• ٣٠ تشرين أول/أكتوبر ٢٠٢٤ | ٢٦ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الرغبة الصادقة في مساعدة الناس

الرغبة الصادقة في مساعدة الناس

عن الإمام الصادق (ع): في تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ)، أي نفاعاً.

إن الشخص الذي يحقق ذاته يتميز بالمشاعر العميقة للتوحد والتعاطف الوجداني والانفعال أو التأثير بالنسبة للناس، ولديه رغبة وميل إلى معاملة كل الناس كما يعامل أفراد أسرته، وذلك بالتقدير والاعتبار الإيجابي ويكون غير مشروط وبدون تمييز.

كما نرى الشخصية القوية المتمتعة بالثقة التي تحاول ترميم ذاتها تكون جاهزة من بناء الداخل، وتحاول أن تقوي السمات الضعيفة لتكون في حالة من القوة؛ فعندما يكتمل الداخل وجدانياً ونفسياً وعاطفياً وفكرياً وروحياً فقد بنى ذاته بصورة صحيحة، وأصبح توجهه صحيحاً وشعر بالرضا، فينعكس ذلك كله على الخارج، إذ إن «كلّ إناء بالذي فيه ينضح»، فما بداخل يخرج دائماً إلى الخارج كسلوك وتعامل إنساني راقٍ وبشكل إيجابي مع الآخرين.

أما إذا كان لديك شعور بالنقص فإنك ستحاول كسر أي شخص أمامك بالسخرية أو بالاستهزاء أو بتتبع عثراته وعيوبه، فالأشخاص الذين لديهم نقص بالداخل يحاولون دائماً أن يجبروا هذا النقص بكسر الآخرين، وإسقاط ما بهم على الآخرين، إذ نرى بعض الشخصيات تركز على نواقص الأشخاص المحيطين بها عبر كلمات جارحة ومؤذية للنفس بحجة المزاح، وهي محاولة التنفيس عما بالداخل.

 

فكيف إذا نتعامل مع الشخص الإسقاطي؟

- لابدّ من فهم ذلك الشخص.

- لا نعيش ذلك الألم الذي يسبّبه لنا فيحدث الخلل في نفوسنا، بل نعيش في حالة من الرضا الذّاتي.

- لا نجعله يتمكن منّا ويؤذي مشاعرنا والسلم الداخلي عبر ما يحاول إيصاله من مشاعر سلبيّة.

- نتقبّل ذلك الشّخص الإسقاطي ما دمنا مجبرين على التعايش معه، كالأقرباء والزملاء.

الأشخاص الذين اكتسبوا مجموعة من المهارات نجدهم متفاعلين مع الآخرين وعاملين مؤثرين، ويبننون علاقات حميمية، ولديهم القدرة على الاستقطاب، فكلّ ما بهم يتّسم برقّي أخلاقياتهم وانتقائهم لكلماتهم وفكرهم، وليسوا بحاجة إلى أن يتعلموا من الآخرين دروساً ومهارات حتى في حالة الصمت، وخير شاهد لنا في ذلك أهل البيت (ع)، إذ لم يكونوا يخطبون طوال اليوم، وإنما تتجسّد اخلاقياتهم من خلال تعاملاتهم.

ينقل في التاريخ أن رجلاً شامياً رأى الإمام الحسن (ع) راكباً، فجعل يلعنه، والإمام الحسن (ع) لا يرد عليه، فلما فرغ أقبل الإمام الحسن (ع) فسلم عليه وضحك، فقال: «أيها الشيخ، أظنك غريباً ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك». فلما سمع الرجل كلامه بكى، وقال:«أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته».

يتجلى لنا- هنا- أثر الكلمة الطيبة على النفوس، وكما قال رسول الله (ص): «إن البيان لسحراً»، هذا السحر المباح سحر الكلمات الطيبة، هو الذي يؤدي إلى ألفة القلوب وأسرها، وهوما أشار ودعا إليه الرسول الأكرم (ص).

وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم/ 24).                              

فالكلمة الطيبة والرقي في التعامل، يوصلان الإنسان إلى درجة من الاحترام من قبل الأفراد المحيطين، وذلك لا يكون إلّا بيقظة الوجدان وبالاستقرار والسلم الداخلي المنعكس من خلال البعد الروحي الإيماني والمتجذر في وجدان الإنسان.

 

المصدر: كتاب تعلم فنون التواصل وإدارة الضغوط

ارسال التعليق

Top