• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فقدان التركيز في العمل

فقدان التركيز في العمل
◄يعاني البعض من انخفاض إنتاجيته في العمل وانحدار كفاءة أدائه على الرغم من التزامه بجدول زمني لتنظيم وقته في العمل وعدم السماح للمقاطعات والمداخلات والحوارات الجانبية الطويلة أن تفرض نفسها عليه، لكنه يعاني من المقاطعات والمداخلات والحوارات الجانبية القصيرة التي تأتي من زملاء العمل أو المكالمات الهاتفية على سبيل المثال فتفقده التركيز اللازم لمتابعة عمله. وتراه نتيجة لذلك يستهلك بعض الوقت – غير المدرج على جدوله الزمني الذي يعمل بموجبه – لاستعادة تركيزه من جديد ومن ثمّ العودة إلى وتيرة الأداء الكفء والإنتاجية العالية.

وبلغة الأرقام، فإنّ الدراسات الميدانية تثبت أنّ العمل بتركيز ثابت طوال فترة تعادل 80% من الوقت الإجمالي للعمل يعطي أعلى مقدار من الإنتاجية ويحقق أعلى معدلات الكفاءة في الأداء، في حين أنّ العمل بتركيز ثابت خلال نصف العدد الإجمالي لساعات العمل يقدم إنتاجية أقل بطبيعة الحال ولكن يحقق معدلات مقاربة لكفاءة الأداء نسبة للساعات التي يكون فيها التركيز ثابتاً (وهي نصف ساعات العمل). وهنا تبرز أهمية التركيز وخطورة فقدانه أثناء العمل. كما أثبتت هذه الدراسات أن فقدان التركيز لأسباب خارجة عن إرادة الموظف يهدر حوالي 10% من الوقت المخصص للعمل في محاولة استعادة التركيز المفقود، وعليه فمن أصل ثماني ساعات كاملة، فإنّ هنالك ضياع لأربع وعشرين دقيقة لاستعادة التركيز المفقود على فرض حدوث مقاطعة واحدة في ساعة العمل الواحدة، ولك أن تحسب مقدار ما يضيع من الوقت بسبب ذلك على مدى الأسبوع الواحد والشهر الواحد والسنة الواحدة!!!

من بين الحلول التي يمكن أن تساعد في تجنب حالات فقدان التركيز أثناء سير العمل هو تخصيص أوقات محددة للحديث مع الزملاء ومناقشة المواضيع التي يرونها ضرورية ضمن سياق العمل حتى وإن بدت غير مدرجة على سلم أولوياتك في العمل، كأن تخصص نصف ساعة يومياً وتدرجها على جدول أعمالك وتعلن ذلك لزملائك ورؤسائك في العمل، وبذلك تسمح للمقاطعات والمداخلات والحوارات الجانبية أن تقع خلال هذا الوقت حصراً. ومن الطبيعي إلا يكون هذا الوقت ضمن فترات الراحة أو تناول الغداء لأن ما ستتم مناقشته فيه يهم مصلحة العمل – حتى وإن كان ذلك من وجهة نظر زملائك لا وجهة نظرك أنت – وأنك لم تقتطع هذا الوقت إلا من أجل العمل لاحتمال أن تقتنع لاحقاً بأهمية ما ستتم مناقشته فتجد نفسك راغباً بإدراجه على سلم أولوياتك أو غير راغب بذلك.

تتجلى أهمية التركيز وفقدانه لدى الطلبة الدارسين في مختلف المراحل الدراسية، فالغالبية العظمى منهم تتفق على أن هنالك أوقات للتركيز العالي والصفاء الذهني تغني المذاكرة والدراسة فيها عن أوقات أطول منها من المذاكرة والدراسة من غير تركيز. وبالتالي، فإن على الطلبة تحديد أوقات التركيز العالي والصفاء الذهني لديهم ليكثفوا من جهودهم فيها ويستثمروا الأوقات التي يقل فيها التركيز في أداء مهام أخرى كالكتابة وحل أو نسخ الواجبات البيتية وإعداد التقارير المختبرية وما إلى ذلك من الواجبات التي لا تتطلب تركيزاً عالياً كما هي المراجعة أو الاختبارات. بناء على ذلك، فإن تحديد مثل هذه الأوقات وتصنيفها يمثل أحد أوجه تنظيم الوقت وإدارته وهي مهارة إذا اعتادها الطلبة في المراحل الدراسية فإنها سترافقهم في حياتهم بمختلف تفاصيلها وجوانبها.

وهنا يأتي دور الآباء في تعزيز هذه المهارة (أي مهارة تنظيم الوقت) لدى الأبناء من خلال التعرف على أوقات التركيز العالي والصفاء الذهني لديهم والعمل على إخلاء الساحة من الواجبات والمقاطعات التي قد يفرضونها على أبنائهم دون قصد، كالمساعدة في أعمال المنزل أو غسل السيارة أو أعمال الحديقة، أو أن يقتحموا أماكن تواجد أبنائهم للدراسة والمذاكرة يجالسونهم ويرفعون صوت التلفاز والاستماع لنشرات الأخبار أو متابعة مسلسل ما، وغير ذلك كثير من الأفعال غير المتعمدة التي قد توافق أوقات التركيز العالي لدى الأنباء وتضر بها.

يجب أن تتضمن خطة تنظيم الوقت، سواء لدى الطلبة أم الموظفين، أوقاتاً مناسبة لممارسة الرياضة والنشاطات الجسدية والفكرية التي من شأنها أن ترفع مستوى النشاط لدى الفرد وتزيل الخمول والكسل والتراخي الذي يرافق القيام بالمذاكرة غالباً أو الجلوس والاسترخاء لأوقات طويلة دون حراك أو فعالية ما. وقد يكون من الأفضل أن يتم تناول جرعات قصيرة ومتعددة من الحركات الرياضية والفعاليات التنشيطية على مدار اليوم لتنشيط الدورة الدموية والحث على هضم الطعام المتراكم في المعدة وبالتالي تزويد الجسم بالطاقة اللازمة لقيامه بنشاطاته المختلفة.

ويستحب أن تتضمن خطة تنظيم الوقت أيضاً أوقات معينة لتنشيط القدرة الذهنية لدى الفرد من خلال أداء بعض التمرينات الفكرية والذهنية، مثل الكلمات المتقاطعة والألغاز الرقمية وألعاب السؤال والجواب مثل "من سيربح المليون" و"وزنك ذهب" و"سيف المعرفة" وغيرها. فأداء مثل هذه التمرينات من شأنه أن يزيل الملل ويحث الدماغ على توظيف جميع المراكز الحسية فيه للمشاركة والتواصل مع الذاكرة وتحريك محتوياتها تحديثها لغرض استرجاع التهيؤ للحصول على التركيز والصفاء الذهني من جديد.

وقد نقع نحن أساتذة الجامعة في خطأ قاتل عند توجيه طلبتنا نحو الأسلوب الأمثل في الدراسة والمذاكرة، فننصحهم بتبني أسلوب المذاكرة التقليدية الذي يعتمد على ملء الدماغ بالمعلومات وحشوه بالمادة الدراسية ليتم استذكار ذلك في الامتحان. والحقيقة أن تجربتي الشخصية في هذا الشأن تتلخص بما يلي. عندما كنت طالباً في المرحلة الجامعية، لم أكن أقضي ساعات طويلة بالمذاكرة لكنني كنت أركز بشكل عالي داخل المحاضرة وأنصت لكلام الأستاذ بشكل جيد وأدون الملاحظات وأتفاعل معه قدر الممكن وأسعى لفك رموز المادة المقدمة من خلال طرح الأسئلة واستلام الأجوبة من الأستاذ، فإذا انقضى وقت المحاضرة سعيت لممارسة نشاطات أخرى كالرياضة وكتابة الشعر والتواصل مع الزملاء لحين موعد المحاضرة التالية. فإذا حان موعد أداء الامتحانات انتقلت إلى مرحلة المذاكرة المركزة والمكثفة مع استحضار كلّ ما دار في المحاضرة وتوظيفه لخدمة الهدف من أداء الامتحان. وأعتقد أنني تمكنت من خلال هذا الأسلوب من الحصول على علامات جيدة مكنتني من مواصلة الدراسات العليا حتى أصبحت أستاذاً جامعياً منذ سنوات عديدة.

ومع ذلك، فإنني لا أجازف اليوم بحث طلبتي على تبني نفس أسلوبي بالدراسة والمذاكرة خشية إلا يؤتي ثماره كما كان الحال معي، فأكون قد أضررت بهم من حيث أردت أن أنفعهم، بل إنني أحيلهم إلى الأسلوب التقليدي رغم تحفظي عليه، ما يعني اضطراري لتقديم المحاضرة بالنمط التقليدي أيضاً من أجل أن يلائم نمطهم في الدراسة والمذاكرة!!! ►

 

المصدر: كتاب مهارات إدارة وتنظيم الوقت

ارسال التعليق

Top