• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مشكلات مرحلة المراهقة الانفعالية

مشكلات مرحلة المراهقة الانفعالية

◄المراهقة تشير إلى تلك الفترة التي تبدأ من البلوغ الجنسي حتى الوصول إلى النضج، فالمراهقة إذن تشير إلى فترة طويلة من الزمن وليس لمجرد حالة عارضة زائلة في حياة الإنسان. فالمراهقة عبارة عن مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة، وهي تمثل مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومجموعة مختلفة من مظاهر النمو التي لا تصل كلّها إلى حالة النضج في وقت واحد.

وهي مرحلة خطيرة.. بل هي الأخطر في حياة الإنسان.

وهي المرحلة الأصعب التي تواجه الآباء والمربين، واجتياز الشباب لهذه المرحلة بسلام يؤذن بأنّه سوف يمضي في حياته صحيح النفس سوي الشخصية. وقد لا يخرج الشاب من هذه المرحلة سليماً معافى، مما سيترتب على ذلك أوخم العواقب على التكوين النفسي والسلوك الاجتماعي للشباب.

في هذه المرحلة، لا يكاد الفتى يعرف نفسه، فهو طفل في تصرفاته، ورجل في مشاعره وأحلامه، كما أنّ التعامل معه في غاية الصعوبة، إذا عاملته كطفل غضب وأبى، وإذا عاملته كرجل قسوت عليه وحمّلته ما لا يطيق.

بعض الدارسين يحدد مرحلة دقيقة للمراهقة، والأمر متعذر على الأغلب، فالمراحل متداخلة، والتغير لا يحدث فجائياً إنّما بالتدريج، ويختلف الأمر من فتى إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، ومع ذلك فلهذه المرحلة ميزات نفسية واضحة، أهمها: عدم الاستقرار، والقلق، والرغبة بالاستقلالية.

 

من الخيال إلى الواقع:

مرت على الفتى فترة في بداية طفولته كان فيها خيالياً جدّاً، فهو من فرط حيويته وسعة خياله يضفي الحياة على كلّ شيء حوله.

فعصاه حصان يسرع إذا ضربه، ويصهل إذا انطلق معه.

ولعبتها.. زميلة لها.. تحدثها فتسمع.. وتحاورها فتأنس للحوار..

في مرحلة المراهقة يحدث انقلاب في نفسية الطفل.. يضعف عنده الخيال، وتبرز الحقيقة، ويصبح الفتى واقعياً يريد أن يعرف كلّ شيء على حقيقته.

أصبح يعرف أنّ العصا ليست حصاناً.. ويريد أن يتعرف على حقيقتها، وعلى حقيقة الحصان كذلك.. في هذه المرحلة يحرص الفتى على جمع أكبر قدر من المعلومات. يقرأ ويستمع ويتعرف ويحب أن يباهي الآخرين بمعلوماته ومعرفته.

 

انقلاب عاطفي:

وتنتهي هذه الفترة، ويحدث عنده انقلاب من نوع آخر، إنّه انقلاب عاطفي هذه المرة، والخيال ينبعث على أشده مرة أخرى، ولكنّه خيال من نوع جديد، إنّه خيال وجداني مرتبط بالانقلاب العاطفي الجديد، هائم في أحلام وعوالم مضيئة من صنع الخيال.

هذه المرحلة التي يبدأ فيها الجسم بالتغير، فيخشوشن صوت الفتى، ويرق صوت الفتاة، هي ما نطلق عليه مرحلة المراهقة.

في هذه المرحلة:

- يبدأ الفتى يعلن أنّه لم يعد طفلاً، وتزداد ثقته بنفسه، ويهتم كثيراً بمظهره، ويحاول الابتعاد عن سلطة أبويه، وكم من المفيد تربوياً قبول ذلك منه، بل لابدّ من تحويل العلاقة بين الأُسرة والمراهق إلى علاقة صداقة، وتكون الصداقة ألصق بين الأب وولده، وبين الأُم وابنتها. ويشجع المراهق في هذه المرحلة على أن يحكي مشكلاته وهمومه ومخاوفه وما يحدث له – خصوصاً الأنثى – حيث ينبغي تعويدها من نهاية مرحلة الطفولة على أن تحكي للأُم باختصار ما مرّ بها أثناء النهار، سواء في المدرسة أو في الشارع، ويكون التركيز على المشكلات أو تصرفات الآخرين التي أحزنتها أو الأخطاء التي ارتكبتها هي لتتعلم كيف تتصرف في مثل هذه الظروف.

- وتنشأ زمالات وصداقات عميقة في نطاق الأولاد والبنات كلّ على حده، ثمّ يصطفي الولد زميلاً له أو أكثر كما تصطفي البنت صديقةً لها أو أكثر، تكون بينهم مودة خاصة، ولابدّ للمربي أن ينتبه إلى حساسية المراهقة من أن تفرض عليه أُسرته صداقات معينة.

ومن المهم معرفة جماعة الأقران التي ينتمي إليها الفتى ونصحه في السلوكيات الخاطئة التي تسلكها مجموعة أصدقائه، أو عناصر منها، حتى يتجنب هو مثل هذا السلوك، وإذا اتضح أنّ هذه المجموعة منحرفة أو فيها بعض أشخاص منحرفين، فلا يصح أن تأمر المراهق – فجأة – بتجنب هذه المجموعة، فإنّه لن يفعل، ولكن ينبغي تغيير الأفراد من حوله بالتدريج، وذلك بتقليل الفرص التي يلتقي فيها بالأشخاص السيئين، واستهجان سلوكهم الخاطئ، وتشجيع المراهق على مصاحبة ذوي الميول الطيبة، والاهتمامات المشتركة، وتوفير فرص للقاء بين الفتى وشخص آخر جيد يشبهه في ميوله واهتماماته، وتشجيعهما على مزيد من اللقاءات والزيارات، وإقناع الفتى بأنّ إمكاناتهما متشابهة ولو تعاونا معاً لجاء تعاونهما بنتيجة طيبة، سواء في المدرسة أو الرياضة أو الصداقة.

- في هذه المرحلة يتخلص المراهق من أنانيته وتبرز عنده الرغبة بالانتماء إلى جماعات (رياضية أو سياسية أو دينية.. إلخ).

- وفي هذه المرحلة تزداد قوة المراهق الجسمية، ويصبح أكثر ميلاً للألعاب الرياضية وألعاب القوى.

- في هذه المرحلة تتكون في نفس الفتى القيم والمثل العليا على المستوى الجماعي. ومهمة المربي هنا أن يلتقط الخيط وينتهز هذه الفرصة السانحة لتثبيت تلك القيم وتقويمها إذا انحرفت.

- يواكب التطورات الجسمية والجنسية عند المراهق تطور في النمو الذهني والذكاء والقدرة على التفكير.

- يميل الفتى في هذه المرحلة إلى النقد وتغيير الأوضاع مصحوباً باقتراحات عملية في الإصلاح، كما يميل إلى مقاومة السلطة والثورة والتمرد ضد جميع المؤسسات.

- مرحلة البلوغ: في هذه المرحلة المتصلة بالمراهقة تبرز عند الفتى والفتاة المشكلة الجنسية، فالتغيرات الجسدية التي تعلن بدء النضوج الجنسي تفرض نفسها فرضاً على الفتى المراهق والفتاة المراهقة، وتشغلهما، وتشد انتباههما إلى علاقات الجنس ومشاعره، بصورة تلقائية لا يمكن تحاشيها.

الجنس مثل كلّ الطاقات في كيان الإنسان احترمها الإسلام وحضّ عليها، ووضع لها الضوابط حتى لا تستبد بالإنسان وتستعبده.

يزعم فرويد حين وضع نظريته في الكبت الجنسي أنّ الكبت ينشأ عن استقذار الجنس، وعلى الرغم من أنّ فرويد ألصق الكبت بالدين، إلّا أنّ الإسلام لا يستقذر الجنس ولا ينكره.

قال رسول الله (ص): "حبب إليّ من دنياكم: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة".

وقال أيضاً: "وإنّ في بضع أحدكم لأجرا". قالوا: يا رسول الله، إنّ أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون له عليها أجر؟ قال: "أرأيتم إنّ وضعها في حرام، أليس عليها وزر؟ فإذا وضعها في حلال فله عليها أجر".

فالجنس طيب مأجور عليه فاعله إن أداه بحقّ الله.

وعليه وزر إن أدّاه بالحرام، شأن كلّ الطيبات الأخرى.

وعلى هذا الأساس فقد حض الإسلام الفتى والفتاة على الزواج، وحث الجميع على تسهيل الأمور وخفض المهور لإحصان الشاب والشابة.

"يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء".

 

مشكلات المراهق الانفعالية:

معظم المشكلات التي يعاني منها المراهقون سببها الأسلوب الأوربي الذي يترك الطفل وحيداً خارج عائلته يعالج مرحلة مراهقته بنفسه منضماً إلى جماعات بعيداً عن أجواء البيت والأسرة، ولقد أثبتت الدراسات أنّ بقاء الطفل فترة أطول في إطار الأُسرة، يجنبه الكثير من المشاكل النفسية والعاطفية والعقلية والجسدية.

ومن المهم جدّاً للآباء والمربين أن يتفهموا الأسباب الكامنة وراء مشكلات المراهق الانفعالية؛ فقد يؤدي الجهل بهذه الأسباب أو إهمال النظر إليها إلى عواقب وخيمة من أبرزها حدوث التصادم بين المراهق والقائمين على تربيته. أهم هذه المشكلات:

1-  العجز عن التكيف مع البيئة:

إنّ حساسية المراهق واضطرابه الانفعالي يرجع إلى عدم قدرته على التكيف مع بيئته، فهو يرى أنّ طريقة الأُسرة أو المدرسة أو المجتمع في معاملته لا تتناسب مع ما وصل إليه من النضج. فهم لا يعترفون به كفرد له ذاتية مستقلة، ويفسر المراهق في هذا الإطار كلّ مساعدة له من قبل أبويه على أنّها تدخل في أموره، ويأخذ الاعتراض على سلوك الوالدين أشكالاً منها: العناد والسلبية وعدم الاستقرار، أو الالتجاء إلى بيئة أخرى يستطيع أن يعبّر فيها عن نفسه بحرّيّة.

2-  العجز المالي:

فهو لا يستطيع مجاراة أقرانه الذين ينفقون بدون حساب. الأمر الذي يسبب له الضيق والانفعال.

3-  الدافع الجنسي:

فهو قد اكتمل من الناحية الجنسية.. وبدأ يعيش الأحلام العاطفية الوردية، ومع ذلك فهو عاجز عن الزواج أو تصريف طاقته الجنسية، ولابدّ للمربي هنا من أن يأخذ بيد المراهق ليخلصه من انفعالاته أو انحرافاته وتوجيهه نحو السبل الآمنة في هذه القضية الحيوية الخطيرة.

4-  عدم تناسب النضج العقلي مع نضجه الجسمي:

وثمة ظاهرة أخرى يتسبب عنها مضايقات المراهق، ذلك أنّ الآخرين ينتظرون منه سلوكاً ينم عن النضج، فهذا التطور والنمو الجسمي يجعلهم يتوقعون منه نضوجاً في سلوكه العقلي والاجتماعي، فإذا لم يحسن التصرف كما يريدون كان هدفاً لنقدهم، وهذا النقد يشعره بعدم الأمان وخيبة الأمل.

5-  تكليفه بما لا يطيق.

6-  شعوره بعدم الاستقلال والتحرر:

كلّ هذه الأمور تسبب للمراهق الضيق وتزيد من انفعالاته.

ومن الضروري أن ينتبه المربون لمثل هذه الأمور فيحسنوا التعامل معها لتجنيب المراهق المزيد من الانفعالات والانتكاسات.

 

أهم العوامل التي تؤثر في نفسية المراهق وتزيد من مشاكله:

1-  البيت المفكك وقد أثبتت الدراسات النفسية أنّ الشجار المتعاقب في المنزل، وخاصة إذا كان الطفل محوراً للشجار، من أهم أسباب انحراف المراهق.

2-  تفضيل الأُسرة للذكر على الأنثى، أو تفضيل ولد معين على أخيه، مما يساعد على إعاقة نمو الأبناء نمواً طبيعياً.

 

أهم العوامل التي تساعد المراهق على تجاوز المرحلة بسلام:

1-  عدم تكليفه ما لا يطيق، (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة/ 286).

2-  معاملته بالرفق والحب.

3-  غرس مبادئ العقيدة والأخلاق في نفسه.

4-  مصاحبته، يقول رسول الله (ص): "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم".

وقال عليّ بن أبي طالب (ع): "لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثمّ اترك حبله على غاربه".

5-  العدل بين الأبناء.

6-  التماسك الأُسري.

7-  رعاية اليتيم.►

المصدر: كتاب التربية ودورها في تشكيل السلوك

ارسال التعليق

Top