• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تقريب الشباب من المعتقدات الأخلاقية

تقريب الشباب من المعتقدات الأخلاقية

◄إنّ تدخُّل الأهل في هذا المجال يعتبر حسّاساً للغاية، فالشاب يحاول أن يستفيد في هذه المجالات من تجربته الشخصية، لإنّه يقارب ويتأمّل ويحلّل، فلا يجب أن يلبسه الأهل هذه المفاهيم والقيم عنوة لأنّه يحبّ أن يتمكّن من الأمور وأن يفهمها بشكل واضح كي يعتقد بها، صحيح أنّه يعطي أذناً صاغية لنصائح الأهل والمرشدين ولكن آراءهم لا تترسّخ في أعماقه ما لم يكن له الدور الأساسي في مناقشة وفهم هذه المعتقدات كي يؤمن بها. لا تصحّ الخطابات والتوجيهات من طرف واحد لأنّها لا توصل إلى النتيجة المبتغاة.

إنّ الشباب غالباً ما يكون بطبعه صادقاً ويتجاوب مع التوجيهات المعطاة له شرط أن تكون نموذجاً يُحتذى ويُطبّق أمامه بأمانة لا أن يُقال له شيء ويحسّ أنّ الأهل يفعلون عكسه.

يتعرّض الشاب أحياناً لبعض الحالات العاطفية، وتأتي عاصفة لدرجة أنّها تقلب كيانه وتتعب أعصابه، في هذه الحالة يفتّش عمّن يفهمه ويثق به، وأفضل طريقة لإعادة الهدوء والسكينة إلى نفسه بالاستماع إليه ومناقشته ومحاولة إقناعه بأنّ الحياة لا تتوقّف عند صعوبة معيّنة بل يجب تجاوزها والانطلاق نحو آفاق جديدة قد تكون أكثر أمناً وسلامة، وهكذا نساعده على تجاوز العاصفة وتصبح الصعوبات شيئاً من الماضي وتساعد على اكتساب خبرات جديدة.

يقول أحد المربّين ويُدعى (موريس أرشامبو): "في الحالات الصعبة والخطرة نجد أنّه من الطبيعي والأساسي مواجهة الشاب الساخط والقلق وأن لا نهمل الأمر خوفاً من الفشل، بل يجب أن نقدِّم له النصيحة، إذا لم ننجح نلجأ إلى الإيحاء، لم نصل إلى ما نريد نطلب من الأصدقاء والأقرباء المساعدة قدر الإمكان، إذا لم نصل إلى نتيجة نلجأ إلى وسائل أخرى.. نذهب في رحلة نعرف أنّها تلقى الرغبة والقبول من الشاب لنجعله يعيش في جوّ من المرح والتسلية ينسيه ما يعيشه من كآبة، وهكذا يكون الأهل قد حقّقوا لولدهم ما يحبذ وما يخفّف أو ينهي مشكلته فيخرج منها قوياً غير منكسر وهذا ما يسعد الأهل لأنّهم قاموا بما يتوجّب عليهم ضمن الأصول المرعية والمقبولة لدى ولدهم".

على الأهل أن يزرعوا في نفوس أولادهم أهمية المثل العليا لأنّ الاتجاه نحو القيم يمنع السقوط، والقيم الروحية والمبادئ الأخلاقية يجب أن لا تكون مجموعة من القيود والنواهي بل إنّها حياة تعجّ بالحيوية والحركة وتمثّل القدرة على اكتشاف المجهول وخلق السُّبُل الناجعة لحياة أفضل، فطهارة النفس هي قبل كلّ شيء حرّية الضمير، والتواضع ميزة العظماء، والذين يتصرّفون بغطرسة وعنجهية وكأنّ على رؤوسهم ريشة كما يُقال عنهم هؤلاء المتكبّرون يمقتهم الله ورسوله ولو تعرّفت على نفسيّتهم عن كثب تراهم يعيشون أسوأ حالات النّقص، إنّهم يكذبون ويزرعون الفتنة ويظلمون إذا حكموا، ويُقال "إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فلا تنسَ قدرة الله عليك". إنّ أهمّ ما يجب أن نعلّمه لأولادنا هو حبّ الآخرين والعمل ما أمكن على مساعدة المحتاجين والعاجزين وفي هذا كلّه سموّ ورفعة وتقرّب من الله جلّ وعلا، يجب أن يتعلّم الشباب أنّ التقوى هي طريق الحقّ والخير والصواب التي توصلنا إلى الإيمان بقدرة الله، فإذا أنقذت إنساناً أو هديته إلى سواء السبيل بالكلمة الحلوة والموعظة الحسنة فهذا تقرُّب من الباري وعلو في الأخلاق وإذا تواصلت مع الأصدقاء وصدقتهم فهذا نوع من صلة الرّحمن ويُقال، صديقك مَن صدقك لا مَن صدّقك.

ونعود إلى دور الأهل والموجّهين والمرشدين والمربّين في المجتمعات كافّة للعمل بجهد وإخلاص مع جيل الشباب فلا يمنع أن يكونوا أقوياء جسدياً ورياضياً وذهنياً ولكن أن يقاتلوا ويجهدوا ضمن القوانين المرعية الإجراء التي تحترم حقوق الآخرين، وأنّ أيّة مبارزة مهما كانت قاسية وشديدة إذا كانت تحترم القوانين فهي مقبولة، وإذا خرجت عن هذا الإطار يكون ذلك مظهراً من مظاهر الضعف، وهذا يقلّل من رجولة أي شخص من حسّه الإنساني، لأنّ استعمال القوّة التي وُهبناها هي للدفاع عن حقوقنا ولمساعدة الآخرين في تحصيل حقوقهم والوقوف إلى جانب المظلومين ضد الظلمة، هذه هي الصفات السامية التي تُنجد الضحية ولا توجد ضحايا.

يقول (شكسبير): "إنّه رائع أن تكون لك قوّة خارقة، ولكن ليس مشرّفاً أن تستعملها كرجل عملاق". ويقول "أوريبّيد": "أن تكون رجلاً عليك أن تصمد أمام الباطل والرجولة الحقيقية أن لا تتمثّل بشخصيتك بطولات الآخرين، وأن لا تلوّث شخصيتك بأنواع التخاذل، بل احترام الكلمة التي أنت قائلها، والابتعاد عن الأنانية والغرائز التي لا قيمة لها واجعل شعارك احترام الحقّ وخذلان الباطل. إنّ الرجولة الموثوقة لا تقاتل في أجواء الخوف وعدم الثقة، ولا يمكن أن تكون عادلة فقط لترضي الآخرين، إنّ الرجولة الحقيقية تشعر بالفخر والاعتزاز عندما لا تبرّر أخطاءها بالكذب بل بالوضوح والحقيقة دون خوف أو وجل هذه هي القوّة الحقيقية التي لا تخشى نظرات الآخرين لأنّها تتمتع بالخلق الرفيع، فالإنسان الذي يعترف بأخطائه هو كبيرٌ حقاً ولا يخاف من اللّوم أو التعب لأنّنا كلّنا خطاؤون ومَن لا يخطئ لا يتكسب الخبرة للسير على طريق الصواب، إنّ الرجل مَن يتحرّر من كلّ ما هو طفولي، فبدل أن يكون كثير الطلبات وكيف يتصرّف الآخرون تجاهه لتتكون ردّة فعله، دائماً يفكّر كيف يكون محبوباً. إنّ الرجل الحقيقي هو الذي يهتمّ أن يعرف ماذا يمكن أن يعطي، ما هو واجبه وكيف يفرض محبّته على الآخرين، وهكذا تكون الشخصية بتواضعها وبتفهّمها لما حولها وخاصةً بالسيطرة الهادئة على النفس الثائرة لأنّ كلّ ذلك يعطي من القوّة بالنفس أكثر ممّا يعطيه الغضب والشعور بالثأر والانتقام".

فإذا استطاع أيّ شاب أن يرتفع إلى هذا المستوى في السلّم الإنساني فلن يكون بعيداً عن تعاليم السماء، فنفسه وقلبه يتفتّحان لتعاليم القرآن والسنّة النبوية الشريفة وكلّ القيم والمفاهيم التي وردت في الكتب المقدّسة، مشدوداً بهذه المبادئ العظيمة والنبيلة في محبّة الله والتقرُّب منه بالدّعوة إلى حبّ الآخرين والتضحية من أجلهم.►

 

المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكرة إلى سن الرشد

ارسال التعليق

Top