أشار تقرير دولي أصدرته "منظمة الصحة العالمية" عام 2010، إلى أن أكثر من مليون و200 ألف شخص يُقدمون على الإنتحار في العالم سنوياً، وكشف التقرير أن أعمار الفئات المنتحرة تبدأ من 15 عاماً.
أرقام مذهلة، وحقائق كانت مستورة وراء مقاعد المدارس. لهذا، كان علينا الإقتراب، في محاولة للإستفسار، والسؤال عمّا يدور في عقول، من المفترَض أن تكون أبْعَد ما تكون عن التفكير في الإنتحار.
- رسالة إنتحار:
كثيرة هي الأشياء التي تحدث معنا، وقليلة هي التي تبقى، ولعل "رسالة الإنتحار" التي وجدتْها ميادة (موظفة) في يدها ذات يوم، من تلك الأشياء التي لم تُسقطها الذاكرة، على الرغم من مرور عشرين عاماً. وإذ تروي ميادة تفاصيل تلك الحكاية، تقول: "كنت في الصف الثامن، حين اقتربت مني زميلتي أثناء مغادرتنا المدرسة، وسلّمتني على عَجَل رسالة من دون ظرف، وطلبت مني أن أعطيها مُدرّسة اللغة الإنجليزية، صباح اليوم التالي". تضيف: "عندما سألتها عن محتوى الرسالة، لم تنطق بأكثر من كلمتين: "سأنتحر اليوم". تتابع: "بعد لحظات من الإرتباك، قررتُ أن أنقذ تلك الفتاة، فأمسكتها من يدها، واصطحبتها إلى إدارة المدرسة رغماً عنها". تتوقف ميادة عن الكلام لحظة ثمّ تُتابع: "كان عليّ أن أعرف يومها أن تلك الرسالة ليست إلا محاولة للفت الإنتباه، خاصة أنّها كانت بلا ظرف، أمّا محتواها فكان الآتي: "قررت أن أنتحر لأريحك يا معلمتي الجميلة مني، فامرأة في رقّتك وجَمالك لا تستحق طالبة مثلي في صفها". تضيف: "حينها، قامت إدارة المدرّسة باستدعاء ولي أمر زميلتي، وتَبيّن أن مشكلتها تكمن في علاقتها المتوترة مع والدتها".
- ماما بابا.. أنا هنا:
حكاية رامي مع الإنتحار تشبه واحدة من حكايات "توم وجيري"، فالقصة تدور حول ولد في الحادية عشرة من عمره، أراد ذات يوم أن يقول: "أنا هنا". ولمَّا لقي نداؤه آذاناً صماء، قصد المطبخ، فتح الدرج، أخرج سكيناً وقطع شريان يده اليسرى.
"المفاجأة كانت تفوق التصور"، كما تقول والدة رامي، فولدها كما تصفه: "مرح، يحب الحياة ومتفوق في المدرسة"، إلا أنّه على الرغم من كل هذا، حاول الإنتحار".
ما الشيء الذي دفع رامي إلى محاولة الإنتحار؟ الجواب جاء على لسان والدته، التي تشير إلى أنّه "بعد عرضه على أخصائية نفسية، اتَّضَح أنّ السبب هو الرغبة في لفت الإنتباه. فرامي هو آخر العنقود، وبينه وبين أخيه الذي يكبره فارق عُمري يُقارب الـ8 سنوات، الأمر الذي وضعه في خانة بعيدة عن أشقائه". تكشف الأُم أنّه "لهذا السبب، كانت محاولة الإنتحار بمثابة صرخة الإستغاثة، التي أراد أن يستحوذ بها على إنتباه أسرته، ويبدو أنّه نجح، ولكن بأسوأ طريقة قد تخطر في بال".
- في عُمر الورد:
وفي الحقيقة، إنّه عندما نتحدث عن الإنتحار من قبل أولاد وبنات في عُمر الورد، فلابدّ من الدخول إلى عالمهم، والوقوف على نظرتهم إلى فكرة وضع حدٍّ للحياة.
طُرحت العديد من الأسئلة على أبناء هذا الجيل، فكانت الإجابات حصيلة من النتائج ووجهات النظر، التي تحمل مفهوم جيل واضح المعالم من جهة، ومُشوَّش من جهة أخرى.
- ابتزاز:
هل من الممكن أن يتحول الحديث عن الإنتحار، إلى سلاح تهديد يشهره الأبناء في مواجهة أهلهم؟
"نعم"، يُجيب خالد ابن الخمسة عشر عاماً. يضيف: "ذات مرة طلبت من أبي أن يشتري لي جهاز "آي باد"، لكنه رفض، فذكرت له أن كل زملائي في المدرسة يمتلكون جهازاً مماثلاً". يتابع: "حين أصَرَّ على رفضه، قلت له ممازحاً: "سأقتل نفسي إذا لم أحصل عليه". ماذا كان ردّ فعل والدك؟. يجيب: "لا شيء، لأنّه بكل بساطة، لم يصدّقني، فهو يعرف أنني لست جادّاً بشأن هذا التهديد، ولكني أردت الحصول على ما أريد "بليّ الذراع". إلا أنني لم أكرر تلك المحاولة، بعد أن أدركت أنّها لن تجلب لي "آي باد" ولا حتى لوحاً من الشوكولاتة".
- تعاسة:
في المقابل، ثمّة جواب مُغاير يأتي على لسان رنيم محمد (13 عاماً)، التي تقول: "يصدر التهديد بالإنتحار أحياناً عن بعض الأولاد والبنات الذين يعانون مشكلات نفسية أو مشكلات في علاقتهم بالأهل". تشير رنيم إلى أنّه "لهذا، حين تُقدم بنت على الإنتحار، أو تتجرأ حتى على التفكير فيه، تكون كمَن يصرخ بأعلى صوته: "أنا تعيس". وهي تلفت إلى أن "فكرة الإنتحار تبقى مُخيفة، لأنّها تعكس كثيراً من التراكمات التي تظهر فجأة". وماذا لو جاءتك زميلة في المدرسة وصارحتك برغبتها في الإنتحار؟ تجيب بتردد: "سأشعر بالخوف والإرتباك، وسأنصحها بالتخلي عن هذه الفكرة المجنونة، وإذا لم تتراجع، سأخبر والدتها".
- تفكك:
ما رأيكِ في الأولاد الذين يفكرون في الإنتحار؟ هنا، يأتي الجواب على لسان روان محمد (15 عاماً)، التي تقول: "إنّهم مساكين". وتُسارع إلى شرح حالتهم النفسية، التي تعتقد أنّها "مَبْنية على وضع أسري مفكك". تضيف: "ليست فكرة التخلص من الحياة مجرد فكرة عادية. ومن الطبيعي ألا تخطر في بال أولاد عاديين، إنّها تفضح مشاكل كثيرة تحدث في بيوتهم، وتكشف المستور الذي لا يعرفه إلا مَن يشاركهم الحياة والبيت". تتابع: "لهذا، أنا أنظر إلى البنت التي تفكر في الإنتحار بعين الرأفة والعطف، نظراً إلى حاجتها الماسّة إلى المساعدة".
- ضعف الشخصية:
إلى ذلك، ما الأسباب التي تجعل نسبة البنات اللواتي يفكرن في الإنتحار، أكبر من نسبة الأولاد كما تكشف الدراسة سابقة الذكر؟ تختصر سميحة المكاري (17سنة)، الإجابة بكلمة واحدة هي "الهشاشة"، مشيرة إلى "طبيعة الفتاة الهشة والعاطفية". وتقول: "الفتاة عبارة عن مخلوق ضعيف، قد يجهل كيف يتعامل مع المشاكل، وكيف يتعاطى مع أسبابها بغية حلها. وهنا، تجد الفتاة نفسها وحيدة ومغلوبة على أمرها، فتفكر في الإنتحار، من دون أن تعرف عنه أكثر من أنّه حل متوافر والسلام".
وإذا تؤكد سميحة أن "فكرة الإنتحار غير مطروحة على صعيد الأصدقاء، وغير متداوَلة في ما بينهم، خاصة أنها كلمة أكبر بكثير من أعمارهم"، إلا أنها لا تنكرها. ولكنها تصر على أنها "تبقى في خانة السر"، لأنّها خطوة لا يُحكى عنها إلا إذا كان المقصود منها دوافع الإنتحار أو قرار التخلص من الحياة، هو ما تتحدث عنه ريم المكاري (13 عاماً)، التي تقول بعد أن سألتنا عن معنى كلمة إنتحار: "أعتقد أنّ التعرض لمواقف قاسية في المدرسة، والعجز عن مواجهتها، يدفع مَن هي في مثل عمري إلى الشعور بالتعاسة، والضعف". تضيف: "لا يوجد أصعب من أن تجد البنت نفسها وحيدة في المدرسة، وعرضة لسخرية البنات، والأصعب أن تستنجد بأهلها، فيستخفّون بشكواها، ويعتبرونها مجرد حكي بنات". وتستبعد ريم أن تقدم "على خطوة مخيفة" بهذا الشكل. فهي، كما تصف نفسها "متفائلة" و"تحب الحياة"، والأهم من هذا، أن جميع مَن حولها "يحبونها".
- عدم مسؤولية:
هل ستفكر يوماً في إستعمال التهديد بالإنتحار وسيلةً للحصول على ما تبغيه؟ سؤال وجهناه إلى فئة أخرى من التلامذة. وفي هذا السياق، يقول فاروق عبدالكريم، (16 عاماً): "بصراحة، لا يستحق أهلي أن أجرّهم إلى هذا القلق، فحين أقوم وأنا في هذه السن بتهديد أبي وأُمّي بالإنتحار، فماذا سأترك لعديمي المسؤولية من الأولاد، الذين لا يفكرون في أهلهم وهم يتلاعبون بمشاعرهم يميناً ويساراً؟". هذا الوعي الذي أبداه فاروق، لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه ليقول: "من غير الممكن أن أتجاهل الوازع الديني وأنا أناقش فكرة الإنتحار، فقتل النفس حرام، ومَن يقدم على عمل كهذا، فهو يعارض مشيئة الله. لهذا (No Way) أن أفكر ولو مجرد التفكير في تلك الخطوة، حتى لا أغضب ربي، ولا أكسر قلب أُمّي".
- تكرار المحاولة:
في مُوازاة ذلك، لم يكن من السهل أن نقف أمام الآباء والأُمّهات، ونسألهم ببساطة: ماذا لو أقدم ابنكم على الإنتحار؟ ذلك أن سؤالاً بهذا الشكل من الصعب أن يُطرح، فتفكير ولد أو بنت في عمر 12 أو 14 عاماً في الإنتحار، غير مرغوب فيه. ومع ذلك، طرحناه، فجاءت الردود على الشكل التالي:
"لن نسكت على الموضوع، وندفن رؤوسنا كالنعامة". بهذا الجواب، يضع زهير علي الشيخ عيسى (مدير محل) النقاط على الحروف، لافتاً إلى أن "تفكير الأطفال في الإنتحار ليس أمراً عادياً، بل كارثي". ويقول: "لهذا، على الأهل أن يشدّوا حزام الأمان وهم يفكرون في المفاجآت، التي يمكن أن تحدث مع أبنائهم من دون مقدّمات".
زهير، الذي يُبدي قلقه من الدراسة التي اعتبرها "جرس إنذار"، يؤكد أنّ "الوقاية أفضل ألف مرة من العلاج". يضيف: "لهذا، فإن توفير المناخ المناسب لأطفالنا يحميهم من التشبّه بأشخاص، قد يكونون أبطال أفلام تلفزيونية، أو حتى أفلام كرتون على شاكلة تلك التي باتت تروّج لمشاهد العنف بين الأطفال. فالعالم الذي يعيشه الأطفال مليء بالدهاليز والأماكن التي لا يتصور الأهل وجودها على الإطلاق".
- شخصيات كرتونية:
"حين يكون الطفل هو محور موضوع الإنتحار، يصبح من الصعب ألا نقف عند العوامل التي أوصلته إلى التفكير في الأمر". من هنا، يُعبّر ضياء الدين (موظف بنك) عن وجهة نظره في هذا الخصوص، متجاهلاً تماماً وضع اللوم على الأهل، لكونهم أصحاب المسؤولية الأولى والأخيرة أمام المجتمع، إذ يجد ضياء الدين، أنّ "تأثر الأطفال بأفلام الكرتون، قد يكون من أخطر العوامل التي تسبب فقدانهم". ويقول: "إنّ الطفل، وبكثير من الحرِّية، يقضي ساعات طويلة أمام التلفزيون، من دون أن يقف أهله على مخاطر تلك المشاهدة المستمرة، التي قد تدفعه إلى تقليد الشخصية الكرتونية التي تتملّكه. لهذا، نسمع عن حالات مأساوية انتهت بالموت، نتيجة التقليد العفوي الساذج للأطفال". يذهب ضياء الدين إلى منطقة أخرى من الحديث، حيث إنّه يرى أن "طبيعة علاقة الطفل بأسرته، تُفسّر أحياناً تفكيره في الإنتحار، فالطفل المدلل تدليلاً زائداً، قد يشعر بملل وإكتئاب من نوع خاص، وكذلك الطفل المحروم ربّما تحوطه مشاعر سلبية تجاه الحياة، ورغبة جامحة في تغيير الواقع، لينتهي الأمر إلى سلوك متهوّر".
- سوء التربية:
فيصل راشد (إداري)، واحد من الآباء الذين يؤكدون أنّ "التربية هي بمثابة علم يجهله كثير من أولياء الأمور"، مشيراً في هذا السياق، إلى أن "كل خطأ يرتكبه الأبناء، ليس إلا ضريبة يدفعونها عن آبائهم". يتابع متسائلاً: "كيف لطفل قادم من بيئة صحية، أن يفكر في قتل نفسه مهما بلغ جهله بما يفعل؟ وكيف لطفل أن يصل إلى هذه المرحلة من اليأس، لو كان في الأصل مُحاطاً برعاية أسرية كاملة؟". لينتقل بعدها إلى الحديث عن "الهوّة الفاصلة بين الآباء والأبناء"، التي يكشف أنّه يؤمن "بأنّها تولّد أفكاراً عنيفة عند الأبناء، سرعان ما تتحول من مجرد فكرة إلى سلوك". وعلى الرغم من التركيز على البيت، لكونه "مَصدَر المعلومة الأوّل" كما يسمّيه فيصل، إلا أنّه يؤكد أن "تأثير البيت في عقلية الأبناء يشكل 30% فقط، لتتوزع الـ70% المتبقيّة بين المدرسة والأصحاب، فالطفل يحتك مع أنماط من الناس، لا تشبه النمط الذي يعيش معه في البيت. وهنا، يحدث تناقل للأفكار المسمومة، وتبدأ عملية التأثير في الأبناء، التي تبقَى طَيّ الكتمان حتى تخرج آثارها إلى الضوء".
- بداية لرحلة شاقة:
وفي الواقع، يبدو أنّه ليس سوء التربية هو المعنى في الحديث عن العوامل، التي تقود 16% من طلاب المدارس ما بين 12 و15 عاماً، إلى التفكير في الإنتحار فحسب. فهاك على حَدّ قول زينة حداد (ربة منزل) "الكثير من المعطيات النفسية والإجتماعية والعاطفية، التي تدفعهم إلى التفكير في الإنتحار، ومن أهمها: التفكك الأسري، وغياب رموز السلطة الأبوية في البيت". تشير زينة، إلى أن "فقدان الثقة في الرمز الذي يمثله الأب أو الأُم في حياة الطفل، ليس بالأمر السهل، حيث يعيش الطفل معاناة صامتة، وعزلة عاطفية تضعه في مكان غير المكان الذي يتمتع به أصحابه الآخرون".
وتجد زينة أن "أي محاولة إنتحار يُقدم عليها الطفل، تكون بمثابة البداية لرحلة طويلة من فقدان الثقة بينه وبين أهله، فمن غير الممكن نسيان تجربة مريرة بهذا النوع، لا على الأهل ولا على مَن خاض هذه التجربة". تُعلّق زينة على مسألة التعاطي الأسري مع محاولة إنتحار الإبن إلى مُعالج نفسي، والتحدث مع الأخصائي الإجتماعي في المدرسة، للوقوف على ظروف الولد، خاصة أنّه كثيراً ما يتعرض الأبناء لمشكلات في المدرسة، من دون أن يدري بها الأهل، الأمر الذي يعرّضهم لضغط نفسي وعصبي، قد يدفعهم إلى محاولة التخلص من الحياة، ولو بطريقة ساذجة".
- حاجز الخوف:
وبقدر ما يبدو الإنتحار عنواناً خطيراً لهذا التحقيق، بقدر ما تزداد خطورته، حين يتناول فئة عمرية من المفترض أن تكون أكثر الفئات العمرية تفاؤلاً وسعادة.
إنطلاقاً من ذلك، يتناول إستشاري الطب النفسي، الدكتور يوسف أبواللبن القضية بكثير من التخوف، لدخول فكرة مثل هذه عقول 16% من أبنائنا، فيقول: "تتجسد مشكلة محاولات الإنتحار في فشلها، لأن فشل المحاولة الأولى يعني كسر حاجز الخف في نفس الطفل، وبداية لمحاولات أخرى"، مشيراً في هذا السياق، إلى أنّ "الذين ينجحون في الإنتحار، هم مَن حاولوا الإنتحار مرات عديدة سابقة، ونسبة هؤلاء أعلى بكثير من الذين حاولوا الإنتحار أوّل مرّة". يؤكد الدكتور أبواللبن "أنّ 90% من حالات الإنتحار تسبقها حالات إكتئاب". ويكشف أنّ "10% من الذين حاولوا الإنتحار وفشلوا، نجحوا في الإنتحار خلال 10 سنوات من أول محاولة". ورداً على سؤال يتعلق بأسباب فشل المحاولات الأولى للإنتحار يجيب: "من الصعب تجاهل الحب الفطري للحياة لدى الإنسان. لهذا، نجد أنّ الذين يحاولون الإنتحار، يجربون في المرات الأولى طرقاً يعلمون سلفاً أنها لن تنتهي بهم إلى الموت".
- "أنا أعاني.. اسمعوني":
الحديث عن محاولات الإنتحار عند تلك الفئة العمرية، يجرنا إلى السؤال عن الرغبة الكبيرة في نفوس أولئك الأولاد، للفت إنتباه أولياء أمورهم، التي يفسرها الدكتور أبواللبن على أنّها (CRY FOR HELP)، أو الصراخ بهدف طلب المساعدة. فهي عند الكثير من الأولاد، محاولة للضغط على الأبوين". ويقول: "تبدأ المشكلة الفعلية، حين لا يأخذ الأهل هذه المحاولة على محمل الجد، فيشجعون بهذا التجاهل رغبة الولد في الإنتحار". ويشدد الدكتور أبواللبن على "ضرورة إستبعاد فكرة أن يكون الطفل غير سوي، لكونه فكر في الإنتحار"، يضيف: "لا يمكن أن أفصل بين السوي وغير السوي، إلا في حالات قليلة من الأمراض النفسية، فمعظم حالات الإكتئاب تأتي كمرحلة سابقة للإنتحار. والإكتئاب هنا، قد يصيب الإنسان أياً كان: طفلاً، شاباً، عجوزاً"، مشيراً إلى أنّ "الإكتئاب لا يحمل أي دلالات على أن صاحبه مختل عقلياً". ولكن كيف نحُول بين أطفالنا والتفكير في الإنتحار؟ الجواب يأتي على لسان الدكتور أبواللبن، متمثلاً في التشديد على "ضرورة علاج حالات الإكتئاب".
- نصائح تربوية:
أيضاً، لا شك في أنّ الحديث عن تفكير الأطفال والمراهقين في الإنتحار، يجرنا إلى المنظومة الأسرية، وكل ما تحمله من دوافع من شأنها أن تؤدي بابن الـ12 أو الـ14 عاماً، إلى التفكير في الإنتحار، حتى ولو من باب التهديد أو لفت الإنتباه. وفي هذا الشأن، يقول مُوجّه التربية طلال السلومي: "تُعتبر هذه المرحلة العمرية، بمثابة نقلة نوعية من مرحلة الطفولة إلى المراهقة، بكل ما فيها من تغيُّرات نفسية وإجتماعية وعاطفية وبيولوجية. لهذا، يأتي دور الأسرة محورياً، لكونه الموجّه نحو الإستقرار أو الإنحراف". ويعرّج السلومي على الأسباب التي تقف وراء تفكير تلك الفئة العمرية في الإنتحار، فيجد في تراجع القيَم الدينية "سبباً وجيهاً، لمَا تمنحه تلك القيم من حماية"، منتقلاً إلى "القيم الإجتماعية التي يُربَّى عليها الطفل، والتي تقدم له درعاً نفسية تحول دون جره إلى مناطق فكرية مشوشة". ولا يغيب عن السلومي أن يلفت الإنتباه إلى "خطورة التفرقة بين الأبناء"، موضحاً أن "إحساس الإبن بتفضيل إخوته عليه، يدفعه إلى الإعتقاد أنّه منبوذ ومرفوض عاطفياً من أهله وإخوته، فتأتي فكرة التخلص من حياته لوضع حد لمشاعر الإهمال التي يعانيها". من ناحية أخرى، يشير السلومي إلى "ضرورة إنتباه الأهل إلى التغيُّرات العاطفية التي يتعرض لها المراهقون، والتي قد تدفعهم إلى الدخول في مغامرات عاطفية ساذجة، تتغلب فيها العاطفة على العقل، فيعانون، ويتألمون، وفي لحظة يأس ربّما تستحوذ عليهم فكرة الإنتحار". ورداً على سؤال يتعلق بالإجراءات التي يجب على أولياء الأمور إتخاذها، في حال تعرضهم لتجربة مريرة من هذا النوع، يقول السلوكي: "أنصحهم بالإحتواء العاطفي في الدرجة الأولى، وإشعار الإبن بأهميته في حياة الوالدين، إلى جانب تفهّم المشكلات النفسية التي يواجهها الإبن، مهما تكن بسيطة وساذجة، والعمل على حلها، ليتمكن من تجاوز تلك المرحلة السوداوية القاتمة التي يفقد فيها الإبن ثقته بكل ما حوله. وعندما، يمكن إعادته تدريجياً إلى مرحلة أخرى من إحساسه بالقيمة، عبر تحقيق آماله النفسية والإجتماعية لكي يتخطى مبدئياً المرحلة السوداء". ولا يجد السلومي ضرراً "من الإستعانة بمختصين نفسيين وإجتماعيين، لتقدير الحالة والمساعدة في حلّها مهنياً، بحيث لا تتعرض للإنتكاس".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق