• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لماذا يستمتع البعض بمشاهدة أفلام الرعب؟

لماذا يستمتع البعض بمشاهدة أفلام الرعب؟

سواء أكنت من عشّاق الخوف والمخاطرة أم لا، نقدم لك هنا الجواب عن هذا السؤال من وجهة نظر سيكولوجية.
مَن منّا لم يعرف الإحساس بالرعب؟ حيث تتسارع نبضات القلب وتتلاحق الأنفاس، ويقشعر البدن، وقد يتصبّب المرء عرقاً. وسواء نتج هذا الإحساس عن مشاهدة فيلم رعب، أم تَعطّل سيارتك في طريق فرعي في غابة مظلمة، أم عن دخولك ليلاً لإستكشاف منزل مهجور، فعليك أن تعلمي أنّ هناك أشخاصاً مستعدين لفعل المستحيل لكي يحظوا بهذا الإحساس. هل تعرفين أنّ هناك أشخاصاً ينامون على رصيف السينما، لكي يكونوا أوّل مَن يشاهد أفلام الرعب عند نزولها إلى الصالات؟ وأنّ هناك مَن يدفع مبالغ إضافية لكي يحصل على كل جديد من الروايات المرعبة؟ وأن هناك مَن يسافر إلى بلدان بعيدة لكي يرمي بنفسه من أعلى جسر عالٍ لا يؤمّنه من الإرتطام بالأرض سوى حبل مطاطي؟ كل هذا لكي يحبسوا أنفاسهم ويتسارع نبضهم ويستمتعوا بالشعور بالرعب.
طبعاً، من بيننا الكثيرون ممّن يمكن أن يفقدوا الشهية لتناول عشائهم إذا رأوا مشهداً واحداً من فيلم رعب دموي على شاشة التلفزيون، وهؤلاء يستغربون كيف يمكن أن يستمتع إنسان بمشاهد أفلام، مبنية بالكامل على مشاهد القتل وتقطيع الأوصال والدماء، أو بأطياف الأشباح الرهيبة المخيفة، أو الأرواح الشرّيرة التي عادت من العالم الآخَر، أو مصاصي الدماء المتوحشين؟ كيف يمكنهم أن يجروا لاهثين لمشاهدة مثل هذه الأشياء الرهيبة؟ أمّا الخبراء والعلماء، فلهم رأي آخر، حيث يقولون إنّه ليس أمراً نادراً، أن نجد بعض الناس يحبون أن يذهبوا إلى أبعَد حَد في إستقصاء درجات الرعب، تدفعهم إلى ذلك رغبتهم الفوضولية في معرفة إلى أي حد يمكن أن يصل إحتمالهم، الإحساس بالخوف، وطمعهم في الإستمتاع بشعور الرضا، الذي يحصلون عليه بعد نهاية الفيلم أو المغامرة، عندما يتأكدون أنهم نجحوا في تحمُّل ذلك الإحساس الرهيب؟
- إستكشاف الجانب المظلم:
ما المتعة التي يجدها الناس في الإحساس بالرعب، الذي يُصاحب القصص المليئة بالشر؟
يقول الدكتور فرانك فارلي، الحاصل على الدكتوراه في السيكولوجيا: "هناك تاريخ طويل للأشخاص الذين أبدوا فضولاً كبيراً للإقتراب من مناطق الرعب. فمن خلال مُشاهدة أفلام الرعب، يمكننا أن نرى الرعب أمام أعيننا، فبعض الناس يُعجبون جدّاً بهذا لأنّهم مهتمون بكل ما هو غير طبيعي وكل ما هو غريب، هم معجبون بكل ما هم عاجزون عن فهمه، وكل ما هو مختلف عن حياتهم اليومية".
لأكثر من عقْدين من الزمن، درس الدكتور غلين سباركس، الحاصل على الدكتوراه في السيكولوجيا، الطريقة التي يتجاوب بها كل من النساء والرجال والأطفال مع الصور المروّعة التي تبثها وسائل الإعلام المرئية بشتّى أنواعها، وهو يقول: "هناك حاجة لدى بعض الناس إلى تعريض أنفسهم لأحاسيس مختلفة، تكسر الروتين الذي يعيشونه دائماً. صحيح أن مشاهدة فيلم رعب، يمكن أن يكون لها بعض السلبيات في نظر بعض الناس، إلا أنّ هناك أناساً آخرين يسعدهم أن يشاهدوا فيلم رعب، لأنّه يجعلهم يعيشون أحاسيس جديدة، مختلفة عن الأحاسيس العادية التي يعيشها الآخرون".
وقد أثبتت دراسات عديدة، أنّ الذكور يحبون مشاهدة أفلام الرعب، أكثر بكثير مما تحب ذلك النساء. ويقول الدكتور سباركس، في "جامعة سباركس": "هم لا يحبون أن يشعروا بالرعب بقدر ما يبحثون عن الإحساس بالرضا الذي يشعرون به، عندما يقولون لأنفسهم ولأصدقائهم: لقد نجحنا في غزو، بل السيطرة على مجال، كان مخيفاً بالنسبة إلينا، فهم يستمتعون بإحساس أنّهم اخترقوا حاجز الخوف". يضيف الدكتور سباركس: "ومن الشائع جدّاً، أن تجد، بعد إنتهاء فيلم رعب، شخصاً يخرُج من السينما وهو يبتسم، يملؤه إحساس بالراحة والزهو، ويكون سعيداً جدّاً بأنّه استطاع أن يُتم الفيلم إلى نهايته".
- الباحثون عن الرعب:
درس الدكتور فارلي، الذي شغل لسنوات منصب رئيس "الجمعية الأميركية للسيكولوجيا"، أشخاصاً سمّاهم "شخصيات باحثة عن الرعب". هؤلاء النساء والرجال يلهثون وراء فرصة تتيح لهم خوض تجربة تتسم بالمخاطرة القصوى، من خلال قيامهم بأنشطة يعتبرها الناس الآخرون أنشطة مخيفة تقشعر لها الأبدان، مثل ركوب القطارات الصاروخية في مدينة الملاهي، القفز من الأماكن عالية بحزام مطاطي وغيرهما. ويقول الدكتور فارلي: "سيخبرك أولئك الذين يقفزون من الطائرة بالمظلات، أنّ ما يدفعهم إلى أقصى درجات المغامرة، هو مزيج من الرعب والخوف والإثارة". وحسب الدكتور فارلي، فإن "بعض الناس يستمتعون كثيراً حتى بالتغيرات الفيزيولوجية التي تطرأ على أجسامهم، عندما يقومون بأعمال تنطوي على مخاطرة أو إحساس بالخوف، مثل إرتفاع الـ"أدرينالين" في الدم وسرعة نبضات القلب ونوبات العرق". وتَوصَّل الدكتور فارلي، من خلال دراساته المستفيضة على الناس، الذين يلهثون وراء الشعور بالخوف، إلى أنّه " ليس هناك، تقريباً، أي نشاط آخر، بما في ذلك ممارسة العلاقة الحميمة، قادر على تنشيط الجسم بهذا الشكل، ومنحه هذه الأحاسيس العالية والإستثنائية".
- الـ "هالوين" والأطفال:
وبالنسبة إلى الأطفال في أميركا، يشكل عيد الـ"هالوين" فرصة ممتعة وآمنة، لكي يختبروا الإحساس بالرعب، وهم يعتقدون أنّ الساحرات الشريرات والأطياف المرعبة تزور أحياءهم. في هذا الصدد يصف الدكتور ليون رابوبورت، الدكتور في السيكولوجيا، عيد الـ"هالوين"، بأنّه "أقرب ما يكون إلى رقْيَة لطرد الأرواح الشريرة، تسمح للأطفال بأن يتخلصوا من الإحساس بالخوف والقلق". ويقول: "إنها فرصة تُعطَى للأطفال لكي يُعبّروا، ولو عن القلق السطحي لديهم من كل ما هو سحري، على الرغم من أنّ هذا بالنسبة إلى مخيّلة الطفل الواسعة لا يُعتبر شيئاً غريباً عنه. بالتالي، فإنّ هذه التجربة تُقدّم للطفل راحة، لا تُقدّمها له أي تعويذة أو رقية ضد الأرواح الشريرة".
- أقصى الحدود:
هناك أشخاص يدفعهم حبهم إلى الشعور بالخوف، إلى أبعد من هذه بكثير، إنّهم أشخاص لا يُرضي طموحهم ركوب القطار الصاروخي، أو مشاهدة أفلام الرعب أو حتى القفز من الطائرة بالمظلة. لأجل هذه الفئة من الناس، ظهر في مدينة نيويورك الأميركية قبل سنوات، مستثمر صاحب مشروع فريد من نوعه، مُوجّه إلى الأشخاص الفريدين من نوعهم. يقدم صاحب هذه الشركة لزبائنه خدمة تأخذهم إلى أقصى مستويات الإثارة، إنّه يعرض عليهم أن يختطفهم، مقابل أن يدفعوا له ثمن خدمة الإختطاف المصمَّم على ذوق الزبون المخطوف. تُقدَّم هذه الخدمة حسب الطلب، مقابل مبلغ "تافه"، وهو ما يُعادل ألفاً وخمسمئة إلى أربعة آلاف دولار. مقابل هذا المبلغ، يمكنهم أن يخطفوك ويُقيدوك ويهددوك بالسلاح الأبيض أو بالمسدسات (يتوقف ذلك على رغبتك)، ويُكمّموا فمك وعينيك أيضاً، ويمكنهم أن يخفوك لساعات وربّما لأيّام في مكان مجهول، حتى تشعر بأكبر قدر من الرعب. تفاصيل الإختطاف لا يَعلَم بها الزبون مسبقاً، لكنه يعطي الشركة معلومات عن ميوله وأكثر الأشياء التي تُرعبه أو تُشعره بالإثارة، حتى يمكنهم وضع أكثر السيناريوهات تخويفاً للزبون، ليشعر بالرعب، ثمّ بالإرتياح لإجتيازه تجربة فريدة من نوعها. هذا المشروع، الذي أطلق في نيويورك بداية عام 2002، لم تَمضِ شهور على إطلاقه، حتى كان قد قدم خدمته لستة وثلاثين زبوناً وزبونة. كان الناس يُخطفون من موقف الباص أو من مركز التسوق، أو حتى من غرفة نومهم، ليَتم الزَّج بهم في المقعد الخلفي لسيارة مجهولة، وتكميم أفواههم وعيونهم، وأخذهم ليُحْبَسوا في منزل مهجور ومجهول المكان، وقد يُجرَّدون من ملابسهم وقد يتعرضون للضرب، وكل هذا بناء على اتّفاقهم مع الشركة.
والآن، فكّري، لقد نمَا هذا المشروع، وأصبحت له فروع عديدة في مدن كثيرة عبر العالم، فهل يا تُرى ستطلبين خدماته إن وجدتِ فرعاً قريباً من بيتك؟

ارسال التعليق

Top