◄الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع وعلى صلاحها وقوتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوته وتماسكه فالمرأة والرجل هما عماد الأسرة، إذا صلح كلّ منهما استطاعا أن يكوّنا بيتاً نموذجياً على القواعد التي يوضعها الإسلام، وقد وضع الإسلام قواعد البيت فأحكم وضعها، فأرشد إلى الزوجين إلى حسن الاختيار، فقال رسول الله (ص): "تنكح المرأة لأربع لدينها ومالها ولحسبها ولجمالها، فأظفر بذات الدِّين تربت يداك".
ويبيّن أفضل الطرائق للارتباط قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم/ 21).
وحدد الحقوق والواجبات على كلّ من الطرفين وما يتميز به كلّ واحد منهما، فقال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 228).
وأوجب على الطرفين رعاية ثمرات الزواج (الأطفال) حتى تينع وتنضج في غير عبث ولا إهمال فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6)، وقال الله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 232).
وعالج ما يعترض هذه الحياة الزوجية من مشكلات أدق علاج واختط في كلّ نظراته طريقاً وسطاً، لا إفراط فيه ولا تفريط، فقال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء/ 128)، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء/ 34-35).
والإسلام يعتبر نظام الأسرة هو النظام الطبيعي الفطري المنبثق من أصل التكوين الإنساني بل من أصل الأشياء كلّها في الكون الذي يقوم على قاعدة الزوجية.
والأسرة هي المحض الطبيعي الذي يتولى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وفي ظلله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكامل وتطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة وتنضج للحياة وتتعامل مع الحياة.
والأسرة منذ القديم كانت تقوم بوظائف اجتماعية كثيرة ثمّ بدأت هذه الوظائف تتطور سعةً وشمولاً وتضييقاً وتحديداً حيث أصبحت كثير من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والثقافية تنازع الأسرة هذه الوظائف الاجتماعية والتربوية إلّا أنّها لا زالت وستبقى عاملاً من أهم عوامل التربية على الإطلاق وترجع على بقية العوامل الأخرى مجتمعة.
والأسرة تؤثر في العملية التربوية من ناحيتين اثنيتين هما كالتالي:
الأولى: آثار الأسرة في عوامل التربية الأخرى.
الثانية: آثار الأسرة التربوية الخاصة بها.
أما من الناحية الأولى فإنّ للمنزل آثار بليغة في مختلف عوامل التربية الأخرى المقصودة وغير المقصودة.
1- فعلى المنزل يتوقف عمل الوراثة نفسها فبمقدار دقة كلا الزوجين في حسن اختيار زوجه، وحرصة على أن يكون من سلالة طاهرة ومنبت وصالح، وعلى أن يكون خالياً من العيوب الوراثية الجسمية والعقلية والخلقية بمقدار هذه الدقة وهذا الحرص تتحقق في النسل الآثار التربوية الصالحة للوراثة ويعمم من آثارها السيئة، فواجب الآباء نحو أولادهم، وآثار الأسرة التربوية في حياتهم كلّ ذلك يمتد إلى مرحلة سابقة لزواج أبائهم بأُمهاتهم هذا إلى أنّه في إمكان المنزل القضاء على كثير مما ظهر لدى الأطفال من مفات وراثية سيئة أو تعليتها وتوجيهها في غير اتجاهها الضار.
وفضلاً عن هذا كلّه فإنّ معظم الصفات الوراثية ضارها ونافعها يوجد في الطفل بالقوّة لا بالفعل فإن وجد في المنزل بيئة مواتية نما وترعرع وإلّا ذوي وذيل.
2- بمقدار نشاط المنزل وحرصه على الإفادة من الوسط الجغرافي والمحيط به ومن خبرات بيئته الطبيعية وحسن توجيهه للأطفال في هذه الأمور تتحقق فيهم الآثار التربوية الصالحة.
