◄إنّ التذكر والنسيان هما عمليتان متعاكستان، بينما قياس التذكر والنسيان في الواقع هو عملية واحدة لأنّ التذكر يعبر عن الناحية الإيجابية لهذه العملية بينما يعبر النسيان عن الناحية السلبية. والتذكر ما هو إلّا "القدرة على الاحتفاظ واستعادة ما سبق دراسته بصورة كاملة وسليمة" بينما النسيان هو الفشل في استعادة ما سبق أن تعلمه الفرد.
وعمليات التعلم والتذكر والنسيان مرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً. فالتعلم مثلاً يتضمن التذكر، والتذكر يتضمن التعلم. الشخص الذي يتعلم مادة ما إنما يتذكر جزء منها أوّلاً. ثمّ جزءاً آخر حتى يتم له تذكر جميع المادة. وما لم يكن هناك تذكر لما يتعلم الإنسان لم يكن من الممكن أن يتعلم الإنسان شيئاً أبداً.
ويرجع الفرق بين التعلم والتذكر إلى الزمن الذي نقيس فيه الاحتفاظ بالمعلومات. فإذا قسنا الاحتفاظ بالمعلومات أثناء عملية التعلم. فإنّنا نسمي ذلك في العادة تعلماً. أما إذا تم قياس مدى الاحتفاظ بالمعلومات بعد فترة زمنية من حدوث التعلم فإنّنا نسمي ذلك تذكراً.
التذكر:
وللتذكر أهمية خاصة في حياتنا العملية واليومية. وذلك لأنّ مدى قدرة الفرد على التذكر يحدد إلى درجة كبيرة مقدرة كفاءة الفرد في حياته الاجتماعية والعملية. كما أنّه مقياس لمدى قدرة الفرد على التفوق والنجاح "ومن الثابت أنّ التذكر لا يمكن أن يكون تاماً، فإذا حفظنا شيئاً أي تعلمناه فإنّنا ننسى أجزاء منه ونتذكر أجزاء أخرى". والتذكر ينقسم إلى نوعين. تذكر في أوقات التعلم والدراسة. وتذكر بعد فترة من التعلم والدراسة.
التذكر في أوقات الدراسة:
يقول العلماء "إذا أردنا أن نبقي نسبة المعلومات المسترجعة ثابتة فإنّ علينا أن نجد الفترة الزمنية خلال الدراسة التي تعطي أعظم انسجام بين الفهم والتذكر. ولقد بينت الأبحاث أنّ هذه الفترة تبدأ من الدقيقة 20 حتى الدقيقة 40 من بداية الدراسة. فالعقل يحتاج إلى فترة زمنية كافية حتى ينسجم مع الموضوع ويرتب المادة، وهذه هي فترة العشرين دقيقة الأولى. أما فترة ما بعد الأربعين دقيقة الأولى فإنّ نسبة المعلومات المسترجعة تتدنى بشكل ملحوظ.
التذكر بعد فترة من الدراسة:
تشير الأبحاث إلى أنّ نسبة المعلومات المسترجعة بعد الدراسة ترتفع قليلاً ثم تبدأ بالانخفاض حتى تقارب في مستواها الصفر. وذلك خلال الفترة ما بعد التعلم. ولإحراز تقدم هائل في حفظ المعلومات المدروسة يجب وقف هذا الانخفاض والتدهور. والذي يؤدي بالتالي إلى فقد المعلومات المدروسة. وأفضل طريقة لذلك هي المراجعة. المراجعة المنتظمة ذات الفترات المتقطة، التي تساعد بشكل كبير على تثبيت المعلومات وتقوية التذكر ومقاومة النسيان.
· ما هي العوامل التي تؤثر في التذكر؟
لا شكّ أنّ التذكر يتأثر سلباً وإيجاباً بعدة عوامل شأنه في ذلك كباقي العمليات الفسيولوجية في الإنسان. بيد أنّ هناك عوامل واضحة التأثير والمعالم في التذكر ومنها:
- معنى المادة التي نتعلمها:
فلقد دلت التجارب على أنّ الإنسان يتذكر المواد ذات المعنى أكثر مما يتذكر المواد عديمة المعنى. وهذا ما يوضح في أنّ المواد المفهومة المحفوظة تكون أكثر تثبيتاً من تلك المواد المحفوظة غير المفهومة. لذلك ينصح الطلبة بألا يحاولوا المذاكرة عن طريق الحفظ بدلاً من الفهم. لأنّ هذه الطريقة من شأنها أن تكون سريعة النسيان للمواد المدروسة وتعطي نتائج ضعيفة.
- التكرار:
حيث إنّ النسيان يتناسب تناسباً عكسياً مع تكرار الحفظ. أي أنّه كلما زادت محاولات التكرار للمادة المحفوظة في فترات متقطعة كلما قل النسيان فالتكرار في هذه الحالة يقوم بمثابة المؤكد للتعلم كما هو يقوم بتحسين الأداء للمواد المتعلقة.
- المنهج المتبع في التعلم:
كلما اعتمدت المذاكرة على طرق فعّالة في التعلم كلما كانت فعالية التذكر أكبر فالمواد التي تتعلم بطريقة الحفظ مع أخذ فترات راحة أثبت من المواد التي تتعلم بطريقة الحفظ المركز. واستعمال طريقة التسميع والمراجعة أثناء الدراسة مفيد أيضاً في تثبيت المادة وتذكرها.
- الرغبة والدوافع والميول:
أنّ للرغبة والدوافع والميول أثر في تذكر المواد وتعلمها بسهولة. فكلما زادت الدوافع والرغبة لدى الفرد كلما زادت القدرة العقلية للتعلم والتذكر.
فالشاعر مثلاً يكون أقدر على تذكر القصيدة التي حفظها من المتخصص في الرياضيات. كما تظهر هذه الحالة بوضوح عند بعض الطلبة الذين تبرز لديهم الدوافع فحفظ وتذكر جميع المواد قبل الامتحان. ولكن بعد الانتهاء من تأدية الامتحان تزول الدوافع فتجدهم لا يتذكرون شيئاً إلّا قليلاً ما حفظوه.
- التهيؤ العقلي:
يساعد التهيؤ العقلي على دقة التعليم وعلى التذكر الجيد فعندما تعرض على شخص موضوع ما ويدرك أنّ هذا الموضوع ذا أهمية فإنّه يكون في حال استعداد خاصة. حالة تهيؤ عقلي للانتباه إلى المائدة وتنظيمها وفهمها وتعلمها بعكس لو عرضت عليه هذه المادة بصورة عفوية.
- مقاومة النسيان:
يخطىء مَن يظن أنّ النسيان ينتج بسبب الترك والإهمال وعدم التمرين أو بسبب مضي وقت من الزمن. فلقد أثبت العلماء أنّ النسيان لا يحدث بسبب مضي وقت من الزمن بل يحدث بسبب ما يقع في الزمن من أحداث. فإذا تعلم الإنسان مادة ما. ثم تعلم بعدها مادة أخرى فإنّ مَن شأن انشغال الذهن بالمادة الجديدة أن يضعف من تذكر الإنسان للمادة الأولى.
"وقد أقيمت تجربة لمقارنة بين التذكر بعد فترة راحة (نوم) لا يقوم فيها الفرد بنشاط ملحوظ، وبين مقدار التذكر بعد فترة يقضيها الفرد في نشاطه اليومي العادي. فكلف شخصان بحفظ مجموعة من المقاطع عديمة المعنى، ثم طلب منهما النوم مباشرة عقب الانتهاء من الحفظ. ثم اختبر تذكرهما للمقاطع عقب فترات مختلفة من النوم. ثم كلف الشخصان بحفظ مجموعة أخرى من المقاطع عديمة المعنى واختبر تذكرهما لها بعد فترات مختلفة من النشاط اليومي العادي. واتضح أنّ عدد المقاطع التي استطاع الشخصان تذكرهما عقب فترات النوم يزيد كثيراً عن عدد المقاطع التي استطاع تذكرها عقب فترات اليقظة".
ودعنا نوجز هنا بعض النقاط الهامة التي تساعد في مقاومة النسيان وفي تثبيت المعلومات بطريقة سهلة وبسيطة.
1- أنّ الشرط الأساسي الذي يجب أن يتوفر في الطالب لكي يستطيع أن يقاوم النسيان هو الابتعاد عن المعاصي والذنوب فإنّها ملهاة للقلب تشتت هم الطالب وتبث في القلب فساد كبير. إلى جانب أنّها معصية للإله. فنور العلم يسطع بترك المعاصي.
2- على الطالب أن يحاول المذاكرة وهو مرهق. فالتعب والإرهاق إحدى وسائل تشتيت الذهن. كما أنّ المذاكرة مع التعب ما هي إلّا مضيعة للوقت وجهد بلا فائدة لذلك ينصح بتحين الأوقات التي يتسم بها الطالب بالنشاط للقيام بالمذاكرة.
3- ليحاول الطالب عدم التنقل بسرعة بين مادة وأخرى ولكن ليأخذ قسطاً من الراحة بين كلّ مادة والتي تليها لأنّ ذلك من شأنه أن يساعد على تهيئة العقل لتلقي المعلومات الجديدة بصورة أوضح.
4- على الطالب أن يحاول دائماً التخلص من المشاكل النفسية قبل القدوم على المذاكرة لأنّ من شأن الحالة النفسية المضطربة أن تعطل حواس التلقي في العقل مما يساعد على وجود دافع قوي للنسيان.
5- الترك والإهمال أو ما يسمى بنظرية مرور الوقت. فأن مرور الوقت وما يقع في الزمن من أحداث إحدى أهم مسببات النسيان. لذلك ينصح بدوام المراجعة للمواد المدروسة حتى لا تتراكم عليها المواد الأخرى فتنسى بسهولة. كما يجب توضيح أنّ المواد تختلف بسرعة نسيانها حسب نوعية المادة. فبعض المواد يكون من السهل والسرعة نسيانها. بينما البعض الآخر من المواد تحتاج إلى فترة من الزمن كي تنسى. إلّا أنّ هذه الفترة ليست بالفترة الطويلة.
6- عدم التنظيم والانضباط إحدى العوامل المؤدية إلى النسيان لأنّ عدم التنظيم يؤدي إلى وشوشة وارتباك في نقاط الإدراك الحسية في العقل البشري مما يساعد على عدم القدرة على التذكر بالسرعة المطلوبة. لذلك ينصح دائماً بعمل مواعيد وجدولة للدراسة.
7- التعلم الجيد من المحاولة الأولى: أنّ التعلم بالطريقة الصحيحة ومن المحاولة الأولى أحد الوسائل التي تساعد على التذكر السريع لأنّ التعلم بالطريقة الخاطئة يتطلب إعادة المحاولة مرات أخرى. لاتقان التعلم. وهذا يعني إضاعة للوقت. كما أنّ التعلم بالطريقة الصحيحة يكون أقدر على الثبات والتذكر من التعلم بالطريقة الخاطئة.
ومن التجارب التي قام بها العلماء لاحظوا أنّه في خلال العرض الأوّل للدرس من قبل المدرس يتعلم التلاميذ بعض الأفكار وتظل في الذاكرة لمدة طويلة نسبياً وذلك لأنّ المدرس يستخدم الطريقة الصحيحة لتعلم الطلاب.
8- التركيز والانتباه من العوامل المهمة لمقاومة وطرد النسيان.►
المصدر: كتاب الأسلوب الأمثل (للدراسة.. والاستذكار.. والتفوّق)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق