• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإعلامي.. والثقة بالنفس

جلال فرحي

الإعلامي.. والثقة بالنفس

◄يقول المخترع الأمريكي توماس أديسون مخترع المصباح: "إنّ أُمّي هي التي صنعتني، لأنّها كانت تحترمني وتثق بي، أشعرتني أنّي أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضرورياً من أجلها وعاهدت نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط".

قد يكون الإعلامي شخصاً متسرعاً قليل الصبر ولا يحسن الاستماع إلى الغير، ويجعل مشاركة الغير شيئاً ثانوياً، وقد يرى نفسه شخصاً ضعيفاً عديم الثقة بالنفس. ولا شكّ أنّ الثقة بالنفس أمر هام في عالم الإعلام، فالمؤسسات الإعلامية تولي أهمّية كبيرة لهذا الموضوع، والأشخاص الواثقون من أنفسهم هم بلا شكّ موضع إعجاب سواء للمؤسسة أو للجمهور، والإعلامي الذي يتمتع بالثقة بالنفس يستطيع محاورة الرؤساء والملوك وكبار المسؤولين بكلّ هدوء وثقة، وهو في الحقيقة نجم قادر على الحصول على ترقيات في مجال عمله. لكن ينبغي أن لا تزيد هذه الثقة عن حدها، فالثقة الزائدة بالنفس ليس لها أي قيمة. وقد اختلف العلماء في موضوع موت الإنسان طبياً، فذكر بعضهم أنّ موت الإنسان يكون عند توقف قلبه، وقال آخرون أنّ موته يكون عند توقف دماغه عن العمل، ولكنّ البعض الآخر يقول بأنّ الموت الحقيقي هو فقدان الثقة بالنفس. فالثقة بالنفس هي سبيل النجاح في الحياة، والإعلامي الواثق من نفسه يجب أن يبتعد عن التردّد والخوف والشعور بالسلبية وعدم الاطمئنان لأنّ هذه الأُمور هي بداية الفشل. والكثير من خريجي الجامعات أهدروا طاقتهم بسبب فقدان الثقة في أنفُسهم، ولو استغلوا جزءاً قليلاً من طاقتهم لاستطاعوا أن ينجزوا الكثير، والعديد من المؤسسات الإعلامية الناجحة يكون قائدها شخصاً واثقاً من نفسه متأكداً من إمكانياته، محافظاً على قيمه ومبادئه، وفقدان الثقة بالنفس يعني الهزيمة النفسية وهي بداية الفشل. وأحياناً نجد أنّ الثقة بالنفس قادت العديد من الأُمم والشعوب إلى تحقيق الانتصارات، فإذا توافرت لدينا الثقة بالنفس والروح المعنوية العالية لاستطعنا أن نحقّق الانتصارات حتى لو لم تتوافر لدينا الوسائل الكافية. والإعلامي الناجح ينبغي أن يثق بنفسه وأن يؤمن بذاته وبأهدافه وقدراته وإمكاناته، وأن يبتعد عن الغرور والغطرسة والتسلط، وأن يؤمن بنجاحه، فكلّ شخص في هذا الكون لديه إمكانات وقدرات وهبها الله له، والثقة تكون محمودة إذا تربّى عليها الفرد وكانت دافعاً لتقوية شخصيته، أمّا إهمال المعرفة بالإمكانات الشخصية فإنّ ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس، وبالتالي يصبح الإعلامي مهزوز الشخصية ويفشل حتى في اتّخاذ أبسط القرارات، وهناك أشخاص يملكون قدراً من الذكاء لكنّهم لا يستطيعون استخدام جزء من هذا الذكاء لأنّ ثقتهم في ذكائهم ضعيفة، وفقدان الثقة هذا يؤدي إلى عدم استخدام الذكاء المتوافر لدى الشخص. بالطبع ينبغي على الإعلامي أن يدرك أنّ الذكاء نعمة من نعم الله عليه، ولذلك ينبغي أن يستثمر هذه النعمة لصالحه.

- ما هي أنواع الثقة بالنفس؟

في الحقيقة يوجد نوعان من أنواع الثقة بالنفس:

النوع الأوّل: الثقة المطلقة بالنفس: وهي ثقة يمكن أن نطلق عليها أنّها نافعة ومجزية لمن يتمتع بها، وتستند إلى مبررات قوية خالية من الشك، ويمتاز صاحب الثقة المطلقة بالنفس بإقدامه على الحياة بقوّة دون خوف أو تردّد، والإعلامي الواثق من نفسه مطلقاً لا يهتم كثيراً لأخطائه، أو فشله أو أنّه فعل شيئاً غير اعتيادي ولا يهمه رأي الناس كثيراً.

النوع الثاني: الثقة المحدَّدة بالنفس وتكون الثقة محدَّدة في جانب أو موقف معيّن، ويتجاهل الشخص جوانب أو مواقف أُخرى، وهذا النوع من الثقة قد يكون محموداً يتخذه الإعلامي الذكي الذي يقدّر العقبات، والمتمتع بالثقة المحدَّدة بالنفس يقدّر إمكاناته ويجرّبها بوثوق واطمئنان.

- هل تعلم أنّ غالبية الناس لا يثقون بأنفُسهم؟

قد تكون الثقة المطلقة بالنفس والثقة المحدَّدة بالنفس نوعين مثاليين في الثقة بالنفس، ولكنّ العديد من الناس خارج هذين النوعين، وأغلبهم يفتقدون الثقة بالنفس، وفي هذا الموضوع يقول عالم النفس الشهير "ألفريد أدلر": "إنّ البشر جميعاً خرجوا إلى الحياة ضعافاً عراة عاجزين، وقد ترك هذا أثراً باقياً في التصرّف الإنساني ويظل كلّ شيء حولنا أقوى منّا زمناً يطول أو يقصر، حتى إذا نضجنا ألفينا أنفُسنا كذلك، تواجهنا قوى لا حول لنا أمامها ولا قوّة، ويقفل علينا شرَك الحياة العصرية المتشعبة كما يقف الشَّرَك على الفأر، فهذه الظروف القاهرة التي نخلق ونعيش فيها تترك في الإنسان إحساساً بالنقص باقي الأثر، ومن ثمّ تنشأ أهداف القوّة والسيطرة التي توجّه تصرّفات البشر".

والإنسان بطبيعته ضعيف، فقد خرج ضعيفاً من بطن أُمّه لا يعلم شيئاً، ثمّ بدأ طريقه في الحياة، يتعلّم ويتكوّن وينمو ويزداد قوّة وثقة بنفسه مع الوقت. ولنأخذ على سبيل المثال الطفل الذي يبدأ أُولى خطواته في المشي فإنّه في البداية يكون خائفاً من القيام بأوّل خطوة، ثمّ تزداد ثقته بنفسه فيقوم بخطوة أخرى وهكذا. فكلّما ازدادت ثقته بنفسه ازداد قوّة ونجح في أداء خطوات أخرى. إذن فالإنسان يُولد ومعه طاقة قوية ودافع وحبّ لإنجاز شيء ما، فهذا الطفل لم يتعلّم بعد شيئاً في الحياة سوى المشي وهاهو يسعى للنجاح، ومن أحسن الخطوات في التمتع بالثقة بالنفس هي الإحساس بالنقص، فإذا شعر الإنسان بأنّه ناقص بين الناس، فبدون شكّ سوف يحاول أن يحاكي الناس ويصبح مثلهم، وهذا ما يدفع العديد من الناس إلى زيادة جرعات الثقة بالنفس، فإذا ترسخت هذه الحقيقة في ذهن الإعلامي فإنّه بلا شكّ سوف ينجح في أن يصبح واثقاً من نفسه معتزاً بها، وكلّما نجح الإنسان في تحقيق ما كان يراه صعباً فينبغي أن يواصل حتى يحقّق أهدافه ويزيد من نجاحاته.

- مَن جدَّ وجدَ ومَن زرعَ حصدَ:

عندما يصل الإنسان إلى هدفه، ويشعر بنشوة النجاح فإنّه يشعر براحة نفسية وبسعادة وفخر، ولعلّ السعادة هي ثمرة الثقة بالنفس، ومن ثمرات الثقة بالنفس ما يلي:

    - ينتابك شعور بأنّ الحياة جميلة.

    - تدرك أنّ إمكاناتك وقدراتك قادرة على مواجهة التحديات.

    - تدرك مكامن الضعف والقوّة في قدراتك.

    - تجعلك تزيد من وتيرة الانطلاق إلى الأمام.

    - تجعلك قدوة للآخرين.

    - تجعلك تتعرّف على النموذج المناسب لك في الحياة الكفيل بنجاحك.

    - تتمكّن من معرفة أهدافك وتزيد من عزيمتك للوصول إليها.

    - تجعلك تستغل كافة طاقاتك وقدراتك.

    - تجعلك قادراً على التخلص من السلبية والهزيمة والعجز والفشل.

    - تقوي إرادتك ورغبتك في مزيد من النجاح.

لا تدع نفسك تهزمك:

فهناك في تاريخ الحروب والمعارك عِبَرٌ على أنّ الهزيمة النفسية كانت سبباً أساسياً في هزيمة أقوى الجيوش وأعتاها، وإذا تأمّلنا في تاريخ البشرية نجدها ساحة صراع وحروب، وما فترات السلام سوى محطات للتهيؤ للصراع من جديد. فالمطلوب من الإعلامي الراغب في النجاح أن يكون قوي الإرادة ولا ينهزم بسهولة، فبالإرادة القوية يستطيع الإعلامي أن يواجه الحروب النفسية، وينتصر على مَن يستهدف هزيمته النفسية. إنّ خسارة حرب أو معركة أو صراع ليست هي الهزيمة الحقيقية، بل الهزيمة الحقيقية هي هزيمة الإرادة والثقة بالنفس؛ وتتفاقم المشكلة عندما ينهزم الإعلامي نفسياً لأنّ الإعلامي بمثابة قائد يوجّه المجتمع ويرشده فعندما يُصاب الموجه والمرشد فإنّ ذلك يؤثِّر بالسلب على الجمهور وبالتالي على المجتمع. ويجب على الإعلامي أن يتحمّل مسؤوليته في إعداد الأُمّة وتحصينها ضد الانهزام النفسي، وأن يكرِّس جزءاً كبيراً من توجيهه الإعلامي والتربوي للانتصار على الهزيمة النفسية، وأن يكون قادراً على شحذ الهمم وتقوية العزائم ورفع المعنويات وزيادة الثقة بالنفس في جمهوره، وينبغي أن يعتبر نفسه قائد معركة يدافع فيها عن جنوده من الهزيمة النفسية والدعاية المضادة، وبالطبع فالإعلامي مطالب بمعرفة سبب ومنشأ الهزيمة النفسية، والوقاية منها وعلاجها، وتكمن أبرز أسباب الهزيمة النفسية بما يلي:

    - ضعف الإيمان والثقة بالله: الإيمان بالله خالق الكون وبارئه ومصوره قضية هامة تمس واقع الإنسان النفسي وتكوينه الأخلاقي والتربوي. والإعلامي الناجح ينبغي أن يؤمن بالله لأنّ الإيمان مسألة مرتبطة ببناء الإنسان الداخلي، والإعلامي الناجح هو القادر على تجسيدها كسلوك ومواقف، والإيمان بالله يزيد من قوّة الإنسان النفسية ويقوّي إرادته ويحصّنه ضد الهزيمة النفسية.

    - الجهل بتاريخ البشرية: إنّ الجهل بشكل عام سبب من أسباب الهزيمة النفسية، والجهل بتاريخ البشرية بشكل خاص هو سبب من أسباب الفشل في مواجهة التحدّيات والمحن، وينبغي على الإعلامي أن يكون عالماً بمسيرة تاريخ البشرية، مطلعاً على الأحداث التاريخية والوقائع سواء في الماضي أو الحاضر، كما ينبغي أن يستوعب التجربة التاريخية ومسار الأحداث لكي يستطيع فهم الماضي والحاضر، ويقرأ المستقبل ويؤسّس موقفه على أساس خبرة وتجربة شخصية، ما يمكنه من تحصين نفسه ضد الهزيمة النفسية عندما يواجه التحدّيات.

    - التكوين النفسي للفرد: يساهم التكوين النفسي للفرد بشكل عام وللإعلامي بشكل خاص مساهمة فعّالة في الهزيمة النفسية، فالمحيط الاجتماعي والظروف النفسية الخاصّة والتربية والطفولة، تبني شخصية الفرد وتجعله شخصاً قابلاً للهزيمة أو تجعله شخصاً قوياً واثقاً من نفسه، لكن رغم ذلك لا ينبغي على الفرد أن يترك الظروف النفسية تتغلب عليه وتهزمه، بل يجب أن يقاوم ويثابر حتى يصل إلى هدفه ويحقّق النجاح.

    - الإحباط والضعف النفسي: يتعرّض الفرد إلى فشل في مواجهة بعض التحدّيات في حياته، فقد يفشل مثلاً في الحصول على شهادة الثانوية أو يفشل في إيجاد وظيفة، ومع توالي الإخفاقات والفشل يشعر بضعف نفسي وإحباط، فتتراكم لديه الإحباطات تراكماً نفسياً يزيد من خوفه ومن ضعفه النفسي، ما يؤدّي إلى إصابته بعقدة نفسية تتحوّل إلى شعور بالهزيمة النفسية، غير أنّ الإعلامي ينبغي أن لا يعير اهتماماً للفشل أو الإخفاق، بل يجب أن يحصّن نفسه ضد الهزيمة النفسية بأن يعتبر الفشل بداية النجاح، وكم من شخص نجح دون أن يلتحق بمقاعد الدراسة، ونذكر على سبيل المثال الكاتبة الإنجليزية (أجاتا كريستي) أعظم مؤلفة في التاريخ من حيث بيع وانتشار كُتُبها، وقد ترجمت رواياتها إلى معظم اللغات الحيّة في العالم، بل وقارب ما طبع منها بليوني نسخة. وهي الفتاة التي لم تلتحق بالمدرسة، بل دفعتها رغبتها في النجاح إلى التعلّم في البيت على يد أُمّها، بل إنّ روايتها الأولى (ثلوج على الصحراء) رفضها الناشرون فلم تُنشر قط، لكنّها لم تيأس وواصلت الكتابة بعزيمة وإرادة وكتبت روايتها الثانية (القضية الغامضة في ستايلز) التي أدخلتها عالم الكتابة من بابه الواسع. ولا تخلو اليوم مكتبة في العالم من رواياتها. وهذا مثال على العزيمة والإرادة وعدم الاستسلام للهزيمة النفسية. وهكذا ينبغي أن يكون الإعلامي الراغب في الوصول إلى مراتب عليا، ينبغي أن لا يجعل الإحباط يعيقه عن استكمال مسيرته في دروب النجاح، ويجعل التفاؤل بالمستقبل والإرادة سلاحه لمواجهة كلّ ما يعيقه لتحقيق النجاح وينتظر الفرصة للدخول إلى عالم الإعلام الواسع.

    * اكتسب ثقتك بنفسك:

    لكي تكتسب ثقتك بنفسك يجب اتّباع الأُمور التالية:

    - الاعتدال: أي أن تفعل الأُمور المعقولة ولا تحاول عمل شيء مستحيل، واختر الأُمور التي ترى أنّك قادر فعلاً على فعلها.

    - نمِّ في نفسك صفات النجاح بشكل تدريجي.

    - التعامل الحسن مع الناس وحسن السيرة والسلوك.

    - اعتنِ باختيار أصدقائك وعزّز الثقة بهم واجعلهم يثقون بك.

    - نمِّ في نفسك الإرادة القوية.

    - نمِّ في نفسك القدرة على اتّخاذ القرارات الصعبة.

    - استشر مَن حولك إذا صعب عليك اتّخاذ القرار.

    - تعوّد على اتّخاذ القرارات الصحيحة وصحح أخطاءك إذا اتّخذت قرارات خاطئة.

    - واجه الأُمور بحزم ولا تجعل التردّد يسيطر عليك.

    - محص المشكلة التي تواجهك وادرس الأسباب قبل اتّخاذ قرارك.

    - خذ وقتك في اتّخاذ القرار ولا تتسرع طالما لديك وقت كافٍ.

    - نفذ قراراتك فوراً ولا تنظر إلى الوراء ولا تفكر في حلول أُخرى.

    - لا تكثر من الاستشارات والنصح فقد يؤدي ذلك إلى تشتت أفكارك.

    - اعلم أنّك تعيش في مجتمع ونجاحك متوقف على نجاح المجتمع فلا تسعى إلى نجاحك على حساب الآخرين.

    - حاول التأثير في جمهورك لمساعدتك على تنفيذ أمر فيه مصلحة الجميع.

    - اكسب ود جمهورك وحاول مساعدتهم واطلب منهم المساعدة إذا اقتضى الأمر.

    - تجنّب الجدال والمناقشة الطويلة التي لا فائدة منها ولا تعاند أو تكابر.

    - اقنع جمهورك بالحجة والدليل.

    - ابدأ حديثك لجمهورك دائماً بلهجة يطبعها الود والصداقة.

    - اعطِ الفرصة لجمهورك لكي يبدوا آراءهم وكن مستمعاً جيِّداً.

    - لا تقل لأحد إنّك مخطئ ولا تتعجل بإظهار أخطاء الآخرين وتصيدها.

    - كن مخلصاً في رؤية وجهة نظر الغير ولا تتهم أحداً بالخطأ.

    - لا تكن منتقضاً وقدِّر أعذار الآخرين.

    - كن مخلصاً في تعاطفك مع أفكار الآخرين واحترم عقائد وتقاليد الآخرين.

    - حرك في الغير الفضائل النبيلة تجد الاستجابة المنشودة.►

 

  المصدر: كتاب كيف تحقق النجاح في المجال الإعلامي

تعليقات

  • مهدي صالح

    أستفدت من الموضوع كثيراً كوني إعلامي واسعى لتطوير نفسي فشكراً لكم.

  • نوران صفوان

    الثقة بالنفس تأتي من الإيمان بالله أوّلاً ومن السعي وراء تحقيق الكمال ثانياً.

ارسال التعليق

Top