وفي برنامج دولي عن (استراتيجية الإدارة) للمدراء التنفيذيين، عُقِدَ في بيروت وكان الموضوع المختار هو (الملامح الأخلاقية للإدارة). عندما بدأ المتحدث بطرح هذا السؤال: ما هو دور الأخلاق في الإدارة؟
وكان الحاضرون يزيدون عن ثلاثين مُشاركاً، قد لاذوا بالصمت! وبعدها جاءت الإجابة بعد تأمّل طويل لقد ضحكوا!..
وعندما نتكلّم عن دور الأخلاق في الإدارة، فإنّ هذا المفهوم يتضمّن اختلافاً نوعاً ما عن مبدأ التضحية السلبية المجردة وإن كانت التضحية لا تُستبعَدْ كعامل مشارك.. ولكن المفهوم الأخلاقي أشمل وأوسع من أن يكون عاملاً خلقياً واحداً فقط.. أنّه خط عام في العمل..
فالإدارة، والنوايا الحسنة، والتصميم، والتطبيق.. قد لا تكفي وحدها، إنما هناك عنصر عظيم الأهمية.. وهو الاستعداد الخلقي. فالإدارة والقدرة على الإقناع.. والمؤهلات والتصميم.. تزيد فاعليتها متى كان الاندفاع الداخلي (الخلقي) مؤيِّداً لها..
الاندفاع الداخلي يأتي عن قناعتك أنت قبل إقناعك للشخص المقابل.. قناعتك بأنّ المبدأ أو الخط العملي الذي تريد الغير أن يقوم به ويُنفِّذه، هو أمر صحيح.. فالبائع المؤمن بسلعته وجودتها وفائدتها يعرضها بإيمان وقناعة، ويجيد العرض، ويتمكّن بسهولة من إقناع الزبائن وتقريبها للقلوب..
يصحُ ذلك عندما يلقي الإداري خطبته، فهو إن دعا إلى أمر يؤمن به أجاده وأبدع فيه.. ودافع عنه بقوّة إقناع ناجحة.. لأنّه كان صادقاً بما يدعو إليه.. والإدارة الصافية، الاستقامة، الصدق والمحبة.. هي أنواع من الاستعداد الخلقي التي لا غنى للإدارة عنها.
إنّ الأخلاق فضاء واسع، وليست بُعداً واحداً مغلقاً، واقتنائها تراث عظيم مبني على القيم الروحية التي لا ينضب معينها أبداً..
إنّ المدير الناجح، لا يكفيه أن يكون مُلِمّاً بأبجديات إدارته التقنية.. وامتلاكه مؤهلاتها.. إنّها هناك عامل كبير جدّاً، يأتي ترتيبه في أولويات الشخصية الناجحة.. هو امتلاكه لتلك اللمسة العظيمة التي توازي المتطلبات الأخرى مجتمعة، ألا وهي: الروح الإنسانية.. التي لابدّ من تغليبها على ما سواها.. وبالقدر الذي لا يسئ إلى مهام عمله ولا يفرّط به.. قدرته على التعامل بالأسلوب الإنساني.. والذي يتمثله أمامه دائماً أثناء تطبيق العقاب.. بما يصونه من الانزلاق نحو القسوة.. بما يجعل العقاب العادل من أجل الإصلاح والتقويم والتطوير لا من أجل الانتقام السلبي.. أو التَشفّي عند اكتشاف الأخطاء أو المخالفات التي يقع فيها العاملون أثناء اجتهادهم لتأدية واجباتهم.. بشكل قد يُنجِم عن ضعف في التقدير أو الفهم.. أو نتيجة العيوب والميول الخاطئة ومُركّبات الضعف في الطبيعة البشرية.. إذ أنّ الإنسان ما هو إلّا مجموعة من المشاعر والانفعالات والغرائز التي تجنح نحو الخطأ وهي تسعى في نشاطها اليومي لتحقيق وإشباع حاجاتها بحوافز مختلفة.. وأن يكون مبدأه دائماً:
"إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك"
وفي هذا المجال لا حاجة للتوسُّع في تفاصيل عن المبدأ الأخلاقي ومعوقاته إذ ليس هناك مجال في بحثنا هذا، زد على ذلك أنّ كلّ مثقف ومتعلم مهما اختلفت المستويات، على دراية مرضية واطّلاع يفي بالغرض حول ذلك، ولكن يهمنا أن نضع نقاطاً وعناوين تخصُّ الإدارة، بما يقتضيه سياق الموضوع.
- قيمة الرجل تُعرَفْ بما يعطيه وليس بما يأخذه:
إنّ الحياة أخذ وعطاء، وكذلك العمل، وبالذات العمل الإداري.
يقوم مجموع العاملين في المؤسسة.. بتقديم جهدهم اليومي، سواء كان دوامهم ينتهي بعد الظهر، أو حتى المساء، مكرَّسين كلّ ما لديهم من طاقة ذهنية، أو عضليّة.. في أداء أعمالهم المناطة بهم من قبل الإدارة.. لقاء أجور مادية متفق عليها.. وليس مجالنا هنا لمناقشة قيمة هذه الأجور.. وإن كان الأجدى أن تكون مجزية.. ولكن هناك مقابل آخر ينتظره الموظّف والعامل المرؤوس.. إنّه المعاملة اليومية، الأسلوب الأخلاقي.. بحيث يشعر بحدّ معقول بأنّه إنسان.. وليس آلة مسخّرة مستأجرة.. وهنا يكمن عطاء الرئيس والإدارة.. الإدارة التي تعرف كيف تتعامل بأخلاق وإنسانية معقولة.. والمدير الذي يعمل على تشجيع العمل بروح الفريق الواحد..
- الاستقامة والإخلاص لروح الفريق الواحد تجعل العاملين صفّاً جماعياً واحداً خلف إدارته، يوحّد ثقتهم بإدارتهم واستقامتها. والثقة بالإدارة عامل أساسي للحماس المستمر أثناء العمل. وليس هناك عاملاً بأهمية ثقة العاملين بأنّ مديرهم يعمل من أجلهم بنفس الروح التي يعمل بها من أجل نجاح المشروع وهو يجلس في قاعة اجتماعات الإدارة العليا..
- الصراحة عامل آخر من عوامل الدور الأخلاقي في الإدارة.. إذ أنّه يجعل فريق العمل يتصرّف بشكل معلن، مفتوح مع بعضهم البعض وليس فقط مع مديرهم أو الإدارة العليا، ممّا لا يدع مجالاً لتنامي الروح التآمرية والتصرُّف بوجهين، ويخفّف من إثارة المشاكل والقضاء على روح التذمّر ويقطع الطريق على نموّ الطفيليات وخلق العقبات أمام الإدارة.. كما يرفع من حسن سمعتها وثقة العاملين بها.
- المشاركة الوجدانية: أن يكون المدير ممثِّلاً لإدارته بشكل يُبرز الجانب الوجداني للمشاركة مع العاملين في هموم عملهم وشؤونهم اليومية العامة والخاصة.. أي الاحتفاظ بروحية الاتصال التي تقام على جسور من الثقة المتبادلة.. بمهارة قيادية سامية.. كأسرة موحدة عاملة باتجاه أهداف مشتركة وبنفس الحماس.►
المصدر: كتاب المدير الناجح والتخطيط الإداري الفعّال
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق