◄الإنصات نعمةٌ وُهبتها من ربك بسبب أذنيك التي في جنبي رأسك، فكَن متعاملاً معه في حذرٍ، لأنّه فنٌّ من الفنون التي بها تذهب حزنك، وإذا امتلكت هذه الوسيلة الربانية التي منحها لعباده، تكون قد أتقنت هذا الفن، لأنّك:
عندما تنصت تتجنّب سرعة الاستنتاج وتغيير الكلام حسب خلفياتك وقناعاتك.
عندما تنصت تتعلّم أن تُحكِّم الأمور بموضوعية؛ لأنّ الإنصات يجعل معايير تقييمك للآخرين أكثر عدلاً.
عندما تنصت تضمن ألا تُضيِّع أوقاتك في إعادة تنفيذ الأعمال مرة أخرى، حيث إنّ انعدام مهارة الإنصات الفعّال مكلّف للغاية.
عندما تنصت تضمن صحة القرارات التي تأخذها؛ لأنّها جاءت بعد إنصات شديد لكلّ مَن لديه معلومات بشأن هذا القرار، كما يمكننا من عدم الاضطرار لطرح الموضوع من جديد.
كما إنّ الإنصات الفعّال يجعلنا نتحدّث بفعالية.. فالمستمع الجيّد كما يقولون متحدثٌ لبق.. لأنّه ألمّ بكلّ حجج وأسانيد الطرف الآخر، ومن ثمّ سيكون منطقياً في عرضه، وقادراً على تغطية جوانب الموضوع المطروح.
عندما ننصت للآخرين فإنّنا نجعلهم يتقبّلون قراراتنا بصدرٍ رحب، وقبول طيب، لاسيّما وأنّهم قد عبّروا عمّا في نفوسهم إزاء الموضوع المطروح واطمأنّوا إلى دقّة فهمنا، ومن ثمّ يكونون أكثر قبولاً لوجهات نظرنا التي تم تكوينها عن الموضوع.
عندما ننصت بفعالية.. فإنّنا نبتعد قليلاً عن حدود ذواتنا إلى منطقة أوسع وأرحب.. نرى فيها للآخرين حقوقاً مشروعة في أن يعبّر كلٌّ منهم عن نفسه.
عندما ننصت للآخرين نقول لأنفسنا في حوارٍ داخليٍّ ممتع: إنّنا لسنا وحدنا في هذا الكون.. إنّما يشاركنا آخرون جديرون بأن نتوافق معهم ونبني على ما يقولون.
عندما ننصت للآخرين، نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا في أن ينصت الآخرون لحديثنا ويتفهّموه ويقدِّروه.
عندما ننصت للآخرين، فإنّنا نساعد المتحدّث على قول كلّ ما يدور في ذهنه بالضبط.
إنّ عدم الإصغاء يقوم بدور مثبِّط لهمة المتحدّث، ومن ثم سوف يتوقّف أحياناً أو على الأقل سوف يجد الأمر أكثر صعوبة للتعبير عن أفكاره.
عندما ننصت فإنّنا نصل إلى تفاهم وتواصل بيننا وبين الآخرين خاصة في مواقف الخلاف والصراع، وفي تخفيف الميول العدوانية في لحظات التوتر والانفعال العنيف، فعندما نستمع بانتباه إلى محدثنا محاولين فهم حاجاته، فإنّ من الصعب علينا أن نمارس ضده أي شكل من أشكال السيطرة لاعتقادنا بأنّنا وحدنا على حقٍّ.. فالإصغاء الفعّال يشكّل صمّام أمانٍ يحمينا من الوقوع أسرى أفكارنا المسبقة أو انفعالاتنا المحمومة.
عندما ننصت فإنّنا ننأى بأنفسنا عن الجهل؛ لأنّ من طبيعة الإنسان الجاهل أن يتكلّم فقط، ويجب على الآخرين أن يسمعوه وعندما يحين دوره لا يستمع إليهم باهتمام أو يقاطع المتحدّث أو يمارس العنف عندما يتكلّم أو يسمع، إنّه يستعمل حاسّةً واحدة فقط، وهذه مشكلة أخلاقية وسلوكية تنتشر في كثير من المجتمعات تهدّد الحوار الموضوعي والهادف بالفشل، وعن عليّ بن الحسين (ع) أنّه قال: وحقُّ الناصح: أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله جلّ جلاله.
عندما تنصت تستخدم الصمت الواعي، والذي يستلزم قدرات خاصة لاستيعاب ما يقوله الطرف الآخر، وتخزينه في الذاكرة بصورة منظمة لاسترجاعه في الوقت المناسب للحوار. وهذا يعني: أن نعرف حتى أثناء صمتنا متى يجب أن نسمع؟ ومتى يجب أن نتكلّم؟ وماذا نقول إذا تكلّمنا؟ فليس كلّ ما يُعرف يُقال، وليس كلّ ما يقال في كلّ وقت يقال لأي أحد... بل كما يقول الشاطبي (رحمه الله ): ليس كلّ ما يُعلم ممّا هو حقٌّ يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة، وممّا يفيد علماً بالأحكام! بل ذلك ينقسم: منه ما هو مطلوب النشر وهو غالبٌ علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حالٍ أو وقتٍ أو شخصٍ.
إذاً: ففي بعض الأمور يكون الصمت هو الواجب، وفي أمور أخرى يكون الكلام هو الواجب. والصمت الواعي: هو فن التوفيق بين واجب الصمت وواجب الكلام؛ وضابطه: أنّك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤدِّ ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلّم فيها، إمّا على العموم إن كانت مما تقبله العقول، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري وفق المصلحة الشرعية والعقلية.
عندما ننصت فإنّنا نتعلم مرّتين:
· مرة عندما نتحمّل غيرنا أقصى درجات التحمل فنكسب قدرة تخطِّي وتجاوز الأخطاء.
· ومرة أخرى عندما تتدفّق علينا إيجابيات حديث الآخر دون محدوديات مقصّ الرقابة الذاتية، التي غالباً ما يتم ممارستها من قبل الواحد منا عندما يضيق صدره بآراء الآخرين من باب إسقاط فهمه الذاتي على قول الآخر وخطابه وتصرفاته.
عندما تنصت فإنّ الآخرين سيكتشفون ذلك؛ فالاستماع الجيد أمرٌ لا يمكن تزييفه بسهولة حيث تفضح تعبيرات الوجه، ووضع الجلوس، وحركات العين والإيماءت، المستمع الضعيف، وتكشف في نفس الوقت المستمع الجيد.
كما أنّنا نستخدم الإنصات في حلِّ مشكلات الآخرين والحوار معهم.
إنّنا بالإنصات الفعّال نريح الآخرين من عناء ما يحملون. فقد يكون احتياجك في وقت ما فقط إلى أن يستمع إليك الآخرون ولا يقاطعوك!! ►
المصدر: كتاب إصنع حياتك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق