• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

متى يكون الإنسان سعيداً؟

متى يكون الإنسان سعيداً؟

◄لقد توصل الإنسان في عصرنا الحاضر إلى مرحلة متميزة من العلم والتكنولوجيا في مجالات مختلفة فتهيّأت له الأسباب لكي يخطو خطوة كبيرة في حقل الاكتشافات والاختراعات المضاعفة، وهي أيضاً وفَّرت له إمكانيات هائلة مكّنته من توفير كلّ ما هو بحاجة إليها من وسائل الراحة والدعة والرفاهية وقد كان يحسبها قبل ذلك نوعاً من الخيال والوهم.

فالأجهزة الكهربائية الأوتوماتيكية والإلكترونية والبرمجيات حوّلت كثيراً من الأُمور التي كانت غير ممكنة قبل ذلك إلى ممكن وبسيط، وفي متناول الأطفال والعجزة والأغبياء على حدٍّ سواء، كما وأصبحت حاجياته وتمنياته ماثلة أمامه بكبسة زر دون أي جهد جهيد.

وهذه أمواج الأثير اليوم تتناقل جُلُّ معلوماته من وإلى أقصى نقاط العالم في لمحة بصر، فأصبحت الكرة الأرضية بمثابة بيت كبير يتخاطب سكّانه مع بعضهم دون أدنى مشقة أو تكاليف تذكر، ولم تُعدّ اختلاف اللغات والعادات والتقاليد والثقافات والأديان والمذاهب عائقاً في طريق التواصل والتفاهم والتعامل، بل وحتى التشاجر والتنازع.

أمّا الطائرات فقد سخَّرت له ميدان الجوّ، وجعلته يتنقل بسرعة مدهشة من جهة لأُخرى ويطير إلى مقصده بأسرع وأخف ممّا كان يجري في خياله حول العنقاء.

وفتحَ رجال الفضاء لهذا الإنسان أبواب السماء، وصارت الكواكب السماوية في متناوله يسافر لها متى شاء، حتى أصبح يتحدَّث عن السفر إلى القمر وسائر الكواكب ببساطة وكأنّه يتكلّم حول السفر من بلدة إلى بلدة مجاورة.

وتوسّعت دائرة المستجدات العلمية والصناعية إلى حدٍّ يصعب إحصاؤها، وكأنّ الطبيعة عجزت وتضايقت من الاحتفاظ بأسرارها التي ادّخرتها طيلة الآلاف من السنين، وقرّرت كسر صمتها وحاولت الكشف عن هذه الأسرار في مدّة وجيزة لتقدّمها بصورة مستعجلة واحدة تلو أُخرى لإنسان عصرنا.

وفي ظل هذه المستجدات الكثيرة والشاملة، ومن خلال تعرُّفه على كثير من أسرار الطبيعة العجيبة وتغلّبه على بعض القوى الطبيعية، تمكّن إنسان عصرنا من الوصول إلى أعلى مراتب الرفاهية المادّية، وتمكّن من أن يجعل لنفسه من الأرض قصراً مشيَّداً ذو جلال وفخامة تُبهر العيون، كلّ ذلك أملاً منه في أن يعيش فيه براحة و سرور وسعادة وهناء، تلك الأهداف التي كانت أُمنيته المُبتغاة التي أجهد من أجلها نفسه قروناً متتالية.

هل نحن سعداء ؟

رغم التقدّم البشري الهائل في كافة مجالات الحياة، ورغم الازدهار والتوسعة الشاملة، ورغم وفرة المال والتقدّم العلمي، ورغم وفرة الأطعمة والمأكولات والمشروبات والملبوسات والملذات التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي لم تخطر يوماً  ما على بال ملك من الملوك وسلطان من السلاطين، رغم كلّ ذلك فإنّ إنسان اليوم لا يشعر بالسعادة ولا يهنأ بالعيش في هذا الكوكب المتألق، فما هو السرّ، ومتى يكون الإنسان سعيداً؟

ما هي السعادة الحقيقية؟

السرّ في عدم شعور الإنسان بالسعادة هو أنّه تمكّن بعد هذا الجهد من تأمين متطلّبات جانب واحد من جوانب حياة الإنسان وأهمل متطلّبات الجوانب الأُخرى من حياته، وحيث أنّ السعادة الحقيقة لا تحصل ولا تتحقق إلّا إذا كانت شاملة لكافة جوانب حياة الإنسان المادّية والمعنوية، فلذلك نرى الإنسان لا يشعر بالسعادة رغم توفّر متطلّبات الجانب المادّي من حياته.

إنّ إهمال الجانب الروحي للإنسان، والاقتصار على النظرة المادّية البحتة إلى الحياة، يُحدث فراغاً كبيراً في الجانب الإيماني والاعتقادي بالله عزّوجلّ من حياة الإنسان، كما وإنّ عدم الاكتراث بتعاليم الشرائع الإلهية، والقيم الأخلاقية والإنسانية تحدث شرخاً كبيراً في هيكل السعادة الإنسانية، كما تترك فراغاً كبيراً في روح الإنسان، فلا يشعر الإنسان حينئذ بالطمأنينة والراحة ولا يرتوي عطشه الروحي أبداً فيظل حائراً، وسرعان ما يشعر بخيبة أمل فيندم على ما فرَّط في حياته حيث لا ينفع الندم.

قال الله جلّ جلاله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف/ 103-104).

وقال عزّوجلّ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (النور/ 39).

وقال عزّ مَن قائل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل/ 97).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ (طه/ 124).

وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (هود/ 15-16).

كيف نكون سعداء؟

إنّ السعادة الحقيقية إنّما تحصل في الحياة المتوازنة الخالية عن الإفراط والتفريط، والإسلام دين الحياة المتوازنة التي تجمع بين الدُّنيا والآخرة بشكل حكيم دون نفي واحدة على حساب الأُخرى وهذا ما تؤكِّده الأحاديث الكثيرة المروية عن النبيّ المصطفى (ص) وعترته الطاهرة (ع).

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): «ليس منّا مَن‏ تركَ‏ دُنياهُ لآخرتِهِ ولا آخرتَهُ لدُنياهُ».

ورُوِي عن العَالِم (ع) أنّه قال‏: «اعملْ‏ لِدُنياكَ‏ كأنّكَ تعيشُ أبداً واعملْ لآخرتكَ كأنّكَ تموتُ غداً». فلا رهبانية في الإسلام، ولا إفراط ولا تفريط في أي من جوانب الحياة. ►

ارسال التعليق

Top