• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (عليه السلام).. عظمة الإباء والبطولة

عمار كاظم

الإمام الحسين (عليه السلام).. عظمة الإباء والبطولة

اتّسم الإمام الحسين (عليه السلام) بعظمة التصميم والعزم النافذ وتوطين النفس إلى النهاية، حيث أبى (عليه السلام) أن ينحني لكبرياء الظالم، فقال: «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، يا عباد الله إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب». ولعلّ أبرع تجلّيات بطولة الحسين (عليه السلام) كانت في هذا الموقف حيث يقول: «قوموا رَحِمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسُل القوم إليكم». ويتحدّث أحد الرواة عن حالة الإمام (عليه السلام) في ذلك الموقف الذي برز فيه إلى الأعداء، فيقول: «فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ ـ أي مصاباً قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده، ولقد كانت الرِّجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب». لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) كأبيه أميرالمؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) في شجاعته وصلابته وقوّته. ورغم هذا، الإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج مقاتلاً، حيث يقول: «فمن ردَّ عليَّ أصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين»، فهو قد انطلق، كما انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة بشكل سلميّ، لينفتح على الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيِّبة والأسلوب الليّن: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159). الإمام الحسين (عليه السلام) لم يتحرّك على أساس أنّه يستهدف القتل أو الشهادة، إنّما انطلق مغيّراً ومصلحاً، وإذا أردنا أن نتحدّث بمصطلحات هذا الزمن، يمكن أن نقول إنّه خرج ثائراً بما للثورة من معنى في تغيير الواقع من جذوره وتحويله إلى واقع صالح، وهذا ما ينبغي لنا أن ننطلق به.

لقد كان الإمام (عليه السلام) صاحب قضية وصاحب رسالة. كان يريد أن يغيّر العالم الإسلامي على خطّ الإسلام، وكان يريد أن يصلح ما فسد من أُمور المؤمنين، وكان يريد أن يتابع كلّ المعروف ليأمر به، وكلّ المنكر لينهى عنه، حتى إنّه كان يقف أمام معسكر الأعداء لينصحهم ويحاورهم ويرشدهم؛ لذلك لابدّ من أن نصحّح الصورة في هذا المجال. لقد قام الإمام الحسين (عليه السلام) بما عليه على أكمل وجه، وبذل أقصى ما يمكن بذله في سبيل عودة الحقّ وإحياء الضمير الميت لدى الناس وتنبيهه إلى واقعه المأزوم، ولكن نحن اليوم، ماذا فهمنا من منطق الحسين (عليه السلام)، وهل تعلّمنا فعلاً من مدرسته المباركة؟!

وعلى هذا الأساس، لابدّ لنا من أن ندرس شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) في مسيرته إلى كربلاء والشعارات التي أطلقها. فالإمام الحسين (عليه السلام) اليوم يستصرخ ضمائرنا، ويخاطب عقولنا، ويستثير عواطفنا الصادقة، كي ننهض نهضةً تعيد إلى الحقّ سطوته، وإلى الشريعة في كلّ روحيّتها البنّاءة حضورها في كلّ الساحات، ويستصرخنا كي نعتصم بحبل الله المتين، ونتمسّك أكثر بإسلامنا ووحدتنا، ونترفع عن العصبيات وضيق النظرة والأُفق.  

المهمّ أن نربي أنفُسنا وأولادنا على قيم عاشوراء التي هي قيم الإسلام، فلقد أرادت لنا الثورة الحسينية أن نعود إلى أصالة إسلامنا وأصالة أنفُسنا في انفتاحنا على مسؤولياتنا، وعلينا أن نصنع من أنفُسنا رجالاً حسينيّين يتحدّون المصاعب ويثبتون على الحقّ، ويدافعون عن الحرّية والعزّة والكرامة، ويرفضون الانحراف والأباطيل. ستظلّ الثورة الحسينية الصوت الهادر بالحقّ عبر الأزمان، تنادي كلّ الناس وكلّ الأجيال ليلتحقوا بهذه المدرسة الجهادية الفريدة التي تعلِّم الصبر عندما يستلزم الموقف الصبر، وتعلّم التضحية عندما يستلزم الأمر ذلك، وتعلِّم الاباء والحرّية كي يظلّ الإنسان حرّاً عزيزاً أمام كلّ الإغراءات.

ارسال التعليق

Top