخرة؟!

ارسال التعليق

Top