قد ينظر الكثير إلى السمنة على أنّها أمر بسيط، وربما يراها البعض مجرد منظر غير مقبول أو تشويه لجمال أجسادنا، ويفطن القليل إلى خطورتها ومع ذلك يقفوا مكتوفي الأيدي غير قادرين على إيقافها أو القضاء عليها. ومن الواجب أن نتذكر دائماً بأنّ السمنة مرض، ليس بسيطاً بل يعد خطيراً. كما أنّها من أهم أمراض عصرنا الحديث، التي تواجه الكبار والصغار على حد سواء.
وقد أمرنا الله بالاعتدال في الإنفاق والطعام والشراب، لما في ذلك من حكمة إلهية في المحافظة على صحتنا. ولو تأملنا أحاديث الحبيب المصطفى (ص) نجده يؤكد على أهمية الالتزام بنظام غذائي صحي كما جاء في قوله "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، حسب ابن آدم آكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه". فلو تأملنا جميع حالات الوزن الزائد، لوجدنا أن هناك خللاً في هذا التوزيع، فنجد أنّ الطعام يطغى على الشراب أو العكس. وللتعرف على القواعد الغذائية الصحيحة تتحدث منى عبدالله محمد وراق أخصائية التغذية العلاجية في الرعاية الصحية الأولية، لتوضح لنا المخاطر والأمراض المتعلقة بالسمنة، وما يعانيه البدناء من أمراض نفسية وعقلية أكثر من غيرهم.
عرفت منى وراق السمنة في بداية حديثها على أنها زيادة وزن الجسم عن حده الطبيعي نتيجة تراكم الدهون فيه، والناتجة عن عدم التوازن بين الطاقة المتناولة من الطعام ونظيرتها المستهلكة في الجسم. وأشارت إلى تركيب المواد الغذائية التي نتناولها، المشتملة على الكربوهيدرات، الدهون، البروتينات، المعادن والفيتامينات وكذلك الماء، فلكل عنصر من هذه العناصر دور هام في إمداد الجسم بالطاقة. وتختلف الأغذية في محتوياتها من هذه العناصر، في حين تتضمن أصنافاً أخرى عنصراً واحداً أو اثنين فقط. فعلى سبيل المثال تحتوي الفواكه على السكريات البسيطة أكثر من أي عنصر آخر، بينما تكون كمية الكربوهيدرات أكثر من البروتينات والدهون في الخبز والحليب. أما اللحوم فتكون نسبة البروتينات فيها أكثر من الدهون والكربوهيدرات، فيما يحتوي السكر الأبيض على الطاقة فقط، وذلك البني على طاقة مع بعض الفيتامينات. وربما يظن البعض أنّ السكر البني خال من السعرات الحرارية، وهذا مفهوم خاطئ يجب الانتباه له، لاسيما بالنسبة إلى مرضى السكر ومتتبعي الحميات.
فإذا ما تناول الإنسان الكربوهيدرات تتحول في جسمه إلى سكريات أحادية بسيطة (الجليكوز)، ليستخدم مباشرة كوقود في امداد الجسم بالطاقة، كما يخزن جزء منه في الكبد على صورة جلايكوجين، ويتحول الزائد عن الحاجة إلى دهون تخزن في الأنسجة الدهنية للجسم. أما البروتينات فإنّها تتحلل إلى مركبات بسيطة تمتص إلى الأنسجة والعضلات أو أنها تتحول إلى جليكوز لاستخدامه كطاقة فورية، أو أنها تتحول إلى دهون تخزن في الأنسجة الدهنية لجسم الإنسان.
وأشارت إلى الأسباب التي تؤدي إلى السمنة وهي:
النمط الغذائي: يؤدي التهام الغذاء بسعرات حرارية عالية وعدم صرفها، إلى تراكم الدهون في جسم الإنسان، علماً بأنّها ذات كفاءة أعلى من الكربوهيدرات والبروتينات في التكتل داخل أنسجة الجسم الدهنية. لذلك فإن انتشار ما يسمى بالوجبات السريعة الغنية بالسعرات الحرارية في الدول الغربية، أدى إلى تفشي السمنة والأمراض المصاحبة لها في أجزاء كثيرة من العالم لم تكن تظهر من قبل، بل هي السبب الأوّل والأهم في 90% من حالات السمنة.
قلة النشاط والحركة: من المعروف أنّ السمنة نادرة الحدوث في الأشخاص الدائبي الحركة، أو الذين تتطلب اعمالهم النشاط المستمر، ولكن يجب أيضاً أن نعرف أن قلة حجم النشاط بمفرده ليس بالسبب الكافي لحدوث السمنة. ومما لا شك فيه أنّ النشاط والحركة لهما فوائد كبيرة في تحسين صحة الإنسان بصفة عامة.
ويمكن أن نوجز النشاط والحركة بكلمة واحدة هي الرياضة – تضيف وراق – فقد أشارت الدراسات أنّ للرياضة دوراً في تخفيض نسبة الدهون وجليكوز الدم، وأيضاً في تنشيط الأنسولين واستقبال أنسجة الجسم له. ولكن هل هذه النسبة كبيرة لدرجة الاعتماد عليها في إنقاص الوزن؟ بالتأكيد لا، حيث كانت الدراسات التي أجريت في هذا المجال متضاربة، لدرجة أنّه لا يمكن أن نوصى للبدن بالرياضة كأساس لتخفيض وزنه، ولكن يمكنها أن تكون عاملاً مساعداً، لا سيما في تخفيف الترهلات الناجمة من فقدان الوزن. فممارسة السباحة أو الجري لمدة ساعة كاملة يومياً دون توقف، تفقد حوالي 170 سعرة حرارية، وفي حالة التوقف بعدها وشرب كوباً من البيبسي وقطعة صغيرة من الشوكولاته، تعطي 500 سعرة حرارية.
العوامل النفسية: هذه الحالة منتشرة في السيدات أكثر منها في الرجال. فحين يتعرضن لمشاكل نفسية قاسية، ينعكس ذلك في صورة التهام الكثير من الطعام.
اختلال في الغدد الصماء: وهو السبب الملائم دائماً في حالات السمنة، لكنها حالة نادرة جدّاً وليست بالسبب في معظم الأحوال.
- الوراثة: أيضاً يجب أن نعلم أنّ هذا العامل بمفرده ليس مسؤولاً عن السمنة وقد يكون فقط مساعد لبقية العوامل.
أما فيما يتعلق بالأمراض الناجمة عن السمنة فهي:
· السمنة وأمراض القلب والموت المفاجئ:
يعتبر الوزن الزائد حملاً زائداً على القلب والرئتين، فيحتاج كل منهما إلى مجهود مضاعف. وترتبط العلاقة بين السمنة وأمراض القلب وتصلب الشرايين بطبيعة ونوع الغذاء الذي يتناوله الشخص البدين، فهو يميل إلى تناول الأغذية الغنية بالدهون أو المقلية، أكثر من تناوله للبروتينات أو الكربوهيدرات. ومثل هذه الأصناف ترفع نسبة الكولسترول في الدم، وهذا هو عامل الخطورة الأوّل لأمراض القلب. وترتبط السمنة بأمراض القلب والموت المفاجئ، لأنّها تعتمد على عمر البدانة عند الشخص، فقد أكدت بعض الدراسات الحديثة أن استمرار السمنة لمدة أطول من 10 سنوات، تزيد نسبة التعرض لأمراض القلب والموت المفاجئ، بالذات عند الإصابة بالسمنة في مرحلة الطفولة أو في مرحلة الشباب الأولى.
· السمنة ومرض السكري:
مما لا شك فيه أن هناك علاقة قوية بين السمنة ومرض السكري (غير المعتمد على الأنسولين)، وعلينا أن لا نغفل عن وجود أسباب أخرى له، كالوراثة والجنس والأماكن الجغرافية وغيرها.
كما أشارت الاخصائية منى وراق إلى العلاقة بين السمنة والسكري قائلة: "يوجد فوق كل خلية مواد مستقبلية لهرمون الأنسولين الذي يحرق الجليكوز من أجل انتاج الطاقة، فلو غابت هذه المستقبلات أو قل عددها، فلن يعمل الأنسولين على هذه الخلية، وبالتالي لن يستفاد من الجليكوز فترتفع نسبته في الدم". كما وأنّ نسبة المستقبلات ثابتة فوق الخلية الدهنية العادية، فإذا زاد حجمها، كما هو الحال في البدين فإنّ عدد المستقبلات سيكون قليلاً نسبة إلى مساحة الخلية الكبيرة الحجم. ونصحت بتخفيض الوزن، لأنّه يؤدي إلى تحسين حالة إفراز الأنسولين واستقباله عند هؤلاء المرضى.
· السمنة وارتفاع ضغط الدم:
يكفينا القول أن نسبة ارتفاع ضغط الدم بين البدينين تصل إلى ثلاثة أضعاف نسبته بين الأشخاص العاديين، ويعتبر تخفيض الوزن مع التقليل من تناول ملح الطعام عند مرتفعي ضغط الدم، يحسن حالة ضغطهم في حدود تصل إلى 50%.
· السمنة والجهاز الهضمي المعدي المعوي:
تشحم الكبد، الإصابة بحصيات المرارة، الفتق الحجابي وسرطان الكولون والمستقيم، فجميعها أمراض متعلقة بالسمنة.
· السمنة والغدد الصم:
حيث تؤدي السمنة إلى الإصابة بتكيسات المبيض، واضطراب الدورة الطمثية وكذلك الإصابة بالعقم.
· السمنة والجهاز التنفسي:
انقطاع النفس الانسدادي، متلازمة نقص التهوية بسبب البدانة، الإصابة بالربو القصبي.
· السمنة والمفاصل والأربطة:
تعتبر السمنة حملاً زائداً على مفاصل الجسم وأربطته ويظهر ذلك بشكل آلام متعددة في المفاصل.
· السمنة وتأثيرها على الجلد:
تزيد السمنة عدد الانثناءات في الجلد، ولذلك يكون الجلد عرضة للالتهابات والإصابات الفطرية والبكتيرية، إلى جانب عدم تحمل الطقس الحار والرطوبة.
· السمنة والتأثير النفسي:
يعاني البدينين من الإصابة بالكآبة، مصحوبة بنقص الحماس والاندفاع الذاتي لأي نشاط، فضلاً عن الحرد الاجتماعي ممن يحيطون بهم.
وصفة لإنقاص كيلوغرام أسبوعياً حسب القواعد الطبية:
وذلك بتقليل عدد السعرات الحرارية المتناولة لحدود أقل من حاجة الجسم من الطاقة. وحسب المفهوم والقواعد الطبية ينصح بانقاص الوزن بمقدار 1 كجم أسبوعياً. لذلك يجب استشارة الطبيب المختص لتحديد الريجيم المناسب بالإضافة للتثقيف والتوجيه السلوكي الضروري. ولفتت إلى ضرورة تقليل الاستفادة من الغذاء من خلال ثلاث طرق تتلخص في التالي:
1- منع الاستفادة من الكربوهيدرات (النشويات) عن طريق منع نشاط الأنزيمات الهاضمة للنشويات، التي تفرز من الغدد اللعابية والبنكرياس، وذلك بإعطاء الشخص مواد (اكتشفت في البقوليات) تمنع هذا النشاط وهذه المواد توجه بهيئة حبوب، ومن أشهرها المسماة Carbo-lite وهذه المواد ليس لها أضرار صحية، لكنها تظهر بهيئة غازات مزعجة، لأنّ النشويات الغير ممتصة تتخمر بفعل البكتريا في القولون.
2- استخدام الألياف الغذائية التي توجد في النخالة والخضراوات والفواكه (وتؤكل مع قشورها)، كما أنّها توجد على شكل أقراص في الصيدليات، تقوم بمنع امتصاص الطعام من الأمعاء، بالإضافة إلى أن تناولها قبل ومع الطعام يشعر الإنسان بالشبع مما يقلل تناوله للطعام.
3- تم استخدام بعض الأدوية حديثاً، التي تمنع امتصاص الدهون من الأمعاء، وبالتالي تقليل الاستفادة منها مثل مركب يدعى أورليستات Orlistat.
أما بخصوص الأدوية المستخدمة في علاج السمنة، أوضحت الأخصائية وراق بأنها تنقسم إلى مجموعتين:
· الأدوية المثبطة للشهية مثل الأمفيتامين وشبيهاته Amphetamine:
و هي من الأدوية الفاقدة للشهية عن طريق تأثيرها على نشاط الجهاز العصبي، وقد استخدمت هذه الأدوية أصلاً في مقاومة النوم، ومن أهم تأثيراتها الجانبية أنها تسبب الإدمان وتركها قد يؤدي إلى الاكتساب، كما يمنع استخدامها للأشخاص المصابين بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والجلاكوما. وأكثر مشتقات الأمفيتامين استخداماً كفاقد للشهية المسمى فينايل بروبانول أمين Phenyl propanolamine حيث أنّه الأفضل فاعلية والأكثر أمناً واستخدامه لا يقود لمشكلة الإدمان عليه.
· الأدوية السيروتونينرجك Serotoninergic Drugs:
أكدت التجارب أن تأثير هذه الأدوية يكون واضحاً في بداية الاستخدام، ولكنه يقل بعد فترة. كما أنها لا تختلف عن الأمفيتامين في تأثيرها على الجهاز العصبي وفقدان الشهية.
· أدوية التوليد الحراري:
توجد مواد طبيعية مختلفة تملك خاصية التوليد الحراري في الجسم، مثل الكفايين وبعض الهرمونات والمعادن، جميعها تعمل على حرق جزء من الغذاء وتحويله إلى حرارة دون استفادة الجسم منه، ومن هذه المركبات المجموعة المسماة بشبيهات (ب3) أو Agonists-B3 والتي تعمل على زيادة التوليد الحراري دون التأثير على الشهية، ومركبات شبيهات (ب2) – أدرينيرجك أو Adrenergicagonists-B2 والتي تؤثر على الشهية، بالإضافة إلى عمله كمولد حراري. وخلصت منى الوراق حديثها مشيرة إلى آخر السبل المتبعة لانقاص الوزن في حالات البدانة المفرطة، ألا وهو التدخل الجراحي (عمليات شفط الدهون) Lipo-suction. والذي يتضمن مغزياً تجميلياً للجسم.
*أخصائية التغذية العلاجية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق