تخيل أنك في مدينة جديدة، أول مرة تطأ قدماك أرضها وتسير فيها محاولاً الوصول إلى نقطة في نهايتها، قد تصل لهذه النقطة بعد ساعة أو ساعتين أو قد يكلف الأمر طوال اليوم، فيما أنك لو استخدمت خريطة المدينة منذ البداية وأحسنت قراءتها لوفرت عليك الجهد والوقت وتوتر الأعصاب، قد تشبه الحياة التي نعيشها تلك المدينة، فهي بها الكثير من المطبات وإشارات المرور والحوادث والفشل والنجاح والمنحنيات والمرتفعات والتحديات، ولكن قد تختلف الحياة عن المدينة في أنك لن تجد من يعطيك خارطة جاهزة ويقول لك: اتبع تلك الخريطة لتصل للنهاية.
وأسباب ذلك كثيرة، فالنقطة التي تريد أن تصل لها تختلف من شخص إلى آخر، والطرق المهيأة لك قد تختلف، والآخرون وما يحيط بك من أحداث يختلف عما يحيط بالآخرين، ولهذا يجب ان أن تضع خارطتك الخاصة، بالطبع هناك الكثير من الأمور الأساسية التي ستساعدك في تضييق حدود الدائرة التي تبحث فيها، فمثلاً هناك شرع يجب أن تتبعه، ومبادئ تحافظ عليها، وقيم تتمسك بها، ولكن في النهاية عليك أن تضع خريطة لحياتك، وإلا كنت فريسة سهلة لآخرين سيقودونك لما يريدون أن يصلوا إليه، وستعيش أحلامهم هم وليس أحلامك، أو قد تضيع في طرقات الحياة وتتساقط أيامك من يدك دون أن تصل حتى إلى منتصف الطريق.
قد تصبح الخريطة للكثيرين معضلة؛ لأنهم لم يتبعوا الشرع أو القيم أو المبادئ أو الرغبة في تحقيق هدف معين في بداية التخطيط لحياتهم؛ فتصبح الدائرة أكبر والطريق أطول، وقد يمضي العمر وهم في دهليز الحياة دون أن يخرجوا لطرقها الواسعة ويصلوا لمحطاتها الرائعة.
لن يستطيع أي متخصص سواء في أمور الدين أو التنمية الشخصية أو مهارات الحياة أن يضمن لك حياة دون منغصات أو تعرجات، ولكن قد يعطيك الطريقة المثلى لتحول فشلك إلى نجاح وتعاود النهوض بعد السقوط وتستفيد من أخطائك وتتوب من ذنوبك وتعرف كيف تتعامل مع آلامك.
- ما هو التخطيط؟
هو وضع خطة لمواجهة احتمالات المستقبل وتحقيق الأهداف المنشودة، أو بتعريف آخر، هو رسم خريطة الطريق الذي تريد أن تسلكه في هذه الدنيا، وما تريد أن تصل عليه سواء في الدنيا أو في الآخرة.
وحتى يكون هذا التخطيط ناجحاً يجب أن تتأكد أن عقلك وجسدك وروحك يعملون بشكل تعاوني مع بعضهم بعضاً؛ لتحصل على الاتزان المطلوب، وعليك ان تخطط لكل منهم بشكل مناسب، فمثلاً بالنسبة لروحك يجب أن تنمي قدراتها وتسمو بها عن الحرام والشبهات وتضعها في الإطار الذي تستحقه من العناية، وترسم لها أهدافها ضمن تعاليم دينية وقيم راقية، وعندما تعلو بها تدع لها القيادة لتقود الجسد والعقل في أطر مرسومة، أما العقل فتنميه بالمعارف المختلفة والترفيه الراقي، وتوسع مداركه بالاطلاع والسفر والتعرف على الحضارات المختلفة والعلوم المتنوعة، والجسد يحتاج منك رعاية خاصة تتكون من نشاط حركي مناسب وطعام صحي، وعندما تنمي تلك الأجزاء الثلاث بشكل جيد، وتكمل بعضها بعضاً ستكون أنت المستفيد من هذا التكامل.
* خطوات سهلة للتخطيط:
1- قبل البدء في التخطيط يجب أن نفرق بين الأهداف والرغبات الإنسانية، فبعض تلك الرغبات يمكن إشباعها وبعضها ينسى مع مرور الوقت، أما الأهداف فيجب أن تكون واضحة وترسم بدقة ونمهد الطريق لتحقيقها.
2- في بداية التخطيط يفضل أن نحدد المجال الذي نرغب في التخطيط له – دراسة الصغار، الزواج، الفوز بالآخرة، عمل خيري، عمل تجاري، تخفيف وزن، عناية بالصحة – ثم نحدد الهدف الذي نريد أن نصل إليه خلال هذا المجال مع شرط أن تكون تلك الأهداف ذات معنى وقيمة، وتكون أنت من سيحققها وتشعر بالإثارة بمجرد التفكير في تحقيقها.
3- تأكد من أن الأهداف التي وضعتها تستطيع أن تقيمها وتقيسها مما يسهل عملية مراقبة تطورها وفاعليتها.
4- أهدافك يجب أن تكون واقعية ولا تقفز قفزات عالية وأنت تخطط لها، بل يجب مراعاة الوقت والمدة والجهد المتاح لتحقيقها، مع التركيز على عدد محدد من الأهداف في المرة الواحدة وعندما تنجز بعضها تنتقل إلى أهداف أخرى.
5- كتابة الأهداف خطوة مهمة جداً في طريق إنجازها، وهذا ما نفعله يومياً مع أهدافنا الصغيرة، عندما نكتبها على ورقة صغيرة نعلقها أمامنا أو نحتفظ بها بين أوراق المذكرة، فكتابة الأهداف يضعها دائماً نصب أعيننا ويجعل تحقيقها أسهل.
6- مراجعة الأهداف بين الحين والآخر والوقوف على درجة إنجازها أمر مهم، فهو يعطي فكرة عن مدى كفاءة الشخص في الإنجاز، وما هي نقاط قوته وضعفه، وما هي الخطوات اللازمة لتكملة الطريق.
7- كثيراً ستجد من يثبط من عزيمتك بدافع الغيرة من نجاحك، أو نتيجة تجارب فاشلة مروا بها، أو أحياناً رغبة في حمايتك من الوقوع في الفشل والشعور بالحزن، وهنا يجب الاهتمام باختيار من نتقاسم معهم التفكير بأحلامنا وأهدافنا، ونختار من نرى أنهم سيساندوننا في تحقيق أهدافنا المرسومة بدقة وعناية، وكثيراً ما يكون الاحتفاظ بالأمر لنفسك الاختيار الأفضل، ولكن قد يكون الاستماع لرأي الآخرين أمراً مهماً، وخاصة مع الأهداف غير المشروعة أو غير العقلانية.
وفي الختام ليس لنا سوى الأخذ بنصيحة رسولنا القدوة حيث قال: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق