• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأخلاق وإنسانية الإنسان

عمار كاظم

الأخلاق وإنسانية الإنسان

الأخلاق تعني تطلع الإنسان إلى الكمال، والتقدم في طريق السمو المعنوي والروحي، وهي التي ترتقي بالعلاقات في المجتمع الإنساني، فكلما كانت الأخلاق أرقى وأجمل، كانت العلاقات الاجتماعية أوثق، وكان وضع المجتمع أفضل. وقد ورد عن رسول الله (ص): "حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة".

وهو ما عبر عنه الشاعر أحمد شوقي بقوله:

وإنما الأُمم الأخلاق ما بقيت*******فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

والأخلاق هي التجلي الأمثل لإنسانية الإنسان، فمن دون الأخلاق لا يكون الإنسان إنساناً، فهي الكاشفة عن حقيقة الذات. وإذا كانت الأخلاق مهمة في كلّ عصر ولكلّ مجتمع بشري، فإنّها في عصرنا الحاضر ولمجتمعاتنا أشد إلحاحاً. فشعور الإنسان بذاته واهتمامه بنفسه وتمحوره حول مصالحه الشخصية، في كثير من الأحيان والحالات يكون على حساب الالتزام الأخلاقي. كما ونزوع الإنسان إلى المادة وحب الخير حالة طبيعية في كلّ عصر ومصر، يقول تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات/ 8). لكنّنا في هذا الوقت نجد أنّ هذه النزعة أكثر عمقاً وتمكناً في شخصية الإنسان ونفسه، وذلك لأسباب مختلفة، وهذه النزعة المادّية غالباً ما تكون على حساب الالتزام الأخلاقي. ولم يعد الانحراف والفساد الأخلاقي مجرد ممارسة فردية، ولم يعد مجرد توجه جهة معينة من الناس، بل أصبحت هناك مؤسسات ضخمة وشركات دولية، ومصالح مرتبطة بهذه الجهات تربح وتستثمر وتثري من خلال الدعوة إلى الفساد الأخلاقي. إنّ ما نراه من تعدد مظاهر الفساد واستشرائها مع سعي المصلحين وتحركهم هو أمر طبيعي، فحتى في مجال الطب والصحّة الجسدية، هناك كليات طب، ومصانع أدوية، ومستشفيات ومراكز صحّية، وهناك أبحاث ودراسات طبية، وفحوص ومختبرات وأجهزة متطورة، ومع كلّ ذلك لم تنتهِ الأمراض في حياة البشر! بل في كلّ مدة زمنية نسمع عن مرض جديد، لم يكن معروفاً من قبل. فلا نستطيع أن نتحدث عن إنهاء هذه الحالة، وإنّما ينبغي أن يكون الحديث عن مواجهتها والحد من تأثيرها، فهو صراع بين الخير والشر، وهي معادلة الحياة من بدايتها إلى نهايتها. ليس المطلوب من الحالة الدينية أن تنهي وتستأصل حالة الفساد والانحراف، فهذا ليس متوقعاً، بل المطلوب أن لا تُترك ساحة الحياة فارغة خالية لدُعاة الشر، يجب على دُعاة الخير أن يتحركوا ويواجهوا، ويحاولوا أن يكونوا أكثر تأثيراً وأكثر نفوذاً. وينبغي أن يحفز ويدفع دُعاة الخير والفضيلة إلى أن يزيدوا من جهدهم، ومن دورهم ونشاطهم، فكما هو الحال في مختلف الجوانب، في هذا الجانب أيضاً تكون المعادلة قائمة على الصراع. يقول تعالى: (.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج/ 40). مجتمعاتنا التي كانت في السابق مجتمعات محافظة، لها هُويّتها ولها اهتماماتها الدينية التي تجعلها أقرب إلى الالتزام الأخلاقي في مجالات كثيرة، نجدها اليوم في حالة تراجع، فالالتزام الأخلاقي الآن في حالة تصدع، قياساً إلى ما مضى، وقياساً إلى ما هو متوقع من مجتمعات تنتمي إلى هُويّة دينية محورها الأخلاق والقيم، وهذا أمر طبيعي، فنحن نعيش في عصر العولمة والانفتاح على الآخر، حيث ما عادت هناك حواجز وحدود، فما يجري في أنحاء العالم ينعكس على مجتمعاتنا ويؤثر فيها، لذلك نلحظ مظاهر التصدع الأخلاقي آخذة في الاتساع. فمن الواجب السعي لجعل الأخلاق الإسلامية هي السائدة في المجتمع.. فإذا خلا المجتمع من الأخلاق الفاضلة فسوف تنعدم الإنسانية لا محالة.

ارسال التعليق

Top