3- أما ما ينتقل إلى الطفل عن طريق التقاليد في الصوت والحركة ولغة آبائه وأفراد أُسرته وأعمالهم وسلوكهم ومناهجهم في الحياة فإنّه بمقدار سمو المنزل في هذه الأمور بمقدار ما يؤثر ذلك في سلوك الأطفال ونموهم.
4- معظم فترة الألعاب يقضيها الطفل في المنزل ومعظم ألعابه يؤديها تحت إشراف أفراد أسرته وتوجيههم ويقتبس كثيراً من عناصرها من أعمالهم فكلما كانت بيئة المنزل مساعدة على النشاط اللعبي وكانت الأسرة رشيدة في توجيه أطفالها وإشرافها عليهم في ألعابهم وكانت أعمالهم نماذج رفيعة لما بأتوته من حركاته، كلما أتى اللعب كلّه وحقق فوائده في التربية وساعد على إعداد النشيء للحياة إعداداً صحيحاً.
5- عن طريق المنزل تتحقق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الناشئة فعن طريقه تنتقل إليهم عادات أُمّتهم ونظامها وعرضها الخلقي وعقائدها وآدابها وفضائلها وتأريخها وكثيراً مما أحرزته من تراث في مختلف الشؤون فإن وفق المنزل في أداء هذه الرسالة الجليلة وكان موصلاً جيداً لجميع هذه الأمور حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في التربية وإلّا أفسد عليها المنزل عملها، فلم يفد منها الطفل إلّا آثاراً تافهة أو لم يصب منها إلّا الثروة والأخراز.
6- على مقدار المعونة التي يقدمها المنزل للمدرسة وتضافره معها في تحقيق أغراضها وعمله وعلى تكملة نقصها وما يبذله من جهد في تدارك ما يختلف عن أعمالها من تغيرات في شخصية الطفل وفي تربيته على هذه الأمور يتوقف سير المدرسة ومبلغ نجاحها في أداء رسالتها في تربية النشيء.
أما في الناحية الثانية: وهي آثار الأسرة التربوية الخاصة بها فإنّ للمنزل بجانب ذلك كلّه وظائف تربوية خطيرة خاصة به لا يكاد يشاركه فيها غيره ولا يغني فيها غناءه أي عامل آخر من من عوامل التربية المقصودة في المراحل الأولى للطفولة، ولا تستطيع أي مؤسسة عامة أن تسد سد المنزل في هذا الشؤون، أو أن تقوم بوظيفته ومهمته ولا يقصد من دور الحضانة أو الكفالة التي تنشئها الدولة والهيئات لإيواء الأطفال في مراحلهم الأولى. إلّا تدارك الحالات التي يحرم فيها الطفل من الأسرة أو تحول فيها ظروف قاهرة بين الأسرة وقيامها بهذه الوظيفة، ولا يتاح لهذه المؤسسات مهما حرصت على تجويد أعمالها أن تحقق ما يحققه المنزل في هذه الأمور.
والطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة إذ تمتد طفولته أكثر من أي طفل آخر للأحياء الأخرى. ذلك أنّ مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب من كلّ حي باقي حياته، ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة ودورة في الأرض هو أضخم دور، امتدت طفولته فترة أطول ليحسن إعداده وتدريبه للمستقبل، ومن ثمّ كانت حاجته لملازمة أبوية أشد من حاجة أي طفل لحيوان آخر، وكانت الأسرة مستقرة هادئة التزم للنظام الإنساني وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة.
على المنزل يقع قسط كبير من أدب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة بل في المراحل التالية لها كذلك ففي المنزل تشيد أسس الأخلاق فإن كلّ أساس متيناً كان البناء قوياً متيناً وإن كان من رمل أنهار البناء.
يفضل الحياة في الأسرة أن يتكون لدى الفرد الروح العائلي والعواطف الأسرية المختلفة وتنشأ الاتجاهات الأولى للحياة الاجتماعية المنظمة. فالأسرة هي التي تجعل من الطفل كائناً مديناً وهي التي تزوده بالعواطف والاتجاهات اللازمة للحياة في المجتمع والبيت.►
المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغمقالات ذات صلة
ارسال التعليق