◄قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور/ 30-31). لا شكّ أنّ الحواس من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسان والتي لولاها لكانت الحياة شبه مستحيلة، إلّا أنّ هذه الحواس هي كذلك مسؤولية كبرى على عاتق الإنسان ليحسن استخدامها ويجعلها طريقاً إلى الجنّة والرضوان لا إلى العذاب والشقاء، ومن أهمّ هذه الحواس حاسّة البصر التي أمرنا الله أن نؤدّي حقها وذلك بأن نغضّ أبصارنا عن حرامه. ويعتبر غضّ البصر اليوم من أشدّ الأمور التي تحتاج للكثير من الورع نظراً لتفشّي أشكال المحرّمات حول الإنسان في كلّ مكان.
إطلاع الله على خائنة الأعين: قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19). عن الإمام عليّ (ع): "قسم أرزاقهم، وأحصى أثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم، وخائنة أعينهم، وما تخفي صدورهم من الضمير". فالله محيط بكلّ شيء ومطّلعٌ على أدقّ التفاصيل التي تصدر من الإنسان يحصيها ويسجّلها كرام كاتبون لا تفوتهم كبيرة ولا صغيرة.
مَن ملأ عينه من حرام: وشدّدت الشريعة على حرمة النظر المحرّم الذي يرجو فيه المرء لنفسه ما حُرّم عليه وتوعّدته بأشدّ العذاب، فعن رسول الله (ص): "مَن ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيام من النار، إلّا أن يتوب ويرجع". وفي رواية أنّ هذا الغضب موجب لغضب الله وسخطه، فعنه (ص): "اشتدّ غضب الله عزّ وجلّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها".
غضّ البصر وحلاوة العبادة: وكما شدّدت الشريعة على معاقبة مَن يمدّ بصره إلى الحرام فإنّها وعدت مَن يغضّون أبصارهم رضىً لله بحسن الثواب في الدنيا والآخرة، فعن رسول الله (ص): "ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه". وعنه (ص): "النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه". عن الإمام الصادق (ع): "مَن نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتدّ إليه بصره، حتى يزوجه الله من الحور العين".
النظرة الأولى خطأ والثانية عمد: عن رسول الله (ص) – لعليّ (ع) –: "يا عليّ لك أوّل نظرة، والثانية عليك". وعنه (ص): "لا تتبع النظرة النظرة، لك الأولى وعليك الآخرة". وعن الإمام الصادق (ع): "النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة". وإذا كانت النظرة الثانية محرّمة فمعنى ذلك أنّ الشيطان مختبىء بين النظرتين وأنّه سرعان ما يدخل الشيطان بين الناظر والمنظور إليه.
ما يستعان به على غضّ البصر: لا شكّ أنّ عفاف المجتمع وعدم ظهور الأشكال والصور المحرّمة من الإعلانات والدعايات والإغراءات يساهم مساهمة كبرى في حفظ المجتمع وعدم انزلاق الرجال والنساء في مزالق السوء، كما أنّ غضّ البصر يحتاج كذلك لرادعٍ من نفس الإنسان يعصمه عن ذلك. قال تعالى حكايةً عن لسان يوسف (ع): (وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف/ 33). عن الإمام الصادق (ع): "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال". وسُئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع): "بما يستعان على غض البصر"؟ فقال: بالخمود تحت سلطان المطلع على سترك". الإمام عليّ (ع) – في صفة الراغبين في الله سبحانه بعد ذكر أصناف أهل الدنيا –: "وبقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر". وقال (ع) في وصف المتّقين: "غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم".►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق