• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها»

فاطمة العارف

«وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها»

◄إنّ من طبع الإنسان الملل والضجر، وإذا أبدى مساعدة لأحد فإنّه يمل ويتأفف، بل يمن على صاحبه الذي ساعده ويحسب نفسه محسناً، إلّا مَن ندر من الناس الذين يحاولون أن يتجنبوا مثل هذه الصفات الذميمة. فتجد الإنسان لا يمكن أن يكون كريماً على أي حال، وإنّما هو يفتقر في هذه الأمور إلى الأناة، وسعة الصدر، وروح المساعدة، الله سبحانه يقول:

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (البقرة/ 262)، أي يعطون ولا يتبعون ذلك بتعيير الشخص أو جعله يحس أنّه صاحب فضل عليه، وفي بعض المرات يؤذيه أما بتذكيره دوماً بما حدث منه، وأمّا بالتعالي عليه.

لكن هل فكر الإنسان بأنّ صاحب الملك والعطاء الذي هو الله سبحانه وتعالى لا يمن على عباده بكلّ هذه الخيرات الموهوبة له من أرض وسماء وعافية ورزق، وهو قادر على كلّ شيء لا يقدر عليه غيره، وغلب النعم لا يمكن أن يعطيها غيره كالصحّة والعافية والأمان مع النفس ومع الناس، وهو مَن يقدر على العطاء دون أن يشعر الشخص من المعطي، وكلّ المعطون إنّما يعطون من ملكه وبما استخلفوا عليه من الفضل الذي وهبه الله لهم.

هل فكّر الإنسان بمن يساعده على الدوام من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، يساعده مساعدات يعظم أجرها، ويجل خطرها، مساعدات لا يمكن وصفها بالكلام الذي يقصر عن البيان في صفات هذه المساعدات القيّمة التي لا يمكن لأحد غير الله أن يهبها، أقول يهبها لأنّها فعلاً هبات من الله بدون مَن ولا أذى بدون تجريح أو تعيير، يعطي مَن سأله ومَن لم يسأله تحنناً منه ورحمة. إنّه الحنّان الذي يغمر العباد ببركته ويفيض عليهم بنعمته، وهم غافلون عن هذه النعم الوفيرة التي قال عنها سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (إبراهيم/ 34)، كيف للعادين؟ أن يحصوا نعم الله وهي خفية غير ظاهرة؟ كيف للعباد أن يحصوا ستر الله على عباده ومننه الواسعة على خلقه من سالفة وانفة من خفية وظاهرة كلّها نعم وهو لا يطلب منهم إلّا صلاحهم ونجاتهم. وهو دائماً يقول لعبادة: ويصف قربه من خلقه فيقول جلّ شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة/ 186).

يرى الإنسان نفسه مديوناً لأحد المخلوقات، إلّا أنّه يجهله وقصوره لا يرى هذه النعم من ربه، بل يتذمر في كثير من الأوقات ويسأل الله قائلاً: ربي لماذا فعلت بي هذا؟ وربه أعلم بالذي حدث وهو أرحم به من نفسه. فالإنسان يهلك نفسه في كثير من الأوقات باقترافه ما يؤذي النفس وما يجعلها عرضة للعذاب، وقد حذره الله الخبير من عواقب أمور يقع فيها. ►

ارسال التعليق

Top