• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإكثار من العبادات قبل رحيل الشهر الفضيل

محمود حسين عيسى

الإكثار من العبادات قبل رحيل الشهر الفضيل

أداء العبادات أمر مفروغ منه في رمضان وفي غيره من أوقات السنة، إلا أنّ الله عزّ وجلّ ضاعف أجر العبادات في شهر رمضان أكثر من سائر الشهور، الأمر الذي يحرص على استثماره واقتناص فرصته أولئك المتاجرون مع الله في هذا الشهر الكريم، ومن ذلك ما يلي:

1- الدعاء: الدعاء هو مخ العبادة، والصائم من الثلاثة الذين لا تُرد دعوتهم، فعن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". 2- قراءة القرآن: ثواب قراءة القرآن عظيم، وهي أعظم في شهر القرآن، شهر رمضان.. يأمرنا المولى عزّ وجلّ بترتيل القرآن.. حيث يقول سبحانه: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) (المزمل/ 4)، وعن عبدالله ابن مسعود (رض) قال: قال رسول الله (ص): "مَن قرا حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرفٌ، ولكن ألف حرف، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف" (أخرجه البخاري). 3- صلاة القيام: فمن يؤدي صلاة القيام إيماناً واحتساباً يغفر له – بإذن الله – ما تقدم من ذنبه كما قال (ص): "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه البخاري ومسلم). ويقول الله تعالى في وصفه لعباد الرحمن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (الفرقان/ 63-65). 4- الصدقات: إنّ المنفق المتصدق في رمضان له ثواب عظيم مصداقاً لقوله (ص): "من فطّر فيه صائماً؛ كان كفارة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له من الأجر مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجره شيئاً" (انظر: سنن الترمذي). 5- العمرة: إنّ ثواب العمرة في رمضان يعدل حجة مع رسول الله (ص)، وهذا ثواب عظيم، وخير كبير، وبشرى صادقة من رسول الله (ص)، فقد روى مسلم أنّ النبي (ص) قال: "عمرة في رمضان تعدِل حجة"، وفي رواية: "تعدل حجّة معي". 6- الاعتكاف: إنّ الاعتكاف سنّة مؤكدة عن رسول الله (ص)، وهي بفضل الله متاحة لكثير من المسلمين، وثواب الاعتكاف عظيم، فعن ابن عباس (رض) عن النبي (ص) قال: "من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ؛ جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين" (رواه الطبراني وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد).   - الحرص على الفوز بفوائد شهر الصوم: ففي الصيام فضل عظيم وهو غفران ما تقدم من الذنوب، كما ورد في حديث رسول الله (ص): "مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"، وفيه أيضاً الكثير من الفوائد، منها: 1- تأصيل شكر النعمة في نفس الصائم: إنّ امتناع الصائم عن الطيبات التي أحلها الله له، يجعله يشعر بقيمتها الحقيقية، فيدفعه هذا الشعور إلى تأصيل شكر الله المنعم في نفسه، ويستفيد الشاب المسلم من تأصيل صفة الشكر في نفسه، وتعويدها عليه، في معاملاته وعلاقاته بالناس؛ فيقوم بشكرهم عندما يقدمون له خدمة، أو يطرحون عليه رأياً، أو يسدون إليه نصيحة، وهذا الشكر يجعل العلاقات بين الناس سوية ومرغوبة، وفي ذلك خير كبير لهم، حيث يخرجون من دائرة غير الشاكرين لله سبحانه وتعالى، يقول رسول الله (ص): "من لم يشكر الناس لم يشكر الله عزّ وجلّ" (رواه أحمد والترمذي وحسنه). 2- التحكم في النفس: النفس عندما تتعود على شيء تألفه، ويصعب عليها تركه، إلا بالتحكم فيها، والعمل بمرونة كبيرة على كسر حدتها، فإنّ النفس – كما يقولون – إذا شبعت بطرت، وإن جاعت تواضعت لخالقها سبحانه وتعالى، وأحسنت التعامل مع من هم تحت إمرتها ومع الناس أجميع، وبخاصة عندما يلتزم الصائم بأخلاق الصيام التي دعا إليها النبي (ص)؛ حيث قال: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو خاصمه فليقل إني امرؤ صائم"، وفي هذا تدريب عملي ذو فائدة كبيرة للشاب المسلم على كيفية التحكم في نفسه، وتغيير عاداته التي تعود عليها، سواء كانت متعلقة بشهوات، أو بصفات أخلاقية، أو عادات محبطة مثل: التسويف، والضجر، والغضب، وسرعة الحكم على الأقوال والأفعال، وردة الفعل.. إلخ. 3- صفاء الذهن، وسلامة التفكير: إنّ الصيام يؤدي إلى صفاء الذهن، فكثرة الأكل تؤدي لكسل الجسم، وبلادة في التفكير وميل إلى النوم، وهذا في غير صالح المسلم عامة – والشباب منهم خاصة – وبالدليل القاطع والحجة القوية، إنّ قوة البدن ليست بكثرة الطعام، بل إن كثرة الطعام والاستسلام لشهوة البطن، تصيب البدن بأمراض كثيرة أهمها السمنة وآثارها المدمرة على كثير من أعضاء الجسم، وأهم هذه الآثار ما يصاب به الذهن من كسل وخمول، والرغبة في النوم، حيث تسحب المعدة الممتلئة بالطعام كميات كبيرة من الدم، مؤثرة بذلك على أعضاء الجسد الأخرى – بما فيها المخ – لتوفر الطاقة الكافية لعملية الهضم. إنّ تعود المسلم بعد انقضاء شهر رمضان على التقليل من الطعام، وتحكمه في شهوة البطن، يعود عليه بالنفع الكبير من سلامة وصحة بدنه، وسلامة وصحة وصفاء ذهنه، مما ينعكس على تفكيره، وإنتاجيته، وفي ذلك خير له ولمجتمعه، ووطنه. 5- ترشيد وتهذيب الغريزة الجنسية: إنّ الصيام يعمل على كسر حدّة الشهوات والمعاصي في نفس المسلم، فهو يرشد المادة الأساسية للقوة والشهوة وهي: الغذاء، فالصوم يخفف من حدة الشهوة الجنسية – خاصة عند الشباب – وما يتبعها من ذنوب ومعاص، ولهذا دعا رسول الله (ص) الشباب الذين لا يقدرون على الزواج أن يصوموا، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء". والحصيف لا يفهم من دعوة النبي (ص) للشباب بالصوم بأنّ الصوم يضعف الشهوة الجنسية، بل هي دعوة بأن ينشغل الشباب بالعبادة عن الانشغال بالتفكير بالشهوة الجنسية، وما قد يتبعها من الوقوع في جريمة الزنى الكبرى، أو جرائم زنى الحواس الأخرى: العين بالنظرة، أو اليد باللمس.. إلخ. 6- تنظيم وانضباط وظائف أعضاء الجسم: فسبحان الخالق العظيم، الذي يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، والذي لا يفرض علينا فرضاً إلا وفيه صالحناً المطلق، عن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): "صوموا تصحّوا". وكما يقول علماء الطب: إنّ الصوم الذي ينتظم به أكل الإنسان وشربه يعيد تنظيم عمل الغدد في الجسم، وبما أنّ الغدد تنظّم عمل بقية الأعضاء، فإنّ الصوم بالمحصلة النهائية يعيد تنظيم وظائف البدن العضوية والنفسية. ويعمل على تخليص الجسم من المواد الضارة: كالدهون التي تسبب السمنة، وما يترتب عليها من أمراض كارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية وغيرها، كما يخلّص البدن من المواد الفاسدة والسموم التي تراكمت فيه على مدار العام، ويعتقد بعض الباحثين أنّ الصوم يمكن أن يقضي على بدايات السرطان ويقتله في مهده. كما أنّ الكثير من الدراسات أكدت أنّ الصوم لا يضر بوظائف الكلى، ومكونات الدم، ورغم أنّه من المفترض أن يتعرض مرضى السكري للجفاف ومضاعفات المرض الحادة، إلا أنّ الدراسات التي أُجريت على كثيرين من حاملي مرض السكري، الذين يعالجون بتنظيم الحمية الغذائية، والذين يعالجون بخافضات السكر الفموية أثبتت أنّه لا توجد فوارق ذات دلالة إحصائية عن تعرّض الصائمين للمضاعفات الحادة للسكري أثناء صيام رمضان وبقية شهور السنة. 7- الفوائد البدنية والنفسية: يتمتع الصائم بكثير من الفوائد البدنية والنفسية، فصلاة التراويح وقيام الليل، هما عبارة عن رياضة نفسيّة تعمل على سموِّ الروح، وهما أيضاً رياضة بدنية تخفف عن الصائم الإحساس بتعب المعدة الذي يحصل من جراء الأكل بعد صوم يوم طويل، أو من جراء الإفراط في تناول الطعام، وفي هذا تعويد للشباب – وغيرهم – على ممارسة الرياضة، والحفاظ عليها بعد رمضان: ليكتسبوا جسماً سليماً قوياً، معافىً من الناحية البدنية، وكذلك تعويد النفس والبدن على قيام الليل في غير أيام رمضان؛ لما لها من أثر عظيم، وفائدة كبيرة على الحالة النفسية الروحية والتي تستمدها من قربها من الله سبحانه، بطول السجود، والخضوع والتذلل إليه. كل هذا يسمو بالروح، ويملؤها صفاء ونوراً وحباً متبادلاً لكل ما حولها، وفي هذا السعادة الحقيقية التي يفوز من خلالها المسلم بخيري الدنيا والآخرة".

ارسال التعليق

Top