• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مصدر السعادة هو أفعال البرّ والعطاء

عمار كاظم

مصدر السعادة هو أفعال البرّ والعطاء

العطاء دون مقابل، سواء من خلال ابتسامةٍ أو مساعدةٍ بسيطةٍ، أو مدّ يد العون إلى من يحتاج مساعدة طيِّبة، هو أقرب إلى نفس الإنسان. حيث إنّ فعل الخير يغمر نفس الفاعل بالسعادة والرِّضا، بالقدر نفسه الذي يسرّ متلقّي الفعل.. طيِّبة الإنسان في التعامل مع الآخرين يمكن أن تكون سبباً لسلامته النفسية والبدنية، بل يمكن أن تطيل عمره. وفي دراسةً علمية، جاء فيها أنّ فعل الخير يبدأ لدى بعض الناس منذ طفولتهم المبكرة، إذ يمكن لرضيعٍ يتعلَّم المشي وهو ما يزال في شهره الرابع عشر من العمر، أن يساعد شخصاً بالغاً يحاول فتح بابٍ ما ويده مشغولة. وهذا يعني أنّ أفعال الخير في الغالب أقرب إلى فطرة النفس البشرية، لذا تخلق هذه الأفعال في أنفُسنا شعوراً بالرِّضا. إنّ فعل الخير مفيد لنا كما هو مفيد لمن يقع عليهم، وهو عادة يمكن تطويرها في أيِّ مكانٍ وزمانٍ. ويبرز فعل الخير أصالة الإنسان وفطرته المجبولة على الخير، حيث تتدفَّق المشاعر الطيِّبة، وتتحرّك أفعال البرّ والعطاء، لتمنح السلام والرحمة والبركة للحياة والناس جميعاً.

عن الإمام عليّ (عليه السلام) قال: «ما خير بخيرٍ بعده النّار، وما شرٌّ بشرٍّ بعده الجنّة»، فلو أقبلت عليك الدُّنيا، ولكنّها كانت في معصية الله، وكانت النّار في آخرها، فما قيمة ذلك الخير؟ لقد استمتعت وتلذَّذت وعشت شهواتك كلَّها، ولكن في نهاية المطاف (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) (الحاقة/ 30ـ 32). وعندما تعيش البلاء والمشاكل والآلام، وفي نهاية المطاف، في ما تستعدّ للقاء الله سبحانه وتعالى، تسمع الهمسة الحبيبة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر/ 27ـ 30).

ويقول (عليه السلام) بعد ذلك: «وكلّ نعيمٍ دون الجنّة فهو محقور»، لأنّ الجنّة هي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، «وكلّ بلاء دون النار عافية»، لأنّك عندما تأمن على نفسك دخول النار، فلا قيمة للبلاء مهما عظم، فهو إزاء المصير الهانئ السعيد والعاقبة الحسنة عافية، طالما أنّ نهايته الجنّة. وهنا نستحضر (الحرّ بن يزيد الرياحي)، عندما جاءه المهاجر ورآه يرتعد، فقال له: «أترتعد؟ والله لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، قال: إني أخيِّر نفسي بين الجنّة والنّار ـ فلو بقيت مع ابن سعد، فسوف أحصل على الدُّنيا كلّها، ولكنّ مصيري في الآخرة إلى النّار، أمّا عندما أذهب إلى الحسين (عليه السلام)، فسوف أخسر الدُّنيا كلّها وفي آخرها الجنّة ـ فوالله ما أختار على الجنّة شيئاً ولو قطِّعت إرباً». وقد جسَّد وعيه لمسألة الخير والشرّ في النهاية، من خلال ما ينتهي إليه من حسم خياره بين البقاء في جيش يزيد أو الانتقال إلى معسكر الإمام الحسين (عليه السلام).

ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): «ما خيرٌ بخيرٍ لا ينال إلّا بشرّ، ويُسر لا ينال إلّا بعُسر»، فإنّ الخير الذي يكون في طريق المعصية، أو اليُسر الذي يكون في طريق الشدّة، فلا ذاك خير ولا هذا يُسر. فإذا أردتم أن تعرفوا الخير، فاقرأوا كتاب الله الذي حدَّد لكم الخير في كلِّ ما أمركم به، وحدَّد لكم الشرَّ في كلّ ما نهاكم عنه، ودعاكم إلى الخير من خلال نتائجه الإيجابية، ونهاكم عن الشرّ من خلال نتائجه السلبية (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة/ 7ـ 8). وهكذا نعرف النتيجة، وهي أنّ قصّة الخير والشرّ لا تُقاس بالبدايات ولا بالانفعالات، ولا بانسجامها مع المزاج أو عدم انسجامها معه، ولكنّها تقاس بالدراسة العميقة الدقيقة التي تتفهَّم فيها عناصر الأشياء، من خلال ما فيها من مصلحة أو مفسدة، ومن خلال نهاياتها السعيدة أو الشقية.

ارسال التعليق

Top