• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اقتناص الفرصة إستراتيجية كلّ الناجحين

هادي المدرسي

اقتناص الفرصة إستراتيجية كلّ الناجحين

◄كلّنا نعرف قيمة الفرصة بعد أن تضيع، ونحاول اقتناصها عندما تصبح بعيدة عن متناول اليد.. ونتمنى عودتها من جديد، لعلّنا نعوّض عمّا فاتنا منها.

ولكن أصحاب المبادرات هم الذين يوفَّقون لاقتناصها في الوقت المناسب، ولذلك فإنّهم وحدهم المنتفعون بها دون غيرهم.

والفرص تأتي متنكرة، وتذهب ساخرة.. وهذا هو السرّ وراء تضييعها من قبل الكثيرين..

تسمع بعضهم يقول: "كنت أعرف، ولكنّني لم أكن واثقاً..".

أو يقول: "لم أكن أتوقع أن تفوت مني بهذه السرعة..".

وهذا هو الفرق بين مَن يستغل الفرصة في وقتها المناسب، ومَن يركض وراءها بعد أن تطير من يديه.

فصاحب المبادرات يقفز على الفرصة، كما يقفز الطير على الحب..

أمّا غيره، فينتظرها لكي تأتيه في حضنه، ولا شكّ من أنّ الفرص عزيزة النفس، فهي لا تُبالي بمَن لا يُبالي بها.

وعلى كلّ حال لابدّ قبل كلّ شيء من معرفة خصائص الفرصة.. وهي كالتالي:

أوّلاً: الفرص تأتي ضبابية، غير واضحة المعالم.

ثانياً: إنّها لا تُبطئ. فالزمن ليس في مصلحة مَن يريد اقتناصها.. يقول الإمام عليّ (ع): "انتهزوا فرص الخير فإنّها تمر مر السحاب".

ثالثاً: إنّها تأتي متكافئة، فهي متسواية للجميع، واقتناصها متاح لكلّ الناس، وكما يقول المثل: فـ"إنّ الفرص تقرع كلّ الأبواب، ولكنّها قد لا أحداً في الداخل".

رابعاً: إنّها بعد أن تذهب لا تعود. يقول الحديث الشريف: "الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العود".

ولكي تصيد الفرصة قبل أن تضيع فلابدّ من الأُمور التالية:

أوّلاً: الاستعداد المسبق:

"فالفرص كسحابات الصيف: غنية بالمطر، جميلة في المنظر، ولكنّها سريعة في المسير، فمَن أراد منها الماء فلابدّ من أن يبادر قبل أن تأتي السحاب، فيُهيئ وسيلته، مُتطلّعاً نحو الأُفق، منتظراً أخباره، فإذا هطل المطر كان له النصيب الأوفر. أمّا مَن يبحث عن الوسيلة، بينما السحابات تمرّ فوق رأسه، متثاقلاً في حركته، فإنّه يضيع على نفسه أمرين: الوقت والمطر".

ترى لو أنّك كنت صياداً فماذا تفعل؟ ألا تُهيئ الوسيلة أوّلاً- ثمّ تنتظر الفريسة؟ أم ترى أنّك تنتظر الفريسة، ثمّ تبحث عن الوسيلة لصيدها؟

إنّ الفرق بين الناجحين في اغتنام الفرص والفاشلين في ذلك ليس في أنّ الناجحين يجدون فرصاً، والفاشلين لا يجدونها، بل أنّ الناجحين أسرع من الفاشلين في الاستعداد.

لقد سُئِل أحد كبار الأثرياء من الذين يعملون في العقارات وسوق العملات، كيف تنجح في السوق وغيرك يفشل فيه؟

فقال: "أنا أدخل في السوق حينما يكون غيري لا يزال متردداً، وأخرج منه حينما يكون قد قرر غيري الدخول، فأحصد أنا النجاح ويحصد هو الفشل..".

وقد تسأل كيف لي أن أستغل الفرصة، إذا لم تكن صورتها واضحة، ولم أكن واثقاً من أنّها فرصة؟

وأقولك صحيح أنّ الفرصة ضبابية، وغير واضحة المعالم إلّا أنّ الظروف المحيطة بها تكفي للكشف عن هُويّتها.. والمهم أن تفهم تلك الظروف مُسبقاً، وأن تكون على أهبة الاستعداد لاقتناص الفرص فيها..

فإذا كنت ممّن يهتم بالمطر مثلاً، فإنّ تاريخ اليوم، وإرهاصات الأجواء، والتنبؤات تجعل احتمال المطر وارداً، فإذا أنت أعددت عدتك كاملة، فمع أوّل بقعة في السحاب من السماء تضع العدة من أجل استغلال المطر موضع التنفيذ، أمّا إذا لم تأخذ الإرهاصات، والتنبؤات، وسوابق اليوم بعين الاعتبار، ولم تستعد فإنّ السحاب، يأتي، ويمطر ويمر، وأنت تبحث عن العدة لاستغلال المطر..

إنّك حتماً لن تخسر بالاستعداد المُسبق شيئاً، مع قطع النظر عن النتائج، فلربّما لن يأتي السحاب، أو لن تمطر السماء فما ضيرك؟

أمّا إذا لم تكن مستعداً سلفاً، فإنّ الفرصة سوف تفوتك، وهي إذا فاتت فلن تعود..

يقول الحديث: "اجعل زمان رخائك، عدة لأيّام بلائك".

ثانياً: القفز على الفرصة، حينما تأتي من دون تأخير:

إنّ الفرص لا تُبالي بمن لا يُبالي بها، وهي لا تتكرر، ولا يمكن الاستنساخ عنها بأي شكل من الأشكال.

وهذا يعني أنّ عليك أن تتصرّف تجاه الفرصة، وكأنّها الأخيرة، ولا مجال لتكرارها.. لأنّ الفرصة عادة هي هكذا، فهي لا تعود..

يقول الحديث الشريف: "مَن فتح له باب خير فلينتهزه، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه".

ولا شك في أنّ "إضاعة الفرصة غصة" لأنّ الفائت لا يدرك لحاقه، فإذا رأيت شبح الفرصة، فبادر إليها، ولا تنتظر إلى أن يتحوّل الشبح إلى كتلة، وإلّا أضعتها.. وعندما تضيع، فإنّها لن ترحم، حتى تعود إلى مَن تجرع غصة ضياعها..

وفي الحقيقة فإنّ كلّ الناجحين في التاريخ كانوا ممّن يعرفون متى؟ وكيف؟ يستغلون الفرصة.

فاخذ زمام المبادرة هي إستراتيجية كلّ الناجحين، وهم لا يمتنعون من المغامرة لذلك.. ولكنّها مغامرة إذا نجحت يكون فيها ما يكفيهم..

فمن الخطأ أن ينتظر الإنسان عندما تلوح الفرصة في الأُفق حتى تفوت، أو يستغلها الآخرون، ثمّ يحاول أن يتعقب ما فات.

فالذي يفوت يموت، وما يذهب لا يعود، والفرصة التي تطير لا تترك وراءها إلّا غبار الحسرات.

يقول الحديث الشريف: "إنّ الله يحبّ من الخير ما يعجل". ويقول آخر: "من الخرق ترك الفرصة عن الإمكان"، و"من أخّر الفرصة عن وقتها، فليكن على ثقة من فوتها" لأنّ "مَن قعد عن الفرصة أعجزه الفوت". وهكذا فإنّ من الضروري أنّ "تغتنم الفرصة عند إمكانها، فإنّك غير مدركها بعد فوتها".

ثالثاً: استغلال الفرصة من دون وضع شروط لها:

إنّ الفرص هي التي تفرض شروطها، ولا يجوز لنا أن نضع لها شروطاً.. وهذا يتطلب أن تقبل بواقع الفرص، وتستغلها سواء جاءت حسب توقعاتك أو مغايرة لها..

رابعاً: التمسك بالفرصة بقوّة، بدل التردّد في ذلك:

كثيرون ينتظرون الفرصة، وحينما تأتيهم يزهدون فيها. ليس لسبب إلّا لأنّهم يخشون النجاح، خاصّة إذا كان فجائياً. فكأنّ عنصر المفاجأة يصيبهم بصدمة تمنعهم من استغلال الفرصة..

ولابدّ هنا من ذكر ملاحظة هامّة جدّاً، وهي أنّ الفرص متوفرة دائماً، وإن كانت تختلف في نوعيتها، وشكلها. فإذا فاتتك فرصة، فلا تلاحقها هي، لأنّها قد لا تعود، ولكن حاول اقتناص فرص أخرى. إنّ الحياة لا تحتفظ بنوع واحد من الفرص، بل هي تختزن العشرات. ومن الأفضل إذا ضيعت واحدة أن تبحث عن أخرى، وفي مجالات جديدة..

أعرف شاباً كان يرغب في الزواج من إحدى الفتيات، وفوجئ ذات يوم بخبر العقد عليها لشاب آخر. وكما قال لي، فقد أُصيب بصدمة عاطفية، وفكر- حسب قوله- في أن يبقى عازباً طوال حياته..

فقلت له: إنّك ضيعت على نفسك فرصة واحدة وها أنت تعاني غصتها، فلماذا تضيع على نفسك فرصاً مماثلة؟

قال: لم أفهم ما تقصد؟

قلت: هنالك عشرات من الفتيات اللاتي يمكنك اختيار واحدة منهن للزواج. ومن الأفضل أن تنسى الآن تلك التي تزوجت من غيرك، وتبحث عن أخرى، فلعلّك تحصل على أفضل ممّا خسرت..

وقبل النصح مني. وتزوج من فتاة أخرى من عائلته، وعاش حياة ملؤها الهناء والسعادة..

وكما في الزواج كذلك في كلّ مجالات الحياة..

إنّك قد تخسر صفقة معينة، لأنّك لم تنتهز الفرصة المتاحة، فهل تبقى باكياً عليها، وتموت من أجلها، أم لابدّ من أن تبحث عن صفقات أخرى؟

إنّ السوق التجارية لا تنتهي.. والمعاملات فيها لا تنتهي.. والفرص أيضاً لا تنتهي.. ومن خسر صفقة فليبحث عن غيرها.

إنّ البعض قد يضيع فرصة في مجال العقارات، فيتحوّل منها إلى مجال البناء فيحصل على فرص جيدة فيه، وقد يخسر صفقة في سوق العملات، فيبحث عن صفقات أخرى في ذات السوق ويربح منها..

وتلك هي الطريقة الأسلم.. لأنّ البكاء على أطلال الفرص الضائعة لن تعود على الإنسان بغير المرارة والألم، والنجاح يعتمد على الانطلاقة لا قتناص الفرص، لا ملاحقة ما ضاع منها، لإقامة ضريح لها والبكاء حوله..

إنّ الدرس الذي نخرج به من مثل هذه التجارب هو: أنّ علينا أن نتجاوز مرارة ضياع الفرصة، ونستعد لاقتناص الفرص الجديدة من غير أن ننهار تحت الغصص..

لقد سُئِل الإمام الحسن (ع): "ما العقل"؟.

فقال: "التجرع للغصة، حتى تنال الفرصة". ►

 

المصدر: كتاب أساليب النجاح

ارسال التعليق

Top