• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الجواد (عليه السلام).. معجزة بشرية

عمار كاظم

الإمام الجواد (عليه السلام).. معجزة بشرية

من أهل بيت النبوّة الإمام محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام)، وهو من أصغر الأئمّة (عليهم السلام) في العمر الزمني، إلّا أنّه مع صغر سنّه الذي يلتقي مع صغر سنّ يحيى (عليه السلام)، كان يمثّل ما يشبه المعجزة البشرية، (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم/ 12)، فقد كان ذلك في المجتمع الذي يحكمه بنو العباس الذين اضطهدوا الأئمّة (عليهم السلام) بمختلف أنواع الاضطهاد، حيث كانوا يخافون على ملكهم منهم، لأنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يملكون الثقة الكبرى لدى المسلمين من مختلف المذاهب والاتجاهات، سواء كانوا ممّن يقولون بإمامتهم، أو ممّن لا يقولون بها.

تميّز الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) بالعلم الواسع الغزير الذي تفوّق به على كثير من علماء عصره، حتى إنّ الخليفة العباسي آنذاك، المأمون، الذي كان من الخلفاء المثقفين؛ كان يقدّره ويعظّمه تعظيماً كبيراً، كما يُنقل «كان المأمون قد شغف بأبي جعفر ـ وهذه كنية الإمام الجواد ـ لما رأى من فضله مع صغر سنّه، وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، من علمائه، وزوّجه ابنته أُمّ الفضل متوفراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره».

وهذه بعض كلمات الإمام (عليه السلام) في الوعظ والنُّصح رغم صغر سنّه، في الجانب الاجتماعي السلوكي، هذه الكلمات قالها وهو ينصح بعض أصحابه: «لا تكن وليّاً لله في العلانية وعدوّاً له في السرّ». فالإمام (عليه السلام) أراد من خلال هذه الكلمات، أن يعالج حالة أُولئك الذين يظهرون أمام الناس بمظهر الأتقياء المؤمنين، سواء في عباداتهم أو في كلماتهم أو في علاقاتهم، لكنّهم في الوقت نفسه عندما يعيشون السرية في حياتهم، فقد تجدهم أعداء لله، كأُولئك الذين يظلمون أُسرهم، ويظلمون الناس الذين هم تحت سلطتهم، أو كأُولئك الذين يفتنون ويكذبون في السر، بحيث يظهرون للناس بمظهر الأتقياء، ولكنّهم في السر يعيشون عيشة الأشقياء، الذين لا يتركون ذنباً إلّا أذنبوه، ولا يتركون أحداً إلّا ظلموه.

وفي كلام آخر يتحدّث فيه الإمام (عليه السلام) عن الناس الذين يستمعون إلى بعض الخطباء أو بعض الوعّاظ وينجذبون إليهم ويأخذون ما يتحدّثون به من دون تفكير، بحيث إنّهم يسلّمونهم عقولهم من دون أن يفكّروا في طبيعة هذا الخطيب أو ذاك، في علمه، في ثقافته، في استقامته، يقول (عليه السلام): «مَن أصغى إلى ناطق فقد عبده»، فهو يعني أنّ الإصغاء والتسليم لمن يتكلّم هو نوع من أنواع العبادة، لأنّ العبادة تمثّل غاية الخضوع «فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله»، فإذا كان كلامه هو كلام الله فإنّه قد عبد الله في إصغائه إليه، «وإن كان ينطق عن إبليس فقد عبد إبليس»، لأنّه خضع له بكليّته وانجذب لكلماته.

ورغم قصر المرحلة التي عاشها الإمام الجواد (عليه السلام)، حيث تذكر سيرته أنّه لم يعش سوى خمس وعشرين سنة، فقد ترك أثره بين الناس، وذاع صيته لدى العلماء، وأصبح طالبو العلم يفدون إليه من كلّ فجّ عميق، وقد تميّز الزمن الذي عاش فيه الإمام (عليه السلام) بانتشار المدارس والمعاهد العلمية والثقافية والمعرفية، وكثرة الفِرق الدينية والمدارس الفلسفية. ويكفي حتى نلمس العطاء الفكري والعلمي للإمام (عليه السلام)، ما تركه من تراث علمي وفقهي، أو من خلال كثرة أصحابه وتلامذته والرُّواة عنه.

هذا هو الإمام الجواد (عليه السلام) في عظمة علمه وهديه، وهذا هو في وصاياه ومواعظه ونصائحه، فهو مشعل من مشاعل الهداية والصلاح، لذلك نحن في خطِّ هذا الإمام وخطِّ آبائه وأبنائه (عليهم السلام)، لأنّهم أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، بهم فتح الله وبهم يختم. فالسلام عليه يوم وُلِد ويوم يُبعث حيّاً.

ارسال التعليق

Top