◄"علينا أن نربّي في نفوسنا حبَّ الله حتى ننطلق في عبادِتنا له انطلاقةَ الحبيب إلى حبيبه تماماً كما كان رسولُ الله (ص)".
العلاقة بالله:
في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى يريدُ اللهُ لنا أن لا تكون علاقة تقليدية جامدة يفكر الإنسان فيها أن هناك وظيفة رسمية يلتقي بها مع الله بطريقة تقليدية، ثمّ ينسى الله ويستقبلُ حياته من خلال أهوائهِ وأطماعه، إنّ الله يريدُ لنا أن تكون علاقتنا به علاقة حب، أن نحبه كما يحبُّ الإنسان حبيبهُ، ونعشقه كما يعشق الإنسان معشوقه وأن تكون علاقتنا معه في العمق، وأن نشعر بالسعادة عندما نلتقيه، وعندما نذكره، وعندما نتحدث معه، وعندما نصلي له، وعندما ننفتح عليه، ولقد حدّثنا عزّ وجلّ عن نماذج من الناس الذين لا يحبّون الله الحب الذي ينبغي له (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة/ 165).
فالمؤمنون بالله لا يمكن أن يحبوا أحداً كما يحبون الله، فكلّ الحب له وقمة الحب له، وينطلق الناس كلّهم من الإيمان، به، ويبقى حبنا لله هو القمة في الحب، فمن كان محبوباً لله فنحن نحبه ومن لم يكن محبوباً لله فنحن لا نحبه، وأن يكون حبنا للناس من خلال حبنا لله، ولذلك تنقلبُ حركة العاطفة لتستقيم مع حركة الحياة، فلا تكونُ العاطفة في جانب ويكون الإيمان في جانب، لأنّ الإيمان عندما يستولي على عقلك وعاطفتك وحياتك فإنّه لا يترك مجالاً لغيره، عنك ذلك يكون شعورك شعور الإيمان وعاطفتك عاطفة الإيمان، وهكذا جاء الحديث عن أهل البيت (ع): "إذا أردت أن تعرف نفسك فانظر قلبك، فإن كان قلبك يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله، ففيك خير والله يحبك وإن كان قلبكَ يوالي أعداء الله ويعادي أولياء الله فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب".
الحبّ في الله والبغض فيه:
ولذلك علينا – أيها الأحبة – أن ندرس حبنا وبغضنا في الحياة من خلالِ حبِّ الله حتى تستقيم لنا الحركة في الحياة، لأنك إذا كنت تحبُ من لا يحبه الله فقد يزيدك حبهُ له بالانخراط في خطه المنحرف، وإذا كنت تبغض من يحب الله فقد يتحول بغضك إلى أن يجعلك تتحرك في الخط المنحرف، لذلك فالإسلام فيما نفهمه هو قاعدة لعقلِ الإنسان وفي قلبه وفي حياته وقاعدة للفكر، فلا يكون فكركَ إلّا إسلامياً، وقاعدة للعاطفة، فلا تكون عاطفتك إلّا إسلامية، وقاعدة للحياة، فلا تكون حركتك في الحياة إلّا من خلالِ حركة الإسلام.
ولذلك فلابدّ من أن نربي عاطفتنا على ما نربي عقولنا على الالتزام بالله، فإذا استقام لنا العقل واستقامت لنا العاطفة استقامت لنا الحركة في الحياة، أما إذا كان العقل في جانب والعاطفة في جانب، فهناك الإزدواجية في شخصية المسلم، وبالتالي هناك الإرتباك الذي يجعل الإنسان لا يعرف كيف يوازن خطواته وكيف يحددُ طريقهُ. وفي آية أخرى يعلمنا الله كيف نحبه، هل حبنا لله تعالى خفقة قلبٍ ونبضة احساس؟ كلّا إن حبنا لله يمثل الحركة في الحياة، فالله لا يكتفي بخفقة قلوبنا حباً له ونبضات مشاعرنا ولهاً به ولكن الله يريدنا أن نكون معهُ لأن معنى أن نكون معه، أن نكون مع رسله ومع رسالاته ومع خطّهِ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران/ 31). فإذا كان حبكم رسالياً ينفتح على رسالة الله وينطلق نحو مواقع الله فإنّ الله سوف يبادلكم حباً بحب.
فحب الله لعباده هو رحمته ولطفه ورزقه وكل رضاه، وفي ضوء هذا – أيها الأحبة – علينا أن نتعلّم كيف نحب ربّنا، نحبه في جماله وهو الذي خلق الجمال، إذا كنّا نحبُّ في الجميل جمالهُ، نحبه بقوته وهو الذي يملك القوة التي لا حدَّ لها، نحبه لعلمهِ ولرحمته ولكل صفات الكمال والجلال فيه، لذلكَ علينا أن نربي في نفوسنا هذا الحب لله حتى ننطلق في عبادتنا له انطلاقة الحبيب إلى حبيبه، تماماً كما كان رسول الله (ص) يرى في العبادة مظهر شكر، فقد قيل له: "لماذا تجهد نفسك في الصّلاة وقد ضمنَ الله لكَ الجنة، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً"؟!►
المصدر: كتاب الندوة/ محاضرات ومطارحات في العقيدة والتربية والفقه والسيرة
ارسال التعليق