هو التناصر بين أفراد المجتمع ليسدّ بعضهم حاجات بعض، ويسند الضّعفاء من قِبل الأقوياء، وكذلك التّناصر بينهم في القيام بأعباء العمل الصّالح، فيقوّي القادرون منهم على ذلك الضّعفاء فيه بمختلف معاني القوّة والضّعف. والإيمان بالله تعالى دافع فاعل لتحقيق المعنى من التكافل الاجتماعي؛ ذلك لأنّ استشعار وحدانيّة الله في خلق الإنسان وتدبيره وتولّي مصيره، يثمر في النفس شعوراً بالأخوّة إزاء النّاس جميعاً، وإزاء المؤمنين خاصّة، فيكون المؤمن رائياً نفسه في الآخرين بما هم إخوة له في الإنسانية بصفة عامّة، أوإخوة له في الله بصفة خاصّة، فإذا ما يصيبهم كأنّه يصيبه، فيهيبّ إذن لنصرتهم مما قد يقعون فيه من مهانة وعجز وحرمان، وهو يشعر في نصرتهم كأنما ينصر نفسه لما هو مستقر فيه من معاني الأخوة في الإنسانية وفي الله، فهذا الامتداد الشّعوري بإرادة الخير واستقباح الشرّ للناس جميعاً من خلال الإرادة والاستقباح في حقّ إنسان واحد إنما هو متأتّ من الإيمان بالله المقتضي لتكريم الإنسان، وذلك المعنى هو أيضاً ما جاء في قوله (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه"، فهو الإيمان بالله الذي يجعل المؤمن يرى نفسه في الآخرين، ويرى الآخرين في نفسه، فيدفع ذلك لا محالة إلى التكافل والتّناصر. فالإيمان بالله يقتضي التّكافل النّفسي المتمثل في النّصرة المعنويّة لمن هم في انكسار نفسي بسبب أو بآخر من الأسباب، وقد جاء في القرآن الكريم تأكيد مكرر لهذا المعنى فيما أولى من عناية باليتيم كرمز لمنكسري النّفوس، إذ قد استجمع جميع معاني الانكسار النّفسي، وذلك حينما جعل إكرام اليتيم ثمرة من ثمار الإيمان. كما يقتضى الإيمان بالله التكافل الاقتصادي، وذلك بنصرة المحتاجين لمرافق الحياة، وتوفير حاجاتهم منها، وقد جاء القرآن الكريم يؤكد على هذه النّصرة، مبيناً أنّها من ثمار الإيمان، وأنّ الإخلال بها من ثمار الشّرك، وذلك كما في قوله تعالى: (كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الفجر/ 17-18)، وفي قوله تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد/ 11- 16)، ففي هذه الآيات تقرير لكون الإيمان بالله تعالى من شأنه أن يدفع المؤمن إلى كفالة إخوانه من المحرومين كفالة اقتصادية بالإضافة إلى الكفالة المعنوية بالتّفريج النفسي، وقد أجمل هذا المعنى قوله (ص): "ليس المؤمنُ الذي يشبع وجاره جائع"، فمعناه أنّ الإيمان الحقّ بالله يثمر التكافل الاقتصادي بين المؤمنين تكافلاً يمتد إلى جميع ضرورات الحياة. ويقتضي الإيمان بالله أيضاً التكافل الإنتاجي بين المؤمنين، وذلك بأن يمدّ المؤمن إلى أخيه المؤمن بكلّ ما هو في حاجة إليه ليباشر به عملاً إنتاجياً، فيكون له بذلك عوناً على العمل الصّالح. وقد جاء في القرآن ما يقرن الإيمان بالله بهذا المعنى التكافلي، وذلك في مثل قوله تعالى تشهيراً بالذي يكذّب بالدّين: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون/ 4-7)، فلو كان هؤلاء مؤمنين بالله حقّ الإيمان لكانوا يتداولون الماعون الذي يُستعان به على الأعمال المنزليّة، وذلك رمز للآلات التي يُستعان بها على ما هو أو سع من ذلك في مجال الإنتاج والتّعمير. إنّ طرح هذه القضايا التّكافلية المتنوّعة بين الجماعة المؤمنة في القرآن، وهو الذي جاء يركّز أساساً على الدعوة إلى توحيد الله تعالى لذو دلالة بالغة الأهمية في الارتباط بين حقيقة الإيمان بالله وبين التّكافل الاجتماعي الذي تثمرة تلك الحقيقة، وهو ارتباط يجعل الإيمان بالله حقّ الإيمان يفضي بالجماعة المؤمنة إلى التّكافل فيما بينها تكافلاً معنويّاً نفسيّاً، وتكافلاً اقتصاديّاً، وتكافلاً إنتاجيّاً تعميريّاً، وذلك ما تحقّق على وجهه الأكمل في الجماعة الأولى التي آمنت بالله تعالى كما يبدو في التّكافل بين الأنصار والمهاجرين في المجتمع الإسلاميّ الأوّل في عهد رسول الله (ص).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق