• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معالم النجاح بين الحوار والنقد

د.مازن صافي

معالم النجاح بين الحوار والنقد

مع تطوّر أجهزة الاتصال الإلكترونية الحديثة، ودخولها بقوّة في حياتنا، وتحوّلها إلى وسيلة تواصل أساسيه، تأثر مستوى التواصل الإنساني المباشر بكلّ ما يحمل من توظيف الكلمات ولغة الجسد ووسائل التعبير الأخرى، ومن هنا سجّلت الأبحاث والدراسات تغييب أو انحسار العلاقات الإنسانية وتأثر مستوى الحوار بين الأفراد، وحتى في طريقة استخدام المميزات المتاحة في تلك الأجهزة، يمكننا أن نقارن بين أن تصلك رسالة نصية بكلّ ما تحمل من دفء، ونفس الرسالة التي تصلك بواسطة الصوت، وبكلّ تأكيد أنّ للصوت ونبراته تأثير مضاعف وأقرب للقلب والقبول.

ومن الملاحظ أنّ أسلوب النقد عبر النقاش في مجموعات التواصل الاجتماعي أو حتى الحديث الفردي "المكتوب"، لا يرتقي إلى أسلوب النقد الحواري في الجلسات المباشرة والتي تظهر فيها تفاعلات مختلفة (كيمياء اللقاء الإنساني)، لهذا فكلّما اعتمدنا على النقد الكتابي في قضايا حساسة وجوهرية، كلّما تحوّل النقد إلى سلبي والحوار إلى جمود، لذلك فإنّ الانتقال إلى العمل الجماعي الفكري (الاجتماع، اللقاء، الندوة، المؤتمر... إلخ) كلّما أدركنا مكامن التباين في الآراء واستطعنا أن نذهب للتشخيص بدقة والبدء في المعالجة، ونقارن بين الآليات والأدوات المستخدمة.

لكي ينجح الحوار (المحادثة)، لابدّ من إيجابية الخطاب المتبادل، وإبداء الرغبات الصادقة في التواصل الإنساني بما يحمل من مشاعر واتفاق أو اختلاف يقصد به المعالجة، وكلّما كانت ظروف الحوار صالحة وسليمة، كلّما كان النقد البنَّاء في أعلى مستوياته، وأكثر مرونة وأقل تصلباً وجموداً، وبل يمكننا مباشرة تعريف النقد الإيجابي من خلال الأسلوب وعرض الحالة والتعمّق فيها، والوصول إلى تلك الدوافع الشخصية أو المهنية، والفهم العميق والرغبة الصادقة في التحسين والإصلاح، والابتعاد عن الإيذاء والتشهير والتحريض، أورفض الأفكار لمجرد رفضها، ومن هنا فالحوار يفسّر طبيعة الآخرين يُنبئ عن شخصية وسيكولوجية الناقد ودوافع، فالحوار كما النقد هو نهج علمي يمكن تدرسيه وتطويره، وتلعب الفطرة الإنسانية والمهارات الفردية عامل إيجابي مؤثّر في كلّ منهما.

وكما في الأجهزة الإلكترونية برامج لها خصائص، فإنّ للحوار خصائص يمكن بها أن نقرأ المعلومات الأصلية والأصيلة فيه، ونقرر أنّ الحوار مزوّر أو سليم، ونكتشف أسراره، ويتأثر الحوار بالنفس البشرية التي تتمتع بخصائص أودعها الله في الإنسان، وتتكشف مع التعامل (الدين المعاملة)، وتعتبر ثقافة الحوار عامل مؤثر في النجاح، وهذه الثقافة لها سمات خاصة بها، وهي نتاج موروث شخصي أو مجتمعي أو تأثير فردي أو تنظيمي، وهناك فروق واضحة بين التعبئة والثقافة، فالأخيرة جزء أو رافد من الهوية، أمّا التعبئة فهي جزء من الجهد المبذول للوصول إلى الثقافة وبالتالي تدعيم وتعزيز أركان الهوية، فلا حوار ناجح بلا ثقافة البناء، ولا بناء حقيقي بلا تعبئة فردية أو جماعية.

الحوار بحاجة إلى التغذية الراجعة، وهذه التغذية هي مواد النقد، سواء نقد الفكرة أو الهدف أو الأدوات أو الأسلوب أو الأشخاص، وهذه التغذية تحتاج إلى التحسين والتقييم، والتغذية الراجعة تثبت دائماً أنّ الإنسان لا يمكنه أن يكتفي ذاتياً بالمعرفة أو الرأي الفردي، لأنّ كلّ إنسان بحاجة إلى الآخرين وإلى أشياء بوسعهم تقديمها له، وهذه هي (الاحتياجات) وكما للحوار آليات، والحقيقة تقول إنّه لا يوجد سوى آليات ثلاث أساسية يتم بها تعاملنا مع غيرنا من الآخرين وهي أوّلاً: استخدام القوّة أوالتهديد أو الترهيب أو الخداع (أسلوب المجرمين)، وثانياً: تسوّل العلاقات الإنسانية، وثالثاً:  التبادل الإيجابي في التعاملات مع الآخرين على قاعدة أن تفيد وتستفيد، وأن تأخذ وتعطي (وهي الآلية المطلوبة).

ارسال التعليق

Top