• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصداقة في مراحل عمرية مختلفة

الصداقة في مراحل عمرية مختلفة

◄البشر كائنات اجتماعية. ولأنّه من المستحيل أن تبقى هذه الكائنات معزولة، هي تعتمد على بعضها بعضاً وترغب في أن تكون العلاقات في ما بينها جيدة دائماً. ولهذا تعتبر الصداقة واحدة من أهم العلاقات الإنسانية.

لا شكّ في أن أفضل ما يمكن أن يملكه الإنسان، هو صديق وفيّ يمكن الاعتماد عليه في كلّ الأوقات. فالحياة من دون صديق رتيبة ومملة. يستطيع الصديق أن يضيء حياتنا وأن يخرج أفضل ما فينا.

ولا تقل أهمية الصديق بالنسبة إلى الطفل الصغير عنها بالنسبة إلى الشخص البالغ. فالصداقات والعلاقات توفر الجزء الأكبر من إحساس الطفل بذاته، وبمكانته في محيطه. ومن خلال الأصدقاء واللعب معهم يحصل الطفل على المتعة، وفي الوقت ذاته يتعلم كيف يناقش الأمور الخاصة والعامة معهم، وكيف يشاركهم الأفكار ويتبادل معهم الآراء. كما يتعلم أن لكل شخص طريقة مختلفة في التفكير وفي تسيير الأمور، وأن أي شخص لا يستطيع فعل ما يريد كلّ الوقت، بل عليه أن يشارك الآخرين ويتبادل معهم الأدوار.

 

مراحل:

في المرحلة العمرية الرئيسية الأولى، أقل من سبع سنوات، تقتصر صداقات الطفل على أبناء الجيران بحكم سكنهم في مكان قريب من منزله. فيختار من بينهم طفلاً أو طفلين ليلعب معهم، ويعتمد في اختياره على الطفل الذي يشعره بالراحة ولا يثير غضبه أثناء اللعب. في العادة، يشعر الطفل الصغير بالرضا نسبياً أثناء اللعب مع رفيق إذا تم التوافق بينهما على أنشطة ممتعة للطرفين. ففي هذه المرحلة المبكرة لا تقوم الصداقة بين الأطفال بناء على فهم كلّ طرف للطرف الآخر، أو على قدرته على تلبية احتياجاته العاطفية.

عندما ينتقل الطفل إلى المرحلة العمرية الرئيسية الثانية، من سبع سنوات إلى اثنتي عشرة سنة (أكثر بسنة أو أقل، يتوقف الأمر على درجة تطور الطفل ووعيه) تزداد أهمية الصداقة، ويمكن أن تتطلب عملية انتقاء الأصدقاء براعة وحذراً أكثر من جانب الطفل. ففي هذه المرحلة العمرية، يبدأ الطفل في ملاحظة الفوارق بين الأطفال، من منهم يعتبر هادئاً ولديه القدرة على ضبط النفس، ومن منهم غير هادئ ولا قادر، ومن منهم يتطور بشكل أسرع. وفي هذا العمر أيضاً، يمكن أن يبدأ الطفل في ممارسة البلطجة أو التنمّر ضد الآخرين. ولكن ليست البلطجة وحدها هي التي تؤذي الطفل في الصميم، إذ إن من الممكن أن تجعل التعليقات الطائشة أو الاستبعاد غير المقصود، الطفل يشعر بالضيق والقلق والأذية أيضاً.

يمتاز بعض الأطفال بثقة ونشاط أكثر من غيرهم. يستطيع الطفل من هؤلاء، إذا حصل خلاف أو نزاع مع صديق، مغادرة المكان دونما اكتراث. بينما يجد آخرون الأمر صعباً. إذ يحتمل أن يبكي الطفل أو يغضب جدّاً، أو يحاول إجبار الطرف الآخر على فعل ما يريد في حالات النزاع. وهناك أطفال يجدون صعوبة في إقامة الصداقات أو الحفاظ عليها. قد يعود السبب إلى طبيعتهم الخجولة أو المتحفظة، أو إلى افتقارهم إلى الثقة. أو يحتمل أن تكون درجة احترامهم لأنفسهم ويعتقدون أنهم ليسوا أهلاً للصداقات.

في سن المراهقة: يزداد تركيز الأهل على الأصدقاء وعلى حياة المراهق الاجتماعية. في هذا العمر، ما بعد الحادية عشرة، يمكن أن يساعد الأصدقاء بعضهم بعضاً عندما يكون أي منهم مرتبكاً أو مصطرباً في مرحلة البلوغ المروعة. هنا، يصبح للأصدقاء والرفاق أهمية خاصة من حيث إنهم يساعدون الطفل المراهق على تحديد هويته الشخصية وعلى زرع الثقة بالنفس.

بدءاً من سن الثانية عشرة تقريباً، يطرأ تغيير على الصداقات من ناحية الهدف والتركيز والأداء. فعلى عكس الطفل الصغير الذي يكتفي بالاستمتاع مع رفاقه، يبدأ المراهق في طلب المزيد من الثقة والألفة من الأصدقاء. من الناحية الاجتماعية، يترافق تطوره الاجتماعي مع النضج المعرفي، والبدني، والشخصي، حيث يظهر المراهق رغبة في تبادل الآراء مع أنداده حول تغييرات سن البلوغ الصعبة نفسها والتي يمرون بها جميعاً، بطرق صحية وإيجابية. كما يبدأ في البحث عن الأمن والأمان اللذين كان يجدهما في السابق عند الوالدين، عند فريق الأنداد. إذا تعرضت الصداقات لأي هزة، يحتمل أن يؤثر ذلك في جوانب عدة من حياة المراهق. وهذا ما يجعله يعيش الشعور بالقلق والعزلة والغضب. أو يمكن أن يؤثر ذلك في شعوره بذاته، وعلاقته بأهله، ودراسته وفي أمور أخرى مثل الأكل والنوم. كما يمكن أن يؤدي أحياناً إلى مشاكل أكثر خطورة من مثل الاكتئاب وأذية النفس.

 

نصائح للمساعدة:

تشكل الصداقة جزءاً مهمّاً من حياة الطفل، ولكن ما الذي تستطيع الأُم فعله عندما تصبح علاقته مع الأصدقاء مضطربة؟

خلال سنوات المراهقة، تزداد الصداقات تعقيداً وتقلباً، لاسيما بالمقارنة مع الصداقات خلال سنوات الدراسة الابتدائية. ففي حين يستمتع الطفل في عمر خمس سنوات إلى اثنتي عشرة سنة بالصداقات المريحة والمناسبة، يدخل الطفل في سنوات الدراسة الثانوية نوعاً جديداً من العلاقات. ومع ازدياد نشاط المراهق الاجتماعي، تزداد نزاعاته ومشاكله مع الأصدقاء. وسواء أكانت أسباب المنازعات الاختلاف حول صديق آخر، أو حول نشاط اجتماعي، يمكن أن تتفاقم بسرعة وتؤثر في العلاقات بين الأصدقاء ما لم تتم معالجتها بالطرق المناسبة. من واجب الأُم أن تعلم طفلها المراهق كيفية معالجة مشاكل الصداقة قبل أن تؤثر في علاقاته مع الأصدقاء. هذه بعض النصائح التي يمكن أن تستعين بها الأُم لمساعدة طفلها المراهق في هذا المجال.

-         تجنب النقاش: على الأُم أن تشجع طفلها على التوقف عن الجدل مع الأصدقاء حالما يكتشف أنّه يخالفهم الرأي. عليها أن تبين له أن محاولة حل المشكل وهو لا يزال يشعر بالغضب لا يجدي نفعاً. كما يجب عليها أن تعلمه بعض الوسائل التي تساعد على التهدئة. تشمل خيارات التهدئة الممكنة العد إلى العشرة، أو أخذ نفس عميق، أو الابتعاد عن المكان، أو ضرب شيء طري بقبضة يده.

-         تقييم الوضع: على الأُم تذكير طفلها دائماً بضرورة وأهمية تقييم الوضع. عليها أن تعلمه أن يعيد النظر في الذي حصل، ومن تسبب في المشكلة، ومن شارك فيها ودوره في الموضوع، بعد خروجه من المواجهة المباشرة.

-         مفاتحة الصديق في الموضوع: على الأُم أن تنصح طفلها بمفاتحة الصديق الذي اختلف معه في موضوع الخلاف بصورة شخصية. عليهما أن يتحدثا معاً على انفراد وألا يسمحا لأحد بأن يتدخل في الحديث سوى الأطراف المعنية.

-         التعبير عن المشاعر: على الأُم تشجيع طفلها المراهق على اطلاع صديقه على شعوره مستخدماً الضمير "أنا" بدلاً من "أنت". مثلاً القول "أشعر بأنك لم تعد ترغب في صحبتي لأننا لم نعد نخرج معاً كما في السابق"، أفضل من القول، "أنت الذي جعلتني أشعر بأنك لم تعد ترغب في صحبتي لأنك أصبحت تخرج دائماً مع أحمد".

-         التفكير في الحل: على الأُم تعليم طفلها أن يحتفظ دائماً ببعض الحلول في ذهنه عند البحث في موضوع النزاع مع صديق. ثمّ يطرح الحل المناسب عليه بعد الاستمتاع لوجهة نظره.

-         طلب المشورة: على الأُمّ تذكير طفلها المراهق بأن عليه أخذ رأي الآخرين المعنيين بالأمر والاستماع إلى وجهة نظرهم. وعليها لفت نظره إلى أهمية الإصغاء بانتباه شديد عندما يتحدث إليه صديقه عن معاناته أو عن مسألة تخصه، وأن يحرص على أن يقع نظره على نظر صديقه، وعلى ألا يغضب أو يقاطع الصديق أثناء الحديث.

-         التأكد من المشاعر: على الأُم أن تطلب من طفلها أن يكون متأكداً دائماً من مشاعره ومشاعر الأشخاص الآخرين المعنيين بالأمر أيضاً. عليها أن تشرح له أنّه حتى لو لم يتوافق في الرأي مع الأصدقاء، عليهم أن يحترموا وجهات نظر ومشاعر كل الأطراف.

-         العمل معاً للتوصل إلى حل مشترك: على الأُم تشجيع طفلها المراهق على العمل والتعاون مع أصدقائه للتوصل إلى حل للمشكل في حال حصل نزاع بينهما. عليها أن توضح له أن على الجميع التركيز على النقاط التي يتفقون عليها، وأن يكونوا يقظين ومستعدين دائماً عند محاولة الوصول إلى حل مناسب يرضي جميع الأصدقاء. يجب أن تذكر طفلها المراهق بأن عليه أن يعتذر أحياناً وأن يسامح أحياناً أخرى، إذا كان يريد أن يحافظ على علاقته الجيدة مع الأصدقاء.

-         طلب المساعدة: على الأُم أن تقترح على طفلها طلب المساعدة من شخص بالغ، الأستاذ أو صديق محل ثقة من جميع الأطراف المعنية، في حال لم يتمكن من حل المشكل بنفسه. يجب عليها أن تجعل طفلها يدرك أن عليه التوقف عن النقاش في حال لم يستطع التوصل إلى حل معقول للمشكل حتى لا ينتهي الأمر بالجميع إلى الشعور بالغضب وتزداد الأمور تعقيداً.

-         إصغاء الأُم إلى المراهق: يحتاج الطفل الذي يمر بتجربة سيئة مع صديق، إلى شخص يصغي إليه أكثر من حاجته إلى شخص "يطبطب" عليه. لسوء الحظ، قد يعمد الطفل في سن المراهقة إلى دفع الأُم بعيداً عنه بدلاً من وضع ثقته بها. لذا، على الأُم تسهيل الأمر على طفلها وتخصيص الوقت الكافي للإصغاء إلى مشاكله باهتمام. إذا رفض الطفل الكلام، عليها أن تشجعه على التواصل معها بداية عبر الرسائل النصية وفي ما بعد، عبر الكلام مباشرة. مثلاً، أن تنتهز فرصة وجودهما وحدهما معاً وتحدثه عن تجاربها الخاصة مع صديقاتها، وعن الطريقة التي كانت تعتمدها في حل إذا رغب في ذلك. مثلاً، أن ترتب لقاءات مع الأصدقاء، أو تدعوهم إلى المنزل.

-         دعوة الأصدقاء إلى المنزل: على الأُم السماح لطفلها المراهق بدعوة أصدقائه إلى المنزل. فالدعوة توفر للأُم الفرصة للتعرف إلى أصدقاء طفلها، وتوفر للطفل جواً مريحاً لتعميق علاقاته بهم، إضافة إلى أنها تمكّن الأُم من مراقبة تصرفات الأصدقاء دون أن تتدخل في ما يفعلون، أو تملي عليهم رأيها في أمر ما.

-         انعدام الأمن والإقصاء: على الأُم أن تشرح لطفلها أنّ الخلافات تنشأ بين معظم الأصدقاء وينتهي الأمر عادة بشعور طرف بأنّه مهمل ومبعد وغير آمن، وأنّه من الصعب تحمل هذا الشعور. يجب أن تؤكد عليه، في حال واجه مثل هذا الشعور، أن يتحدث بشأنه مع الأصدقاء الذين يشعر بأنهم هم الذين أبعدوه. لأنّه في معظم الحالات، لا يعلم الآخرون ما الذي يدور في رأسه، وقد لا يعرفون أنهم تجاهلوه.

-         احترام الصديق: على الأُمّ أن تؤكد لطفلها أن احترام الصديق ومراعاة مشاعره من الأمور الحتمية. وأنّه من غير المفترض أن يتناول صديقه بكلام سيئ أمام الآخرين، إذا حصل خلاف بينهما، لأن مثل هذا التصرف يضر أكثر مما ينفع. عليها أن تشرح له إن كان لديه أي مأخذ على صديقه، أو كان يشعر بالاستياء منه، عليه أن يوجه الكلام مباشرة إليه بدلاً من أن يوجهه عبر شخص آخر. لأنّه، إضافة إلى أن انتقاد الصديق أمام آخرين تصرف مرفوض ومعيب، فإنّ التحدث عن عيوبه للآخرين أمر لا ينم عن احترام أبداً. ►

ارسال التعليق

Top