• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصداقة عند المراهقين

الصداقة عند المراهقين
◄في حديقة صينية أثرية وُجد بين الزهور حجر كبير نُقش عليه النص الآتي: "سعيد سعيد ذلك الذي وُهب نعمة الصداقة، لقد أوتي ملكةً تساعده على أن يرى في الناس كل جميل وطيب ومحبوب".
الحق أنّ الصداقة هي الضوء الذي ينير طرق الحياة وظلماتها، وتذلل للإنسان الكثير من الصعوبات، إنها مصدر كبير من مصادر الدفء والحنان، والرذيلة في بعض الأحيان، في الصداقة نلتقي وجهاً لوجه مع الإنسان، والأصدقاء يتيحون لنا فرصاً لنشهد أنفسنا في مرآتهم وعلى صفحات وجوههم.
أخي الشاب: إنّ الفضيلة شيء لا يُرى، ولا يُلمس، لكن الصديق الفاضل يشخص الفضيلة ويصورها لنا تصويراً واضحاً ينصبها أمامنا. وكذلك يصنع الصديق المحبوب حين يصور لنا المحبة، وهكذا نلتقي مع القيم ونشهدها حينما نصادق الطيبين القيمين، إنّهم يجعلوننا نرى القيم ونقدرها ويساعدوننا كي نحبها ونتعلم طرق الحصول عليها.

- صداقة المراهقين:
لا يختار الطفل في الغالب أصدقاءه بنفسه بل يختارهم أهله وذووه، أما المراهق فإنّه يسعى كي ينتقي أصدقاءه وحده ودون تدخل أحد. فيختار من بين تلاميذ صفه أقربهم إلى مكانه في الصف أو أقربهم إلى بيته وإلى قلبه، ومن يماثله في الشكل أو الطباع أو من يكمله ويحقق رغبائه.
لكن المراهق بسبب قلة خبرته، فإنّه قد يخطئ وكثيراً ما يخطئ في الانتقاء، ولهذا فهو في حاجة إلى توجيه الكبار لا إلى تدخُلهم!..
وأياً كان الأمر فإن على الوالدين أن يسهرا ويلاحظا مَن يكون صديقاً لولدهما، ولأنّ الصاحب صاحب، ولو أنهما ظنا أنّ المراهق قد كبر إلا أن خبرته بالبشر ما تزال فجة غير ناضجة، ولهذا يظل في حاجة إلى توجيه الكبار ومعروف أنّ الصفات المقيتة يتم معظمها من أصدقاء السوء، إنّ أصدقاء السوء يهونون على المرء الدخول إلى عالم المساوئ والرذيلة، فالمراهق قلما بل نادراً ما يعرف الخمرة بنفسه والتدخين والمخدرات، ولكنّ تعرُّفه ومصادقته من يتعاطى الخمرة والتدخين والمخدرات يتيح له أن يشهد هذه الموبقات بعينيه ويراها أمامه وفي متناول يديه، ويلعب قانون الوقاية دوره التام الكامل هنا، لأن منع الوصول إلى الرذيلة عن ولدنا أيسر بكثير وأضمن لطردها ومعالجة أمرها بعد أن تصل إليه، وفي كثير من الأحيان تتعذر المعالجة أو تستحيل.
إن أشق ما يكون في حياة الأب وأشد ما يبئسه ويصيبه في شرفه وشعوره أن يُقال له: "تعال وشاهد ولدك في النظارة أو وراء قضبان السجون" بسبب المخدرات أو غيرها.
ومن أجل تحقيق قانون الوقاية فإن على الأبوين حين يكتشفان سوء أحد أصدقاء ولدهم، أن يكونا حكيمين في إبعاد ذلك الصديق، والأفضل عدم التدخل المباشر، لئلا يتمسك به الفتى أو يتصل به في غيابهما.
ولكن الحوار اليومي والنقاش الهادئ والتوعية ومشاركة الفتى في تحديد مواطن الخير والشر في الناس، كل هذا يُعد أفضل طريق لإبعاد الأصدقاء غير المرغوبين.
وإذا أردنا أن يكون لأولادنا أصدقاء طيبون، فإن علينا توطيد صلاتنا بالأسر الرصينة الماجدة ليحسن أبناؤها التعرف على أبنائها ويكتسبوا فضائلهم.
صديقي الشاب: لا تقتصر الصداقة الحقة على ما بين البشر، فهذه ناحية مؤكدة، لكن الصداقة أوسع وأبلغ من صداقة الإنسان للإنسان، إنّ الصديق الحق هو من يستأنس بالحياة، ويحترم الوجود، ويشعر أنّ العالم من حول البشر ليس غريباً عنهم ولا هو معاد لهم، إنّ الصداقة في عُرف (العرب المسلمين) هي الصداقة مع الشمس والقمر والصباح والمساء والزهور والطيور...
أيها الأبوان: أولادكما هم أغلى الناس، هكذا تقولون، ولكن هذا القول لا يكفي بل ينبغي أن يُدعم القول بالعمل، ألا تريان أن معظم الماس يخبئون الكلام المهذب والأسلوب الظريف ليقدموه للغرباء، ولا يكادون يقدمون شيئاً منه لأولادهم وزوجاتهم، مع أنّ هؤلاء أولى من غيرهم بالكلمة اللطيفة والتعامل اللبق.►

المصدر: كتاب (الصحة النفسية للمراهقين والشباب)

ارسال التعليق

Top