• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نظرة الإسلام للعبادات

نظرة الإسلام للعبادات

مما لا شكّ فيه ولا ريب.. إنّ الغرض الأصلي والداعي الأساسي من تشريع العبادات ونظامها في الدين الإسلامي الحنيف، ليس مجرد هذه الطقوس والمراسيم التي تأتي في أزمنة وأوقات معينة، وبهذا الشكل المتعارف عندما يمارسها الإنسان المسلم.

ولكن.. هناك من وراء هذا الشكل وهذه الطقوس، هدف أعلى وأسمى وأرقى من هذه الشكلية في هذه المراسيم والطقوس وخصوصاً من الناحية التربوية.

لأنّ هذه العبادة المكوّنة من هذه الطقوس ترفع الإنسان من عالمه المادي الضيق المنكمش الذي يسيطر على أفكاره ومشاعره وتصرفاته، إلى عالم الروح والروحانية الواسع الكبير، وهو عالم الإنسانية والكمال والخير.

فإنّ هذه العبادة المكوّنة من هذه الطقوس لو أدِّيت بالشكل الصحيح الذي فرضه الإسلام، فهي التي تربط الإنسان، هذا العبد الصغير بخالقه وموجده ومكوّنه، وهو الله – سبحانه وتعالى –.. وإنّ هذه العبادة هي التي تجعل إيمان الإنسان إيماناً قوياً راسخاً وحيّاً، وتكون له مَلَكة الروحانية.. فعندئذٍ يقوى ويرسخ جانبه الروحي ويسمو ويرتفع.

 

1-  معطيات العبادة:

والآن سنعرض بإيجار أهم معطيات العبادة:

1-  تركيز معاني العبودية في النفس الإنسانية والسعي نحو الكمال، فقد جعل الله العبادة غاية من الخَلْق، وهي تعني أنّ الإنسانية لن تجد كمالها إلّا إذا ارتفع لديها المقياس العبادي إلى درجته القصوى، فالعبودية كلما تأصَّلت في نفس الإنسان، قرّبته أكثر من حقيقته وواقعه إلى الحقيقة الكبرى، تلك الحقيقة التي تنطوي تحتها  كلّ وسائل الرُقي والكمال.. ونظام العبادات يقوم بدور رسم الخطوات التي يجب أن تواكب مسيرة الإنسان لأجل ضمان بقائه على الخط، وتذكيره دائماً بالحقيقة الكبرى، وهذا المعنى يؤدي إلى تحديد مركز الإنسان في الكون، وذلك بإشعاره بوجوده على حقيقته وارتباطه برابطة العبودية بخالق جبار رحيم مسيطر، له الأمر من قبل ومن بعد، خَلَقَه ووضع له نهاية، وهداه فيما بين المنطلق النهاية بشرائع عليه أن يُطبّقها في مسيرة حياته، وهذا ينتج ما يلي:

أ‌)       إشباع غريزة أصيلة في النفس الإنسانية، وهي غريزة حب الإستطلاع.

ب‌) نفي ظاهرة القلق والاضطراب والحيرة التي نراها عند الإنسان المنفصل عن الله – تعالى – ذلك القلق الناشئ عن مجهولية الماضي والمستقبل والضياع الحاضر.. فعندما تتوضّح للإنسان خطوط مسيرته ومنطلقها وغاياتها يغمر قلبه شعور بالإطمئنان والسّند النفسي، ويكون مصداقاً للآية الكريمة في سورة الرعد آية 28: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ت‌) التحرر من كلّ الظواهر الصنمية، والخضوع لله وحده دون غيره.. فبتأدية العبادة وفهمها يعود العبد حُرّاً مستقلاً في إرادته عن كلّ شيء إلّا إرادة الخالق العظيم وتشريعه.

ث‌) توسيع أفق التعامل الإنساني، فالإنسان حينما يشعر بمركزه في الكون يشعر بالوحدة بينه وبين كلّ المخلوقات وخصوصاً بينه وبين أفراد جنسه من بَني آدم، وهكذا يكون هذا منشأ لرابطة إرادة الله – تعالى – أن تشمل كلّ أنواع تعامل الإنسان مع غيره وهي رابطة (الحبّ).

2-  الإخلاص: والإخلاص تربية العبادات عن طريق اشتراط قصد القربة إلى الله فيها.. وهو أمر لا يعلمه من العابد أحد إلّا الله.. وهذا الالتزام الكامل يُجسّد له معنى مراقبة الله إلى واقعٍ حيٍّ محسوسٍ مما يكون له أبعد الأثر في كلّ سلوك يقوم به الإنسان، فيدفعه دائماً لأن يكون مخلصاً في حياته لخالقه العظيم، فالإخلاص هو سر حيوية أي عمل، والإخلاص روح بدونه يصبح العمل خواء لا عطاء فيه.. وإذا تربّى ضمير الإنسان على الإخلاص له – تعالى – فإنّ ذلك يسري إلى كلّ أعماله وتصرفاته ويُحوّل الإنسان من مخلوق يعبد ذاته ومصالحها إلى مخلوق يربط مصالحه وأعماله كلها بإرادة الله، ويسعى جاهداً لتحقيق رضاه.. والإخلاص هو الذي يتناول نيّة المرء لِيُنقّيها من الشوائب وليُوظّف فيها الطاقات الخيّرة، فمتى صلحت النيات، تفجّرت فيها طاقات الخير والصلاح ولذلك نرى الرسول الأعظم (ص) يطلب من الأُمّة أن تسأل ربّها في شهر الطاعة والصيام: "بنيات صادقة وقلوب طاهرة"، فإن ذلك هو شرط التوجه الكامل المطلب من كل عبد يسأل مولاه العظيم.

 

2- تقسيم العبادة:

إنّ العبادات في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين رئيسيين:

القسم الأوّل: وهي العبادات التي يكون لها الأثر العام الشامل والتي تهدف إلى الخدمات الاجتماعية والتي تعود على الأُمّة والمجتمع بالنفع والبركة والخير العام.. وأمثال هذا القسم من العبادات.. هو كلّ عمل خير يعمله الإنسان بشرط أن يكون متقرّباً به إلى الله – سبحانه وتعالى – وأن يكون ذلك هو قصده الوحيد، وذلك كالزكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك من أعمال الخير التي يعود نفعها إلى الأُمّة.

القسم الثاني: وهي العبادات التي يكون لها أثر خاص وذلك الأثر الخاص يتعلّق بنفس الإنسان المباشر لها ويعود بنفع تلك العبادة إليه خاصة وذلك كالصلاة والصيام والحج إلى غير ذلك من العبادات التي يعود نفعها إلى الشخص المباشر لها، لتُغيّر من سلوكه الفردي والاجتماعي، وتوجّهه الوجهة الصالحة.

 

المصدر: كتاب في رحاب شهر رمضان

ارسال التعليق

Top