• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استفتاء إقليم كردستان: مغامرة لضمان المصالح

د. حسين أحمد السرحان

استفتاء إقليم كردستان: مغامرة لضمان المصالح

من غير الطبيعي أن يتصوّر المرء أنّ القيادة الكردية في إقليم كردستان العراق لا تدرك مسبقاً طبيعة المواقف المحلية والإقليمية والدولية المضادة لموضوع استفتاء الإقليم لغرض الانفصال عن الدولة العراقية.

وطبقاً لذلك تتوافر لدى تلك القيادة قراءة واضحة لطبيعة هذه المواقف والتي تتصاعد في رفضها لإجراء الاستفتاء. تعتمد القيادة الكردية منهجية براغماتية قائمة على ضمان المصالح الكردية عبر وضع سقوف عليا لمطاليبها، وهذا ما اعتمدته في تعاملها مع الحكومة الاتحادية في بغداد منذ 2003. وهي تعتمد ذات المنهجية اليوم تجاه الحكومة الاتحادية والمحيطين الإقليمي والدولي، وما موضوع الاستفتاء إلّا لغرض تحقيق تلك المصالح وانتزاعها من الحكومة الاتحادية وضمانها إقليمياً ودولياً.

مؤكد أنّ القيادة الكردية لديها قراءة حول طبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية على أقل تقدير لاسيما طبيعة المخاوف التركية والإيرانية من وجود دولة كردية في شمال العراق الأمر الذي قد يزيد من وتيرة النزعة الكردية تجاه نظام الحكم في تركيا. وليس خافياً كيف تتعاطى أنقرة مع أكراد سوريا في الشمال والعمليات التي قامت بها في منطقة الباب فيما سمي بعملية "درع الفرات". وكذلك الحال مع إيران التي يوجد فيها ملايين الأكراد ولهم أحزاب سياسية تعتقد الإدارة الإيرانية أنّها ترتبط بعلاقات دعم مع حكومة إقليم كردستان العراق. إذ سبق وأن قُتل ضابط برتبة عميد في الحرس الثوري في شمال إيران. وتتكرر العمليات العسكرية ضد القوات الإيرانية من قبل حزب "بيجاك" الذي يعتبر أيديولوجيا وتنظيميا امتداداً لحزب العمال الكردستاني "ب ك ك" في تركيا، ويتواجد على المثلث الحدودي بين إيران والعراق وفي داخل إقليم كردستان العراق.

كذلك تدرك القيادة الكردية أنّ الأولوية لدى المجتمع الدولي وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي هو القضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في إطار التحالف الدولي، وأنّه لابدّ من تعاون الأطراف في العراق على الخلاص من تلك التنظيمات الإرهابية. وعلى هذا الأساس تقدّم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المساعدات العسكرية والاستشارة والتدريب والمساعدات الإنسانية للحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم لتحقيق هذا الغرض.

وفيما يخص مرحلة ما بعد الاستفتاء واستقلال الإقليم، تدرك القيادة الكردية أنّ الدولة الكردية، إذا ما تشكلت، فإنّها ستعاني من مشكلة الاعتراف الإقليمي بها، وهذا ما يترتب عليه تحديات سياسية واقتصادية ليس أقلها انعدام التعامل معها كدولة وفقاً لقواعد القانون الدولي، وصعوبة توفر منفذ لتصدير مواردها النفطية وهي بلا شك المصدر الوحيد لإيرادات الموازنة فيها.

ومما تقدّم يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: إذا كانت القيادة الكردية تتوافر على هكذا قراءة واقعية لطبيعة الأوضاع التي يمر بها العراق والمنطقة، فلماذا هذا الإصرار على إجراء الاستفتاء في 25 أيلول 2017 والإصرار على إجراءه في موعده؟

تعاني القيادة الكردية من أزمات ومشاكل داخلية على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالدرجة الأساس. سياسياً، تعاني القيادة الكردية من أزمة شرعية كبيرة بعد انتهاء مدة حكم مسعود البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهذا الأمر سبب أزمة تناحر بين الأطراف الكردية وأصبح أحد أطرافها هو الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني الحليف الأقرب للحزب الديمقراطي الكردستاني. وكذلك تصاعد التوتر مع حركة التغيير وبما يهدد التحالف بين حركة التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني.

اقتصادياً، يعاني الإقليم من أزمة مالية انعكست بشكل سلبي ومباشر على حياة المواطنين وأسفرت عن انخفاض مدخولاتهم بسبب عدم القدرة على دفع المرتبات الشهرية. وإذا كانت القيادة الكردية تتحجج ببغداد وانخفاض أسعار النفط إلّا أنّ السكّان يلاحظون انعدام الشفافية في إيرادات الإقليم ونفقاته، وكذلك رفاهية المقرّبين من الحزب الحاكم وهذا ما سبب ضجر واسع دفع الكثير من السكّان إلى الهجرة خارج الإقليم. وطبيعي أمام تلك الأزمات يسعى القائمون على السلطة إلى أبعاد الرأي العام الداخلي عن الأزمات الداخلية بافتعال قضايا أخرى وآخرها هي قضية الاستفتاء بعد افتعال أزمات الاتفاق مع الحكومة الاتحادية حول تصدير النفط ورواتب موظفي الإقليم والبيشمركة والمناطق المتنازع عليها وديون الشركات النفطية وغيرها.

وفي ضوء ذلك، أيقنت القيادة الكردية أن نفض غبار تلك الأزمات والإشكاليات وتحقيق مآربها يتطلب وضع حد أعلى لسقف المطالب وبالشكل الذي يثير الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لكسب ضغط تلك الأطراف - وانطلاقا من مصالحهم ومخاوفهم من استقلال الإقليم - على الحكومة الاتحادية للاستجابة لطلبات الإقليم لتجاوز هذه المرحلة العصيبة التي باتت تشكّل خطر وجودي يخيم على نظام الحكم الذي تمتع به الإقليم منذ عام 1992 وتعزز أكثر بعد 2003.

ويؤكد صحفي كردي "أنّ هناك حالة من الانقطاع الكامل بين الحاكمين والمحكومين في كردستان، فكبار المسؤولين يعيشون في عالم منفصل تماماً عن عالم الناس. ذلك الانقطاع بقدر ما يهدد مستقبلاً بوقوع أزمات وكوارث سياسية واجتماعية، بقدر ما يهدد مستقبل الأحزاب الحالية ذاتها". مضيفاً "أنّ صراع الأجنحة يتواصل، قادة يتعرضون للمحاسبة والعقوبة، وآخرون للتهديد، والقاعدة غاضبة من القيادة وتطالب بالتصحيح قبل فوات الأوان. والجميع يحذّر من هزيمة انتخابية مدوية إذا لم تعالج الأمور، وهذه المرة لن يكون هناك منقذ خارجي".

وجاءت تصريحات الخارجية التركية لتصبّ بمصلحة الإقليم حينما دعت الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى الحوار للخروج بتوافق لحل المشاكل بينهما، إلّا أنّها لازالت لا تحقق طموحات الإقليم. ومع ذلك، وبعد الموقف الثابت للحكومة العراقية بعدم دستورية الاستفتاء، شكّلت قيادة الإقليم وفدا من لجنة إجراء الاستفتاء لزيارة بغداد واللقاء مع الأطراف السياسية والدينية. وطرح الوفد الكردي في بغداد إمكانية تأجيل الاستفتاء إذا ما ساعدت الحكومة الاتحادية الإقليم على تخطي أزمته المالية وتسوية ديون مستحقه على حكومته.

وهذا ما صرّح به القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ملا بختيار لوكالة رويترز:

"الكرد قد يدرسون احتمال تأجيل الاستفتاء على الاستقلال مقابل تنازلات مالية وسياسية من الحكومة المركزية في بغداد كبديل لتأجيل الاستفتاء وإنّ بغداد مستعدة أن تحقق أي شيء للإقليم... على بغداد أن تكون مستعدة لمساعدة الكرد على تخطي أزمة مالية وتسوية ديون مستحقة على حكومتهم... وعلى الصعيد السياسي على بغداد الالتزام بالموافقة على تسوية مسألة المناطق المتنازع عليها مثل منطقة كركوك". مؤكداً "أنّ الوفد الكردي سينقل المقترحات التي سيتلقاها إلى الأحزاب السياسية الكردية لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت كافية لتبرر تأجيل الاستفتاء". وقدر ملا بختيار حجم تلك الديون بما يتراوح بين 10 و12 مليار دولار بما يساوي تقريبا الميزانية السنوية لكردستان وهي ديون مستحقة لمقاولين نفّذوا أعمالاً عامّة وموظفين حكوميين ومقاتلين من البيشمركة لم تصرف رواتبهم كاملة منذ شهور. وأكّد ملا بختيار أنّ الوفد الكردستاني تساءل خلال اجتماعاته مع الأطراف السياسية في بغداد "هل لديكم أي بديل آخر لضمان حقوقنا؟ عندئذ سنكون على استعداد لدراسة مسألة تأجيل الاستفتاء... أي بديل قد يقدم إلينا، لا يحتوي على المادّة 140، وحل مسألة ميزانية ورواتب الموظفين، فنحن لن نعترف به، وسنعتبره مؤامرة تحاك ضدنا". كذلك تتكرر التصريحات الكردية حول ماهية الضمانات الدولية لتحصيل مصالح الإقليم مقابل تأجيل الاستفتاء.

لذا لابدّ من توافر الأطراف المحلية ولاسيما الحكومة الاتحادية على متابعة جدية لطبيعة المرحلة التي يمر بها الإقليم، وتطورات المواقف حول الاستفتاء لدى الأطراف السياسية في الإقليم. ويبدو أنّ تلك المتابعة موجودة وهي ما شكّلت المواقف المحلية التي واجهها الوفد الكردي والتي في جلّها رافضة للاستفتاء واستقلال الإقليم وخطورة الإجراء على الدولة العراقية.

تحتاج الحكومة الاتحادية إلى الاستمرار بالتعامل مع الإقليم وفقاً للدستور وأن تهيئ الرأي العام الكردي إلى ضرورة تراجع الإقليم عن سياساته الحالية وأن يؤمن بأنّ موارد البلاد في أي محافظة أو إقليم هي للبلاد ككلّ وبدون ذلك لن تتراجع الحكومة الاتحادية عن تعاملها مع الإقليم وستستمر بذات السياق وأنّ التهديد بالاستفتاء والإصرار على إجراءه لن يثني الحكومة عن تعاملها الجاري. كذلك نتوقع أن يكون هناك ضغط إقليمي ودولي على الحكومة قريب موعد الاستفتاء لتحقق مطالب الإقليم وهذا يحتاج إلى توضيح الأمر وإبعاد الشأن العراقي عن الضغوط والتدخلات الخارجية.

ارسال التعليق

Top