• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حق المسلم على أخيه المسلم

حق المسلم على أخيه المسلم
  منها إلقاء السلام وإجابة الدعوة والنصيحة.. حرص الإسلام على بناء العلاقة السليمة بين جميع أفراد المجتمع المسلم، وأراد منهم أن يكونوا إخوة متحابين ومتعاونين، ولهذا التعبير القرآني ناصحاً في جعل الحالة الإيمانية حالة أخوّة حقيقية وحصرها فيها فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10). جاء في الحديث أن رسول الله (ص) قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". وفي بيان جانب من حقوق المسلم على أخيه المسلم، يتحدث الدكتور إبراهيم الجنابي، الواعظ الديني والباحث في العلوم الإسلامية، ويستهل حديثه موضحاً أن رسول الله (ص)، حدّد حقوقاً للمسلم على أخيه المسلم، وأوجب على كل مسلم أن يراعي تلك الحقوق ويقوم بها، ولا يقصر في حق أخيه كي تدوم الأخوة وتستمر إلى يوم القيامة، حيث تتجلى ثمرات الأخوّة الصادقة، بقول الله تعالى: (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف/ 67)". وجاء الحديث الشريف مُبيّناً هذه الحقوق. فعن أبي هريرة (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس". وفي رواية لمسلم وأحمد: عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: "حق المسلم على المسلم ست"، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمّته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه". وإذا أردنا تفصيل هذه الحقوق المذكورة في هذين الحديثين فنقول:   - الحق الأوّل: إلقاء السلام: إلقاء السلام هو إشاعة لروح الأمن والطمأنينة بين أفراد المجتمع. ولهذا كان من أولى وصايا النبي (ص)، في المدينة، الأمر بإفشاء السلام. فعن عبدالله بن سلام (رض)، قال: لما قدم رسول الله (ص) المدينة انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول الله (ص) قدم رسول الله (ص) قدم رسول الله (ص)، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه رسول الله (ص)، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أوّل شيء تكلم به أن قال: "ايها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام". وقد ضمن النبي (ص) تحقق المحبة بين المسلمين، والتي ستوصلهم إلى الجنة، إن هم أشاعوا السلام بينهم. فعن أبي هريرة (رض) أنه قال: قال رسول الله (ص) لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوّلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم". ولهذا فعلى المسلم أن يبادر بإلقاء السلام على من يلقاه من المسلمين. ولا يخفى أن هناك آداباً لإلقاء السلام قد بينها النبي (ص) بقوله: "يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". وفي رواية لأحمد والترمذي: ".. والصغير على الكبير". فيبدأ الراكب بالسلام إذا مر على الماشي، ويبدأ الماشي بالسلام إذا مر على القاعد، وإذا تلاقت مجموعتان فتسلم الأقل على الأكثر، فيسلم الواحد على الاثنين، ويسلم الاثنان على الثلاثة وهكذا. ويبدأ الصغير السلام على الكبير. وإذا استوت الأحوال فالبادئ بالسلام أفضل، فإذا التقى الماشيان جاز لكل منهما إلقاء السلام على الآخر، وأفضلهما من يبدأ بالسلام، وكذا الحال لو التقى الراكبان، أو التقت مجموعتان متساويتان في العدد، أو التقى شخصان متساويان في العمر. ومن آداب السلام أن يحييه بلفظ: السلام عليكم، وإن زاد قال: السلاك عليكم ورحمة الله، وإن زاد قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولا يحييه بغير تحية الإسلام، لأن ذلك مخالف لسنّة النبي (ص)، ومع الأسف قد نرى اليوم بعض المسلمين يُعرض عن تحية الإسلام ويُحيي بما يحلو له من تحايا غير المسلمين، وهذا جهل بالدين، وتقصير لا يليق بالمسلم الحريص على دينه.   - الحق الثاني: ردُّ السلام: رد السلام هو إعادته على من ألقاه عليك من المسلمين، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء/ 86). ومن آدابه أن يردّ بأحسن من التحية أو بمثل التحية، ولا يجوز أن ينقص عنها، فإذا قال الأوّل: السلام عليكم. قال الثاني: وعليكم السلام ورحمة الله. وإذ قال الأوّل: السلام عليكم ورحمة الله. قال الثاني: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ولا يزيد على هذا، فقد ورد الإنكار على من زاد على هذا في السلام.   - الحق الثالث: إجابة الدعوة: ومعناها أنّ المسلم إذا دعاه أخوه المسلم إلى وليمة أو نحوها فلا يرد دعوته، بل يبادر إلى تلبيتها ويُدخل على قلبه السرور بإجابته. وقد جاء الترهيب من عدم إجابة الدعوة، فقد صح عن رسول الله (ص)، أنّه قال: ".. ومَن دُعي إلى وليمة فلم يُجب فقد عصى الله ورسوله". وثبت عن رسول الله (ص)، أنّه قال: "لو دُعيت إلى كراع لأجبت، ولو أُهدي إليّ ذراع لقبلت"، ولهذا ينبغي على المسلم أن يجيب دعوة أخيه المسلم، ويفرحه بحضوره ومشاركته أفراحه.   - الحق الرابع: النصيحة: ومعناها إبداء ما فيه المصلحة، والإرشاد إلى ما فيه النفع ودفع المضرة. وهي واجبة على المسلم، خاصة إذا طلبها المسلم من أخيه وأبدى حاجته إلى النصح. وجاء في الحديث عن تميم الداري أن رسول الله (ص)، قال: "الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ومن النصيحة عدم الغش، وعدم الكذب، وعدم التزوير والتنزيف، لأن كل هذه الأفعال تنافي النصح. ولهذا فمن الواجب على المسلم ترك هذه الأخلاق الذميمة حرصاً على جانب الأخوة بينه وبين المسلمين. ومن آداب النصيحة أن تكون في ما بينك وبين أخيك المسلم، فلا تنصحه أمام الناس، لأن ذلك قد يكون فيه فضح لهذا الإنسان وليس بنُصح. وأن تختار الأسلوب المناسب والكلام الطيب الذي يتقبل به الطرف الآخر النصيحة، والوقت المناسب للنصح، فقد يكون هذا الإنسان في حال لا يمكنه سماعك أو مشغولاً بما لا يمكنه معه الاستفادة من نُصحك.   - الحق الخامس: تشميت العاطس: ومعناه أن يقول المسلم لأخيه المسلم إذا عطس وحمد الله، أن يقول له: يرحمك الله، ويرد عليه العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، أو يقول: أثابكم الله. والحكمة من هذا الفعل هي الدعاء للمسلم بالرحمة عند هذه الحالة العارضة، ويرد عليه العاطس بالدعاء له بالهداية والإثابة. وقد ثبت في الحديث عن رسول الله (ص)، أنّه قال: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله. وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله. فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم ويصلح بالكم". وهنا لابدّ للعاطس من حمد الله كي يشمّته من حضره من المسلمين، فإن لم يفعل تركوا تشميته. وقد جاء هذا النص في السنة، عن رسول الله (ص)، قال: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمّتوه، فإن لم يحمد فلا تشمتوه"... وروي عن عبدالله بن عمر (رض): كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله. قال: يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم.   - الحق السادس: عيادة المريض: ومعناها زيارة المريض. وهي من الأفعال الحميدة، لكون المريض في حاجة إلى مساندة وإعانة، وتخفيف ما يجد من آلام المرض وتعبه، وبها يحصل الدعم المعنوي للمريض، علاوة على الدعاء له بالشفاء والعافية. وقد رغّب النبي (ص)، المسلمين في زيارة المريض، ووعدهم بعِظم الثواب والأجر في هذه الزيارة. فقد جاء في الحديث القدسي: قال رسول الله (ص): "إنّ الله عزّ وجل يقوم يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب، كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب، وكَيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب. كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي". وصح عن رسول الله (ص)، أنّه قال: "مَن عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" – (رواه مسلم) ومعنى "خرفة الجنة" جناها وثمرها. وصح أن رسول الله (ص)، قال: "مَن عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مُنادٍ أن طبت وطالب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً". وعن علي (ع) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "مَن أتى أخاهُ المسلم عائداً مَشَى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوه صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساءً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح". ومن آداب زيارة المريض أن يختار الوقت المناسب للزيارة، وأن يدعو له بالشفاء والعافية، وأن يُذكّره بالله ويزرع الثقة في نفسه يقوّي الأمل في شفائه، وأن لا يطيل الجلوس عنده، ولا يتحدث عنده بما يكره خشية أن يزيد عليه هم المرض، وأن يؤانسه بالحديث الطيب ولا بأس أن يهدي إليه شيئاً يبهج نفسه ويفرحه.   - الحق السابع: اتّباع الجنائز: وهو الصلاة على الجنازة ثمّ اتّباعها حتى تدفن وتوارى بالتراب. وقد جاء في الترغيب فيه قول رسول الله (ص): "مَن شهِد الجنازة حتى يصلّى عليها فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين". رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ "أسغرهما مثل جبل أحد". وفي فضله أيضاً: قال رسول الله (ص)، يوماً لأصحابه: "مَن أصبح منكم اليوم صائماً؟" قال أبوبكر (رض): أنا. قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبوبكر: أنا. قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟" قال أبوبكر: أنا. قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟" قال أبوبكر: أنا. فقال رسول الله (ص): "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة". ومن آداب صلاة الجنازة واتّباعها أن يخلص النيّة في صلاته ويخلص في دعائه للمتوفّى، وأن يُظهر الحزن والتأثير لهيبة الجنازة، فلا يليق به الضحك أو كثرة الكلام في مثل هذا الموقف، وأن يكثر من ذكر الله ولا يخوض في ما لا نفع فيه. فهذه الحقوق إنما أوجبها الإسلام على المسلمين تجاه بعضهم البعض، لتدوم الأخوة والمحبة والألفة بين أفراد المجتمع. وهي من أسباب التآصل المجتمعي والتعاطف بين الناس، فيشد بعضهم أزر بعض ويعينه في أحواله وشؤونه، ما يسهم في قوة الأُمّة وعزتها وسعادتها، كما أنها من أسباب اكتساب الثواب الأخروي، والفوز بجنات الخلود جزءاً بصالح تلك الأعمال.

تعليقات

  • سكينة مصباحي

    رائع

ارسال التعليق

Top